أول مسرحية فلسطينية تقتحم برودواي

بعد أن سيطرت عليه أعمال فنية مؤيدة لإسرائيل

مشهد من المسرحية
TT

لأول مرة، يعرض شارع برودواي، أكبر شارع مسارح في الولايات المتحدة، وربما في العالم، مسرحية فلسطينية، بعد أن ظلت تسيطر على برودواي مسرحيات إسرائيلية أو مؤيدة لإسرائيل. وعلى الرغم من أن المسرح الذي تعرض فيه المسرحية ليس حقيقة على الشارع العام، ولكن في شارع جانبي، يظل في المنطقة المهمة التي يرتادها الناس. وأثارت المسرحية اهتمام التلفزيونات والإذاعات والصحف ومواقع الإنترنت.

سبب آخر للاهتمام هو ما حدث قبل ست سنوات، عندما رفض نفس المسرح عرض مسرحية «اسمي راكيل كوري». وهي مسرحية بريطانية عن طالبة جامعية أميركية ذهبت، سنة 2003، إلى غزة للدفاع عن الفلسطينيين, واشتركت في مظاهرة واجهتها قوات إسرائيلية بدبابات وتراكتورات، ودهسها تراكتور.

هذه المرة، كتب مسرحية «فود وفدوى» أميركيان من أصل فلسطيني، هما: لميس إسحاق، ويعقوب قادر. وهو أول عمل مسرحي لهما. أنتجت العمل شركة «مسرح نور» الأميركية - العربية، وهو أيضا أول عمل مسرحي رئيسي لها. ولعبت دور «مها» الفلسطينية مها شهلاوي، في أول أداء تمثيلي لها. ولعبت دور «فدوى» لميس نفسها، جامعة للمرة الأولى بين كتابة السيناريو والتمثيل.

تروي شهلاوي، أنها كانت في نيويورك منذ سنوات، وكانت تريد مشاهدة مسرحية «راكيل كوري». وعندما ألغيت، صار واضحا لها أن اللوبي اليهودي وأصدقاء إسرائيل وراء ذلك. وتعلق شهلاوي: «غضبت وحزنت. لكن، سألت نفسي: ماذا ينفع الغضب والحزن؟ يجب أن أفعل شيئا. فكرت في أن أكتب في الصحف، وأظهر في التلفزيون، وأتظاهر، وأوزع منشورات. لكن، سألت نفسي: أليس هناك شيء أتفرغ له بقية حياتي، ويكون مهنتي، ونضالي في نفس الوقت؟ كانت تلك الأفكار، قبل أربع سنوات، هي البذرة التي نتجت هذه المسرحية».

فعلا، عملت شهلاوي مع فرقة «نبراس» الأميركية - العربية للمسرح. وتعاونت الفرقة مع جيمس نيكولا، مدير مسرح برودواي الذي عرضت فيه المسرحية.

يتذكر نيكولا أول لقاء له مع شهلاوي ولميس وزميلاتها وفرقة «نبراس» ويقول: «كانت أول مرة نتقابل فيها. كان كل جانب مترددا. لكن اليوم، أرى ردود الفعل العاطفية للذين يشاهدون المسرحية، وأقول إنني أصبت بالتعاون مع هذه المجموعة».

قبل المسرحية الحالية، تعاون الجانبان على إخراج ليلة أدبية، قرأ فيها أميركيون - فلسطينيون قصائد وطنية عربية، تحت اسم: «أصوات من فلسطين».

ثم جاء دور المسرحية الحالية «فود أند فدوى». وهي عن الحياة تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتمثل شهلاوي دور «مها»، عروس فلسطينية شابة عرقلت إجراءات أمنية إسرائيلية حفل زفافها، في بيت لحم في الضفة الغربية.

وتقول لميس إسحاق، التي اشتركت في كتابة المسرحية، ومثلت دور «فدوى»: «كنا نعرف أن الموضوع الأساسي هو فلسطين. لكن، قررنا أن تكون المسرحية شخصية، عن حياة فلسطينيين عاديين، ثم نترك للمشاهد أن يكمل الصورة، من دون تكرار كثير لذكر للاحتلال. قررنا أن لا تكون مسرحية سياسية».

وقال يعقوب قادر: «من دون تخطيط مسبق، عرفنا معنى أن نكون فلسطينيين، التقينا من دون أن نقدم أنفسنا على أننا فلسطينيون. بعد ذكريات الآباء والأمهات والأجداد والجدات، وربما زيارات إلى فلسطين، أحسسنا بأننا ننتمي إلى فلسطين، وأننا يجب أن نفعل شيئا. لم نركز على الجانب السياسي. كان مجرد إحساس داخلي، ربما من دون تفسير عقلاني».

وأضاف: «اعتمادا على هذا الإحساس (ربما بوجود ظلم، أي ظلم، على أي شعب، ومن أي جهة) رأينا أن نتحدث باسم أهلنا هناك، من دون أن نقدم عملا سياسيا مباشرا».

وقالت هيثار رافو، وهي أميركية عراقية مثلت دور «حياة» العمة التي هاجرت من فلسطين إلى أميركا وهي صغيرة، وتربت كأميركية، وفتحت مطعما صار همّ حياتها: «في لحظة غضب، تبدلت اهتماماتها المترفة وصارت تفكر في الظلم».

ربما أكثر ما يثيره هذا المدخل لشرح القضية الفلسطينية للشعب الأميركي هو اسم المسرحية «فود أند فدوى» (الطعام وفدوى). ذلك أن جزءا كبيرا من المسرحية هو عن حب «فدوى» (بطلة المسرحية) للطعام. حب أكله، وحب إعداده، وحب الحديث عنه. أضف إلى ذلك، مؤخرا، حب مشاهدة قنوات طعام تلفزيونية أميركية، مثل: «فود شانيل» و«كوكنغ» و«نور ريسرفيشن».

وتروي البطلة «فدوى»: «أدمنت مشاهدة قنوات الطعام، وقادني هذا إلى إعداد الطعام الفلسطيني، ثم إلى هذه المسرحية».

أول شخصية رئيسية في المسرحية هي «بابا»، أو والدها، في بيت لحم، الذي بسببه قررت أن لا تهاجر إلى أميركا. وأن تبقى في فلسطين، وتطبخ له الفطور والغداء والعشاء. الأب نفسه كان صاحب مطعم. وفي مطعمه تعلمت البنتان «فدوى» و«مها» الطبخ الفلسطيني. لكن، بعد أن كبر في السن، وأغلق المطعم، وأصيب بمرض عقلي (لأنه لم يعد قادرا على طبخ الطعام الفلسطيني)، صارت البنتان تطبخان له.

البنتان تطبخان، والـ«بابا» يأكل، ويحكي قصص الآباء والأجداد. ثم سافرت «مها» إلى نيويورك لتدرس في جامعة كولومبيا. وبدأت تعمل خلال ساعات فراغها في مطعم عمتها «حياة». العمة التي تربت في أميركا، وتعمدت أن تنسى كل شيء عن فلسطين. قبل أن تذكرها بنت أخيها بوجبات «بابا» و«فدوى»، وتغير طريقة تفكيرها، وتبدأ في طبخ الأكل الفلسطيني.

وقبل أن يظهر على المسرح «يوسف» الذي وقع في حب «مها».

وعندما سافر «يوسف» و«مها» إلى بيت لحم للزواج، عرقلت دخولهما قوات الاحتلال الإسرائيلية. وتناقلت العائلة (وهي تطبخ وتطبخ) المشكلة، من دون إشارة إلى الاحتلال. فقط عبارة عابرة: «إنهم دائما يعرقلون زفاف الناس، ساعة، ساعتين، ثلاثين ساعة. لا شيء يهمهم». هذه واحدة من العبارات التي لا تشير إلى القضية الفلسطينية مباشرة. تأتي في سياق حديث عابر، ومع الأكل الفلسطيني، تفتح العقول والبطون.

لعب اسم المسرحية دورا في إثارة الاهتمام بها. وذلك لشهرة أفلام سينمائية مؤخرا عن الطعام، بعضها نال الأوسكار. مثل: «سفر وطعام وحب» و«جوليا وجوليا» و«عرس يوناني» و«عرس أعز صديقاتي».