السعودية: أي علاقة بين الشباب والمؤسسات الثقافية؟

الشباب ينتجون ثقافتهم.. ويعززون قطيعتهم مع المثقفين

عبد الحفيظ الشمري , حسن
TT

أي علاقة بين الشباب والمؤسسات الثقافية؟ وهل يفهم الكتاب والنقاد وصناع الثقافة ومسؤولو المؤسسات طموحات الشباب وتطلعاتهم..؟ ولماذا ما زال البعض يشتكي أنه يكتب لمن لا يقرأون، دون أن يعي أنه لم يعد يمتلك وسيلة التخاطب مع الطرف الآخر؟ الشباب السعودي الذي تقول البيانات إنه الأكثر نموا داخل شبكات التواصل الإلكترونية، يمتلك حسا فنيا وثقافيا ولديه قدرة على العطاء والمشاركة، وخلال المواسم الفنية تبرز مشاركته سواء عبر إنتاج الأفلام السينمائية بإمكانيات معدومة، أو من خلال إنتاج الوسائط الثقافية والإعلامية أو التوسع الهائل في الفن التشكيلي وغيره. إذن، أين المشكلة؟ من المسؤول عن عدم التواصل بين الكاتب وجمهور الشباب؟ وقبل ذلك، من يكتب للشباب؟ سؤال لا يراه الناقد السعودي المعروف الدكتور حسن النعمي محقا.. يقول: «لا أحد لديه الوقت ليكتب لأحد، فالشباب لهم رؤيتهم ولغتهم وطريقة تناولهم الخاصة للقضايا والمسائل الاجتماعية».

ويلاحظ النعمي أن معظم الشباب أصبح مأخوذا بشبكات التواصل الحديثة، وأن صلته بالكتاب تعطلت، مشيرا إلى أن هذا أمر طبيعي في ظل المتغيرات الحاسمة، غير أنه من المهم برأيه، كيف يستفيد الشباب من هذه التحولات المعلوماتية.

كذلك يرى الروائي والكاتب عبد الحفيظ الشمري، أنه «ليس هناك من يكتب بالنيابة عن الشباب، وإن وقع هذا التصور فهو محدود جدا ولا أثر له، لأن الحالة الإبداعية هاجس خاص ربما تتفاوت نسب العطاء فيه، أما من يريد أن يزيف الواقع فإنه لا يمكن له ذلك أبدا مهما حاول».

الشمري لا يرى أن الحالة الثقافية لعموم المجتمعات العربية في أحسن أحوالها، «فما يظهر للعيان الآن أن الثقافة والمعرفة، تمر بامتحان صعب وتحولات تاريخية في مفاهيم التعاطي مع القارئ أو المتلقي، تتمحور جلها في أدوات وسبل عرض المنتج الثقافي، على نحو التقنيات الحديثة وأوعية المعلومات».

وثمة ملاحظة يطرحها الدكتور النعمي، وهي أن الشباب أصبحوا متحمسين أكثر لإبراز أدوات تعبيراتهم الثقافية وخاصة في ظل تردي وضع المؤسسات الثقافية، وقال: «في ظل عجز المؤسسات الثقافية الرسمية على المواكبة، وعدم قدرتها على الإقناع، ظهرت هناك مثلا بعض الفرق الشبابية التطوعية، التي تمارس نوعا من النشاط الثقافي الاجتماعي، وستظهر قنوات خارج الفضاء الرسمي لتعبر عن ذاتها»، لكنه يخشى من تحجيمها وإرجاعها بالإكراه لحضن المؤسسات الثقافية الرسمية، حيث «لا يمكن في هذه الحالة أن يكون هناك تجانس مطلقا، بل ضياع تفقد معه المؤسسات الثقافية الرسمية آخر فرصها للعمل بجدية».

منتجات ثقافية جديدة

ويشدد الدكتور حسن النعمي على الحاجة لابتكار منتجات ثقافية جديدة تستجيب للتطورات في وسائل التواصل، وتلبي طموح الأجيال الجديدة، حيث ينبغي تجاوز مفهوم النشاط الكلاسيكي للثقافة والأدب من قصة ورواية وشعر، فهذه الفنون هي إبداع أدبي من خلال اللغة، غير أن الإبداع أوسع من مجرد حصره في هذا السياق.

ويلاحظ النعمي أن الرياضة أصبحت تمثل جانبا من الإبداع، كما هو في حالة الرسم والنحت والفنون والمهارات، باعتبارها شكلا من أشكال الإبداع القائم على علاقة الذات بالعالم، غير أنه يؤكد على أن يبقى للإبداع الأدبي حضوره في سياق التصنيف الثقافي، بوصفه يتعانق مع الفكر وليس مجرد مهارات فردية.

ولكن ماذا عن وسائل الإنتاج الثقافي الجديدة؟ يقول النعمي: «إن المستقبل للقنوات الجديدة مثل الفيلم والسينما والصورة وقنوات الـ(يوتيوب) في صناعة الثقافة، فالكل يتحول للاستفادة من هذه الوسائط الجديدة، فأصبح لدينا الكتاب الإلكتروني، والكتاب المسموع، والمدونات وغيرها من الوسائط. المهم هو كيفية استثمارها».

وتنامي المنتجات الجديدة، كما يضيف، لا يلغي بالضرورة المنتجات السابقة، لكن يجب أن نتيقن أنه لا يمكن أن يكون هناك إلغاء لأي شيء، بل انحسار لأدوار بعض هذه الوسائط حسب ظروف الزمان والمكان والقناعات.

أما بالنسبة للروائي عبد الحفيظ الشمري: «فالإبداع ما هو إلا موجة تدفع موجة لتأسيس هذا النهر الكبير من الإبداع والكتابة، فالأدب والثقافة لم يعودا ذلك النشاط الكلاسيكي من قصة وراية وشعر إلى غير ذلك».

ويضيف: «بلا شك لا يمكن لنا أن نعتقد بهذه الرؤية الضيقة لمسارب الإبداع الإنساني إنما هناك أفق واسع من العطاء الإبداعي يشمل الكثير من صور الجمال في الكتابة الحرة والرسم والخط والمسرح والسينما والتصوير الضوئي والنقش والخياطة وفنون وحرف أخرى، إذا أعملت فكرك بها ستجد أنها تحتمل الإبداع لما فيها من صور جمالية تتعدى حدود أن تكون أداة من أدوات الحياة العادية».

ويرى الشمري أن انخراط بعض الفرق التطوعية الشبابية، لممارسة نوع من النشاط الثقافي الاجتماعي هو أمر محمود، لأنه «يخرجنا من تقوقعنا أو تمترسنا خلف كل ما هو رسمي أو شبه رسمي».

التواصل والقطيعة

في سياق الحديث عن دور الشباب في التفاعل الثقافي، تثير الشاعرة والناقدة الدكتورة أشجان هندي، إلى العلاقة بين الأجيال، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة «الأبوية» بين جيل الرواد والشباب، فهي تلاحظ أن «الشباب لم يعد بمقدورهم الانتظار طويلا، حتى يجدوا ما يرضيهم من قبل رواد الإبداع والثقافة في أن يشبعوا رغباتهم، من العطاء الإبداعي والثقافي، ذلك لأن التسارع التقني وتكنولوجيا التواصل الحديثة، أوجدت بديلا يستغرق ما لديهم من أوقات».

لكن خروج الشباب من قيد الوصاية، لا يمثل مبررا لإحداث قطيعة مع ثقافة المجتمع، وتقول: «إن ذلك لا يمثل مبررا كافيا لأن تحل ثقافات وافدة أو مستحدثة أو خارقة للحواجز محل الثقافة الموروثة المطورة والتعاطي مع الإبداع بأشكاله المختلفة».

وترى هندي أن هذا الواقع الذي يساعد على ممارسة القطيعة بين الأجيال الرائدة والأجيال الحديثة التكوين الثقافي والإبداعي، يرمي بمسؤولية ضخمة على رواد الإبداع والثقافة لأن يطوروا من أدوات تعبيراتهم لتقريب الشقة بينهم وبين الجيل الجديد، مع الاهتمام بدراسة طريقة تفكيرهم ومؤثراتها على أسلوب حياتهم وتعاطيهم مع حاجة العصر مع احتفاظهم بإرث ثقافي وإبداعي متطور.

وفي ظل العلاقة غير المثالية بين الأجيال الثقافية، تخشى الناقدة أشجان هندي من أن ينصرف الشباب كلية نحو الاستعاضة عن الحاجة لرواد الإنتاج الثقافي والإبداعي ومنتجاتهم بما توفره وسائل الاتصال الحديثة، إذ أخذت تكنولوجيا العصر تتسابق وتتسارع في الإنتاج، موضحة أن بعض الشباب الطموح انخرط في طريق الإبداع التقني الحديث وأصبح جزءا لا يتجزأ من شبكة الاتصال وتحديثاتها وتطوراتها.

ولكن ماذا بشأن «الرواد».. هل بمقدورهم تجسير الفجوة مع الشباب؟ تقول الدكتورة أشجان هندي: «هناك صعوبة في أن يتجه رواد الإبداع والثقافة لدراسة الحالة الشبابية ومحاولة إرضاء الشباب، وذلك لأن الإبداع والثقافة لا تصمم كمنتج سياسي مهدئ للنفوس، بقدر ما هي منتج من الإلهام الفطري والمصقول بالتجربة وبالعلم».

وهي ترى أن الأصل في الثقافة والأدب هو إنهما منتجان حضاريان، وبالتالي فهما قادران على أن يدخلا في سياق كل التوليفات والاستحداثات التكنولوجية المعبرة، ولا غنى لأمة عنهما أبدا، وأن الشباب جزء لا يتجزأ من المنتج الإنساني المتصل، ما يعني أن حالات الانفلات تبقى استثناءات في حال تمكنت المؤسسات الثقافية استيعاب طاقات الشباب.

واختار الشاعر حسن الزهراني رئيس نادي الباحة الأدبي التوجه في حديثه عن الشباب إلى المستقبل. وهو يدعو لإنشاء هيئة خاصة بالشباب، مقترحا أن تبدأ هذه الهيئة باستفتاء الشباب، ودراسة أفكارهم الحالية، حتى يكون التخطيط لهم بناء على معرفة تامة بمستواهم وتوجهاتهم وميولهم.

كذلك يدعو الزهراني الباحثين والمفكرين لعمل دراسات دقيقة ومتطلعة لاستثمار هذه الطاقات وتوجيهها، كما يشدد على دور المؤسسات الثقافية في إعادة صياغة خططها بما يواكب متغيرات العصر، وما وصلت إليه الدراسات المتجددة، التي تتسارع. ويحذر الزهراني من المعالجات الفردية «التي ربما تبنى على عدم علم بمستويات ومتطلبات الشباب ومتطلبات العصر».