العباس: الأغنية السعودية أكثر تأثيرا من الرواية والشعر والمسرح

الناقد محمد عباس
TT

* يرى الناقد السعودي محمد العباس أن «الممانعة الاجتماعية للموسيقى والغناء مقولة لا تصمد على أرض الواقع، فالمجتمع منذ نشأته ينتج الأغاني الخاصة بإنجاز العمل والاحتفال بالمناسبات الدينية والأذكار والترانيم والفرح بالميلاد، والتعبير عن الامتنان لله في موسم الحصاد، وتكريس العادات الطقسية، للتعبير عن التلاحم الإنساني، وليس من أجل التواصل العاطفي فقط، كما قد يحاول البعض التذرع بهذا المنحى لإكساب فكرة التحريم والتأثيم شرعية».

ويضيف «في المملكة ألوان من الفنون والإيقاعات تعكس التنوع الثقافي والجغرافي والتاريخي لاتساع المكان وتعدد منابعه كالموال والفجري والسامري والينبعاوي.. إلى آخر المتوالية التي يصعب حصرها، التي تقدم الدليل الحسي على أن هذه الأرض تحتفظ بمورث غنائي هائل، ما هو إلا امتداد لتاريخ حضاري حافل، إذ تعتبر هذه المحصلة من الفنون علامة على ما يسمى بالقيعان الحضارية، أي المناطق التي استبقت ما اندثر من الفنون كراسب ثقافي».

وهو يعتقد أن «الأغنية في السعودية تتقدم مجمل الخطابات الفنية والجمالية، فهي أكثر انتشارا وتأثيرا في العالم العربي من الرواية والشعر والمسرح، كما يشهد بذلك واقعها، وطابور الأسماء الحاضرة بقوة في المشهد الغنائي العربي كمحمد عبده وراشد الماجد ورابح صقر وعبد المجيد عبد الله وخالد عبد الرحمن، بالإضافة إلى بعض الأسماء النسائية التي تركت أثرا لافتا، كما أن أغاني الراحل فوزي محسون مثلا أعيد إنتاجها وغناؤها من قبل فنانين عرب، كاعتراف بأصالة هذا الفنان وقوة الفن الذي يمثله، وهو ما يعني وجود إرث طربي جاذب وعنيد، يصعب الإجهاز عليه بالوصايا والتهميش، وأن هذا المجتمع ما زال غنيا بثقافته وإنسانه، وأنه قادر على مجاورة الهويات الأخرى ومحاورتها بموجب خزينة من الأغاني والموسيقى، التي تعتبر بالمقاييس الاستراتيجية منتجات ثقافية قابلة للتصدير».

ويرى العباس أن «استمرار وجود الغناء بهذه الكثافة والفعالية يشير إلى مجتمع يتذوق الفنون ويرعاها بطريقته الخاصة، وبموجب مزاج يرفض التنازل عن إرثه الذي لا ينفصل بحال عن هويته، بمعنى أنه بهذا الاحتفاء والرعاية يحقق الطبيعة الاجتماعية للموسيقى، المؤكد عليها في الدراسات والخبرات الإنسانية، ويدفع باتجاه إمكانية توطينها كمكون ثقافي جامع، يمكن الاتكاء عليه في تربية الإنسان الجمالي، حيث يسد ذلك التنادي الواسع والمعلن للفن الغنائي، ما تهمله المؤسسة الثقافية من واجباتها، سواء على مستوى المباني والهياكل الجامعة للفاعلين موسيقيا، أو من خلال إيجاد تشريعات وقوانين تحمي هذا الفن وتدافع عن منتسبيه وتفتح المجال لإمكانية تطويره».

ويخلص العباس إلى القول «إن الموسيقى دلالة على حس التحضر، بالإضافة إلى كونها عنوانا للحياة الطقسية واليومية للمجتمع. وبموجب هذا الوعي، يحتاج المعنيون بالإنتاج الغنائي والموسيقي إلى تنصيع صورة هذا الفن بمنتج نوعي على درجة من الرقي ليستحق أن يكون ركيزة مهمة من ركائز الثقافة، التي تعكس إحساس ووعي وطقوس المجتمع المنتج لها، وتشير إلى تنوع ثقافتها الدينية والدنيوية. وعلى هذا الأساس ينبغي صد هبائية الجدل حول التحريم والتخليل بالإنتاج الراقي الذي تتجلى فيه أصالة الموروث كما يمتزج بالحداثة الواعية، للتذكير بالوظيفة الاجتماعية للأغنية المتلازمة بالضرورة مع دورة حياة الإنسان، بمعنى أن يكون الغناء على درجة من التماس مع القاعدة الاجتماعية، لا مجرد اشتغال نخبوي أو فئوي، ليتراكم داخل مفهوم الهوية، من منطلقات حسية. فالغناء بقدر ما هو إشباع مزاجي هو تاريخ وثقافة، تحضر من خلاله الذات زمنها، وهذا هو حالنا، فأغانينا تعكس تماما ما نحن عليه الآن».