«راديكالي».. رحلة من التطرف إلى الصحوة

قيادي حزب التحرير السابق.. مهمته اليوم التصدي للفكر الأصولي

غلاف الكتاب
TT

في كتابه «راديكالي» الذي صدر مؤخرا باللغة الإنجليزية عن دار «W.H. Allen» في لندن، يحدثنا ماجد نواز، المسؤول الدولي السابق عن التجنيد بجماعة حزب التحرير الإسلامية، عن قصته مع التعصب السياسي، والتطرف الديني بعد أن كان قياديا سابقا في حزب التحرير ببريطانيا. الكتاب يكشف قصة ماجد نواز، المدير الحالي لمؤسسة «كويليام» لمكافحة التطرف في العاصمة لندن، وهو مسلم بريطاني من أصول باكستانية أصبح ناشطا في الحزب، عبر سرد محطات وتجارب في حياته أدت إلى صقل انتمائه الفكري، وتسببت في خلق ثورة فكرية لديه غيرت مجرى حياته.

نشأ ماجد في مدينة ساوث أند في محافظة اسكس الإنجليزية، ولقد بدأت رحتله مع التطرف في سن الشباب، عندما وقع ضحية لعصابات يمينية متطرفة حاولت التعرض له ولأصدقائه لكونهم من أصول آسيوية. يتحدث ماجد في كتابه المكون من 386 صفحة من القطع المتوسط، عن تعرضه للمضايقات المستمرة وصل حدها للضرب المبرح، ويصف شعوره بالألم الذي كان يعاني منه عندما تمكنوا من النيل منه. يقول: «إن لم تشعر أي مرة بالخوف والعجز الذي يسببه العنف العنصري فمن الصعب أن تفهم ذلك الخوف، بشرتك، وبسبب لونها تتحول إلى هدف متحرك».

يسرد ماجد حوادث أخرى تظهر العنصرية التي كانت متفشية حينها في الشرطة البريطانية التي فشلت أكثر من مرة في حماية الأقليات، حين تعرضهم لهجوم من قبل المتطرفين اليمينيين البيض. ويروي أنه في أحد الأيام، عندما خرج من البيت بصحبة أخيه الأكبر عثمان، تعرضت لهم إحدى هذه العصابات مجددا، ولكن في هذه المرة اختفت العصابة بسرعة بعد أن قام عثمان بالتحدث معهم. لقد قال لهم عثمان إنهم مسلمون لا يخافون الموت: «نحن مثل المجاهدين الفلسطينيين، تعلمنا كيف نصنع المتفجرات وأنا أملك واحدة منها بحوزتي. إن حاولتم التقرب مني فسوف استعملها، حتى إن تسبب ذلك في موتي». لقد رأى ماجد أن هذه الطريقة ناجعة في إبعاد المتعصبين البيض، وأصبح ينجذب نحو التطرف الديني متأثرا بأخيه عثمان، وأخذ يدرك أن «التهديد باسم الإسلام هو رسالة قوية يمكنها أن تحدث الرعب لدى مثل هؤلاء الأفراد».

وأخذ ماجد، الذي نشأ في بيئة منفتحة، يتأثر بأفكار سيد قطب، والباكستاني أبو الأعلى المودودي، وبدأ في حضور دروس مع نشطاء حزب التحرير في بريطانيا.

ويوضح ماجد أن هذه الدروس كانت في البداية عبارة عن طرح أيديولوجية سياسية معادية للرأسمالية والاشتراكية، بهدف الإثبات أن الإسلام هو أيديولوجية تعالج أمورا كثيرة، مثل القضايا السياسية والاقتصادية. وفي نفس الوقت بدأ في متابعة الأشرطة التي تظهر معاناة المسلمين في البوسنة، وأصبح يرى العالم بنظرة دينية ترى أن الأحداث العالمية هدفها ملاحقة المسلمين وإذلالهم.

انتقل ماجد بعدها إلى مدينة لندن لدراسة الحقوق في كلية «الدراسات الشرقية والأفريقية» في جامعة لندن، وهناك تزوج من ربيعة، التي رزق منها بطفل سماه «عمار»، وشيئا فشيئا أصبح من القياديين البارزين في الحزب وأحد المتحدثين باسمه. لم يكتف ماجد بالعمل للحزب في بريطانيا، بل قام بتأسيس خلايا تابعة للحزب في باكستان والدنمارك.

في عام 2002 سافر ماجد إلى القاهرة في بعثة أكاديمية لدراسة اللغة العربية، وهناك تم اعتقاله بعد فترة وجيزة من قبل سلطات الأمن المصرية بتهمة الترويج لحزب التحرير الذي كان محظورا في مصر. والمؤلف يصف مرارة التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له ماجد من قبل جهاز الأمن المصري خلال فترة اعتقاله في السجن التي دامت أربع سنوات.

في سجن «طرة» يلتقي ماجد بسجناء من الجماعة الإسلامية، وبسجناء إسلاميين اشتركوا في التخطيط لاغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات في عام 1981، من بينهم ضابط الاستخبارات المصري عبود الزمر، وابن عمه طارق وكذلك بجهاديين من أنصار أيمن الظواهري وتنظيم القاعدة، وبسجناء من الليبراليين المعارضين لحكم الرئيس مبارك.

بعد أن حكم على ماجد وأصدقائه من قياديي الحزب بالسجن، قامت منظمة العفو الدولية العالمية برعايتهم كونهم سجناء ضمير، وقامت بالتظاهر العلني مطالبة بإطلاق سراحهم وإعادتهم إلى بريطانيا.

حملة العفو الدولية للإفراج عن ماجد ذكرته بالتجارب التي مر بها في عدة مراحل من حياته مع غير المسلمين الذين قاموا بمساعدته قبل دخوله السجن.

ومن هنا بدأ ماجد، ولأول مرة، بالتواصل مع الحياة والإنسانية بعد أن كان تفكيره الدائم في الموت. التفجيرات الإرهابية التي حصلت في مدينة لندن في يوليو 2005، كان لها أثر عميق في نفسيته بعد أن أدت إلى مقتل 52 شخصا من الأبرياء. هذه الأحداث تزامنت مع المظاهرات الحاشدة حول العالم لوقف الحرب في العراق وأفغانستان، وجعلت ماجد يتفكر بأن أكبر هذه المظاهرات جرت في بلاده بريطانيا تحت شعار حقوق الإنسان. في تلك الفترة استغل ماجد وقته للتعمق في دراسة الدين الإسلامي. لقد لاحظ ماجد أنه قبل دخوله السجن كانت معرفته بالدين الإسلامي سطحية‘ حيث إن آراءه متأثرة بأفكار حزبية كان يعتقد أنها التفسير الصحيح لمعنى الإسلام. وعن بداية التحول بعيدا عن التطرف يقول ماجد نواز: «البداية كانت في سجن (مزرعة طرة) بمصر عام 2002 بعد ترحيلي من سجن (لاظوغلي) التابع لأمن الدولة، أي بعد انتهاء التحقيقات، هناك تعرفت على أساتذة من الأزهر الشريف من أعضاء (الجماعة الإسلامية) وآخرين من التائبين من جماعة الجهاد، هناك تعرفت على الإسلام المتسامح، ولمست مفهوم الوسطية في الإسلام، كنت في ليالي السجن الطويلة المظلمة أفكر في أدبيات الحزب التي حفظتها عن ظهر قلب، مثل إقامة الخلافة الإسلامية بالتغيير الجذري والشمولي والانقلابي في العالم الإسلامي، وعرف يقينا أن هذه الحركة وغيرها من الحركات الأصولية تخلق مناخا راديكاليا».

وحاول ماجد التفقه في الدين وتعلم أصول التجويد والفقه الإسلامي في فترة مكوثه في السجن، كما أنه حفظ نصف القرآن الكريم. وكان كلما درس نواز أكثر، ازداد فهمه لمعاني القرآن الكريم وتقديره للإسلام ليصل إلى نتيجة بأن الإسلام هو دين لا علاقة له بالسياسة.

خلال مكوثه في السجن، قامت «الجماعة الإسلامية»، التي كانت سابقا من أكبر الجماعات الإرهابية في مصر، بإصدار مراجعات للفكر الجهادي، وقام ماجد بقراءتها كاملة ليكتشف أن الجماعة تخلت عن الأيديولوجية التي تحرض على العنف. هذه التجربة كانت بداية النهاية لرحلة ماجد مع الإسلام السياسي. كما يصف ماجد، البحث عن العدالة هو ما جعله ينضم لحزب التحرير، وهو أيضا العامل الذي جعله يترك الحزب عندما قام بفصل فكرة العدالة عن الأيديولوجية «الإسلاموية» وذلك بعد عضوية دامت عاما.

بعد إطلاق سراحه عاد ماجد إلى بريطانيا حيث تخلى كليا عن عضويته في حزب التحرير وقام بتأسيس منظمة «كويليام» البحثية الذي هدفها مكافحة التطرف و «الإسلاموية» وتعزيز مكانة المسلمين في المجتمع البريطاني رغم التحديات التي يواجهها ماجد وزملاؤه بعد تأسيس المنظمة.

كتاب «راديكال» ليس فقط نافذة لحياة ماجد وقصته مع التطرف، بل التحديات التي يواجها هي قصة الشباب المسلم بوصفهم أقلية في أوروبا، والتحديات التي يواجهونها في تحديد هويتهم بوصفهم مسلمين وأوروبيين في آن واحد.