إدمون المليح «جاء إلى الكتابة بالصدفة» وكتب بعد الستين أعمالا مبهرة

المغاربة يتذكرون كاتبا ألح على التعايش

إدمون عمران المليح
TT

ناقش كتاب مغاربة ومتخصصون في أعمال الكاتب الراحل في ندوة بمقر الجامعة الدولية بالرباط التراث الأدبي الزاخر الذي خلفه الكاتب الراحل إدمون عمران المليح في مسعى لإلقاء نظرة جديدة على إبداعاته. واشتمل اللقاء على جلسات نقاش تناولت قضايا متنوعة، من بينها «شهادات حول كتابة إدمون» «رسالة إلى إدمون عمران المليح» «إدمون عمران المليح والرسم: حالة خليل غريب» و«إدمون عمران المليح العين الثالثة».

في هذا السياق، قال أندري أزولاي مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي تحدث أيضا بصفته رئيس مؤسسة «إدمون عمران المليح»: «ساهم إدمون بشكل كبير في بناء قيم الحرية» وأضاف أنه عمل كثيرا على الذاكرة، والهوية من حيث هي هوية متعددة ومتنوعة.

من جهته، اعتبر إدريس خروز مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية أن «إدمون عمران المليح، كان يكتب من أجل الجمال، والنعومة والرفاهية». موضحا أنه كان محبا لفن الملحون، وللشعر الأمازيغي، وكانت لغته مشحونة بقوة المعنى، لأنه لم يكن يكتب من أجل الكتابة على حد تعبير خروز.. «إن موضع التشاؤم عند الكاتب والفيلسوف الراحل إدمون عمران المليح، يتجلى في عدم التحام الحرية والعدالة على أرض الواقع».

وخلف الأديب والكاتب المغربي اليهودي إدمون عمران المليح أفكارا وكتبا تنضح بالمعاني بعد غيابه في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، هذه الكتب تتواصل دراستها من طرف المهتمين. فكرة واحدة لإدمون قد تعادل محتوى كتاب كامل. هو من قال لا لتوظيف المحرقة اليهودية (الهولوكوست) لأهداف سياسية، وهو الذي لم يهادن الحركة «الصهيونية» قط في حياته. وتحظى أعمال إدمون عمران المليح باللغتين الفرنسية والإسبانية في الأدب والفلسفة والتشكيل بكثير من الاهتمام داخل وخارج المغرب. بعد رحيله تأسست «مؤسسة إدمون عمران المليح» لترعى إرثه الأدبي، وهي المؤسسة التي نظمت ملتقى ثقافيا حول الإنتاج الأدبي للراحل احتضنته رحاب «الجامعة الدولية» للرباط.

يقول المليح إنه «جاء إلى الكتابة بالصدفة» عندما صدرت له أول رواية «المجرى الثابت» في ثمانينيّات القرن الماضي، وكان عمره آنذاك 64 سنة. عبّر في أول إصدار له عن تجربته الذاتية في النضال والسياسة والحياة، وعن تاريخ المجتمع المغربي وذاكرته. في ذلك الوقت غادر المليح الحزب الذي كان يعمل في إطاره، وربما كان أول المثقفين الذين دشنوا مسلسل الاستقالات من الأحزاب السياسية، وهو ما فعله من بعده الدكتور محمد عابد الجابري ومحمد سبيلا وآخرون.

وفي عام 1996، يكُرّم المليح، إلى جانب الكاتب قاسم الزهيري والشاعر محمد الحلوي بـ«جائزة الاستحقاق الكبرى»، وهي أرفع جائزة ثقافية وأدبية رسمية تُمنح في المغرب، ثُمّ بـ«وسام الكفاءة» عام 2004، تقديرا لإنتاجه ومساهمته في إشعاع الثقافة المغربية الحديثة.

بادر المليح إلى كشف «الخداع الإسرائيلي» للعالم منذ روايته «ألف عام بيوم واحد» عام 1986، وعمل على انتقاد «الصهيونية» باعتبارها «حركة عنصرية وحشية تقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب».

نشأ إدمون عمران في وسط اجتماعي تعايش فيه المغاربة اليهود، والمسلمون في مدينة أسفي الأطلسية، وعاش طفولة عادية، ونسج علاقات وصداقات مع الجميع دون أي شعور بالاختلاف، الشيء الذي جعله يرفض فكرة الهجرة إلى إسرائيل. ظل يردد أنه مغربي يهودي، وليس يهوديا مغربيا. ثمة فرق كبيرة بين العبارتين لدى الأديب الراحل. وكان يقول إن الديانة ليست هي التي تحدد الوطن، وكان ضد تهجير يهود المغرب إلى إسرائيل ولكل من شارك في تلك العملية، في ذلك معتبرا ذلك بمثابة سرقة مواطنين مغاربة من قبل دولة أخرى.

لم تكن لإدمون عمران المليح حسب أفكاره وقناعاته وشهادات أصدقائه أي علاقة علنية أو سرية مع إسرائيل، شأنه في ذلك شأن العديد من الفاعلين والمفكرين المغاربة من أصل يهودي مثل سيون أسيدون، والراحل أبراهام السرفاتي. أشياء كثيرة ومعان رفيعة تنضح بها كتابات وحياة إدمون عمران المليح. اعتبر الأديب المغربي الطاهر بن جلون موت إدمون عمران المليح «خسارة كبرى للمغرب، وللأدب ولكل القضايا العادلة».