ياسين عدنان: لا نقرأ ولا نشتري الكتاب لأننا لا ننفق على الثقافة

TT

يعمل الشاعر ياسين عدنان في مجال الإعلام الثقافي منذ عقدين، معد ومقدم برنامج ثقافي تلفزيوني أسبوعي هو «مشارف». من إصداراته دواوين شعرية «مانكين» (العارضات) و«صيف القيامة» و«لا أكاد أرى» وقصص «من يصدق الرسائل» و«تفاح الظل» وكتاب شعري «مراكش: أسرار معلنة» بالاشتراك مع سعد سرحان، تقديم خوان غويتيسولو. حاصل على جائزة مفدي زكريا المغاربية للشعر في الجزائر، وجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب في الدار البيضاء، وجائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب.

* ماذا تفعل حاليا؟

- أعكف على مراجعة كتابي الشعري الجديد «دفتر العابر» وهو عبارة عن قصيدة شعرية طويلة عن السفر والعواصم ومحطات الترانزيت، اشتغلت عليه أربع سنوات كاملة وأنهيته الصيف الماضي خلال إقامة أدبية في كاليفورنيا، لكنني عدت إليه قبل أيام لأراجعه وأنقحه قبل أن أقترحه على القراء.

* ماذا تقرأ هذه الأيام؟

- أقرأ بالموازاة كتابين مغربيين حديثي الإصدار «التفاؤل المعلق: التسلطية والتباسات الديمقراطية في الخطاب العربي المعاصر» للدكتور محمد نور الدين أفاية و«الآيديولوجيا والحداثة: قراءات في الفكر العربي المعاصر» للدكتور سعيد بنسعيد العلوي.

* لماذا هذان الكتابان تحديدا؟

- لأنهما يندرجان معا ضمن حزمة من الإنتاجات الفكرية المغربية العميقة التي صدرت حديثا والتي سأعكف على قراءتها تباعا في الأسابيع المقبلة. فهما دراستان تؤكدان أن المثقف المغربي ليس غائبا عن المشهد كما يزعم البعض، وعرف كيف يشتبك مع أسئلة اللحظة التي يمرّ بها المغرب وكل العالم العربي في ظل هذا الحراك الذي نعيشه. لكن وللمفارقة، نجد العديد من الأصوات في الصحافة وداخل المجتمع تتحدّث عن انسحاب المثقف وغيابه دون أن يكلف أصحاب هذه الصيحات أنفسهم عناء متابعة جديد المثقفين والمفكرين المغاربة والعرب عبر اقتناء كتبهم وقراءتها.

* هل هناك مشروع قريب؟

- لدي مشروع كتاب عن مراكش، كتاب عن الأماكن الدارسة بالمدينة الحمراء، مراكش مدينة تتحول، بسبب العولمة والانفتاح، لذا اقترحت شخصيا على الأصدقاء أن يروي كل واحد منا ذاكرته عن مخزونها ونبدأ لعبة الاسترجاع فنتذكر بعض معالم المدينة التي ضاعت، وهو نوع من الانتصار للذاكرة والتنبيه إلى أن التحولات التي انخرطت فيها مراكش، على إيجابيتها أحيانا، قد تكون قاسية على الذاكرة والوجدان، فما فقدته مراكش من معالم حتى الآن رهيب.

* أين هو موقع الإبداع المغاربي في خضم التطورات الراهنة في المنطقة؟

- الإبداع، ليس المغاربي فقط وإنما العربي عموما، ليس مطالبا بالتفاعل الفوري مع الأحداث. الأعمال الأدبية التي تحاول مواكبة الحدث يكتبها أصحابها باستعجال وفي سباق «تجاري» مع الزمن لكيلا يخطئ الكاتب موعده مع التاريخ (التاريخ كما يفهمه الناشر وبمعناه التجاري). فالأدب في تقديري له دور مختلف. إنه يستشرف، وإذا أعدنا قراءة العديد من الأعمال الروائية والشعرية العربية سنرى أنها استشرفت ما يحصل الآن في العالم العربي، هناك أيضا أعمال مسرحية وسينمائية أنتجت قبل الربيع العربي وحملت الكثير من النبوءات التي أثبتت التحولات أنها لم تكن كاذبة.

* ما الدور المفترض في نظرك أن يلعبه اتحاد كتاب المغرب؟

- يمر اتحاد كتاب المغرب بأزمة تنظيمية مستفحلة في الآونة الأخيرة. بل إن هذه المنظمة الثقافية العتيدة تبدو اليوم عاجزة حتى عن عقد مؤتمرها. لذا لم أعد أتوقع منها الكثير في مغرب اليوم. كل ما أرجوه من مسؤولي الاتحاد وأصدقائه والمتعاطفين معه هو أن ينجحوا في فك العقدة الحالية فيعقدون مؤتمرهم وينتخبون مكتبا جديدا ويجدّدون مكاتب الفروع على الأقل لكي يعود هذا الإطار إلى سيره العادي والطبيعي ولو في الحدود الدنيا، وحسبهم ذلك.

* ما أهم مشكلة تهم الثقافة تتمنى أن تحل في عهد حكومة ابن كيران؟

- الحكومة الجديدة تتكوّن من تحالف حكومي يضم أحزابا بمرجعيات ثقافية مختلفة. الخلفية الثقافية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية مثلا تجعلهم أكثر اهتماما بـ«تنظيف» المشهد الأدبي والفني من «الشوائب». والدليل دعوات عدد من وزرائهم إلى «الفن النظيف» وإلى دعم «الأعمال النظيفة». حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقا) له خلفية ثقافية مناقضة تماما. لهذا أتمنى من هذه الحكومة بسبب عدم تجانسها الفكري والثقافي أن تترك شؤون الفن والثقافة والإبداع لأصحاب الشأن وتهتمّ أكثر بتوفير البنى التحتية للثقافة.

* كيف تفسر تراجع مستوى القراءة؟

- نحن مجتمع مر مباشرة من الثقافة الشفوية إلى الصورة والإنترنت، دون أن يعيش تجربة الكتاب ودون أن يتاح له صناعة أفق فكري أو سياسي انطلاقا من الكتب. يجب أن نعترف بأننا شعب لم يراكم أي تقاليد على مستوى القراءة لا في تاريخه القديم ولا في الزمن الحديث. لا نقرأ ولا نشتري الكتاب لأننا، ورغم نزوعاتنا الاستهلاكية المتوحشة، نتبرم من الإنفاق على الثقافة.

* ما الحل في نظركم لمواجهة التراجع اللافت في هذا الجانب؟

- الحل سياسي أساسا، ويجب أن يتخذ على أعلى مستوى، فهذا مجال من المجالات التي نحتاج فيها ليس إلى تدخل وزارة الثقافة لوحدها بل إلى كل القطاعات الحكومية في إطار مقاربة شمولية تضع الكتاب والنشر في صلب اهتمام الدولة. فإذا كانت القراءة باعتبارها ممارسة شخصية تقع تحت مسؤولية الأشخاص الذاتيين، فإن القراءة العمومية تبقى من مسؤولية الدولة.

* بما أنك تقدم منذ سنوات برنامجا ثقافيا أسبوعيا فهل يمكن للتلفزيون أن يقوم بالدور الذي يقوم به الكتاب؟

- نحن انتقلنا في المغرب من الشفاهية إلى استهلاك الصورة قبل أن نكتسب عادة استهلاك الصحيفة والمجلة والكتاب، فسرعان ما اكتسح التلفزيون المشهد ليصير المرجع الأول لدينا، بل والوحيد بالنسبة للفئات الأمية من المجتمع. وحينما يغيب المثقف عن هذا المعترك، فإن الجوّ سيخلو طبعا لغيره، وكلنا يعرف من يصول ويجول على شاشاتنا اليوم، وفي اعتباري أن تعزيز البرمجة الثقافية في التلفزيون أصبح مطلبا حيويا، إذ يجب أن تكسب الثقافة مساحات جديدة على الشاشة لأن التلفزيون كوسيط صار يلعب اليوم دورا محوريا في صناعة الرأي العام والوجدان الجمعي.