هل يطيح الربيع العربي بالجوائز الأدبية؟

«بوكر» رغم المهاجمين لها لا تزال صامدة ومحبوبة

TT

هل يصل الربيع العربي إلى الجوائز الأدبية؟ وما مصير الجوائز التقديرية، أو تلك التي ارتبطت بديكتاتور ونظام وعهد انقضيا؟ وما البدائل لتلك الجوائز الغابرة؟ هل الجوائز الخاصة التي لمع نجمها أم أن هذه أيضا لا تفي بالغرض؟ الجوائز العربية الخاصة والرسمية في مهب الربيع العربي.

شكلت الجوائز الأدبية الخاصة واقعا استثنائيا في الخطاب الثقافي العربي، واستطاعت أن تشد إليها عيون الكثير من المبدعين بإغراءات مادية ومعنوية متنوعة، يأتي في مقدمتها عامل الشهرة، وما ينجم عنه من زيادة مبيعات الأعمال الفائزة بهذه الجوائز، كما أن دعم وتبني مؤسسات وهيئات عربية بعينها ذات ثقل لهذه الجوائز جعلها محل ثقة لدى المبدع والقارئ معا، الأمر الذي لا يتوافر في الجوائز الرسمية التي تمنحها الدول العربية للمبدعين، حيث يشوبها الكثير من العوار والشبهات.

تستحوذ دول الخليج العربي على النسبة الأكبر من هذه الجوائز، والأعلى من حيث القيمة المادية، ومن أبرزها «جائزة سلطان العويس» و«جائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب» و«جائزة الملك فيصل العالمية» وجائزة «البوكر العربية»، وهي الأكثر جذبا في الساحة الثقافية، نظرا لتخصصها في الأدب الروائي، كما أنها تعد بمثابة «ظهير» لجائزة البوكر الإنجليزية، صاحبة السمعة الحميدة والتاريخ الأدبي العريق، وتنطبق على البوكر العربية الشروط نفسها التي تحكم آليات عمل البوكر الأم، كما تخضع لإشرافها. لكن تظل هناك فروق جوهرية بين البوكر الظهير والبوكر الأصلية، ربما يساهم فيها اختلاف المناخ الأدبي والبيئة الثقافية.

رغم كل هذا يبقى السؤال الذي يقفز من تحت عباءة هذه الجوائز صالحا لإثارة التأمل، وهو: هل ساهمت هذه الجوائز في تنشيط حركة الإبداع العربي، أم أنها تظل مغنما شخصيا يعود بالنفع على من يفوزون بها؟ ثم لماذا لم تقدم لنا جائزة البوكر مثلا عملا روائيا يتجاوز آفاق المحلية، ويرقى إلى مصاف الإبداع العالمي؟ وهل أصبحت هذه الجوائز بمثابة تعويض عن الحلم بـ«نوبل» الجائزة الأشهر عالميا، التي سجل الأديب نجيب محفوظ أول نقطة للعرب في سجلها الحافل عام 1988، ومن بعده أصبح الحصول عليها أمرا بعيد المنال.

«الشرق الأوسط» تفتح في هذا التحقيق ملف الجوائز العربية، وتقلب ما يدور حولها من أسئلة مع عدد من المختصين والكتاب الفائزين بها، خاصة جائزة البوكر العربية، باعتبارها أصبحت الأشهر في محيط الواقع الثقافي العربي.

البوكر العربية فاز بها كاتبان مصريان في دورتها الأولى والثانية هما: بهاء طاهر ويوسف زيدان على الترتيب، في حين وصل زيدان للقائمة الطويلة 2012 عن رواية (النبطي).

يؤكد الروائي بهاء طاهر، أول فائز بالجائزة عن روايته (واحة الغروب) عام 2008، أن الجائزة لعبت دورا مهما في تسليط الضوء على الرواية العربية، وترجمتها، مما أتاح وصولها لأكبر عدد من القراء. وقال طاهر لـ«الشرق الأوسط»: «أي جائزة تكتسب قيمتها من صدق تعبيرها عن الواقع الثقافي في أي مكان، ولا توجد جائزة بديلة عن أخرى، (نوبل) لها رونقها، والبوكر العربية شجعت الكُتاب على الإبداع».

ويلفت طاهر إلى أن تزايد أعداد المتقدمين عاما وراء عام يبشر بمستقبل أفضل للجائزة، ويزيد من مصداقيتها. كما يشير إلى أن ما كتب عن روايته «واحة الغروب» قبل الجائزة كان مشجعا وذا دلالة على أنها يمكن أن تحصل على الجائزة.

أما يوسف زيدان الحاصل على الجائزة في دورتها الثانية عام 2009، عن روايته «عزازيل» التي أثارت الكثير من الجدل، فيقول: «الجوائز الأدبية علامات على طريق المبدع، وإن كنا عرفنا أدبا رفيع المستوى أثر في وجدان الناس دون أن يُقدم لنا على طبق الجوائز!!»، يضيف زيدان أنه لم يتقدم لنيل أي جائزة، وقد حصل على أربع جوائز إقليمية؛ وهي جائزة عبد الحميد شومان عن أعماله في التصوف، وجائزة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية عن أعماله عن ابن النفيس، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عام 2005 عن تحقيقه كتاب «الشامل في الصناعة الطبية»، وأخيرا جائزة البوكر العربية. يرفض زيدان كلمة جائزة مستنسخة لوصف البوكر العربية قائلا «الجائزة فرع من فروع البوكر البريطانية وتشرف عليها نفس الهيئة، وتطبق نفس المعايير، فلفظ (جائزة مستنسخة) لا يتناسب مع البوكر العربية، أما الجائزة المستنسخة فهي مثلا أن نطلق على جائزة اسم (نوبل العرب) مثلا، ولا يكون لها أي ارتباط بنوبل العالمية». يؤكد زيدان أنه لا توجد جائزة بديلا عن أخرى، فلكل جائزة فكرها ومعاييرها. كما يقول: «تمنح (نوبل) للأدب بناء على الأثر الذي يحدثه هذا الأدب في بيئته الثقافية بغض النظر عن أية معايير أخرى، حيث تتعدد رؤى لجانها، وترشيحاتها سرية. أما البوكر العربية فهي مخصصة للأدب العربي. وبخصوص ما يثار أحيانا من أن (نوبل) باتت بعيدة عن العرب فهذا من قبيل الهياج الإعلامي، فـ(نوبل) إنسانية أكثر ولا تهتم باللغة المكتوب بها الإبداع». ومن ثم يؤكد زيان أنه لا يهتم بجوائز الدولة في مصر، خاصة التي يتقدم لها المبدع، «فأنا لن أتقدم لها لما عرف عنها من شبهات في التصويت، ولكن إن تم ترشيحي للجوائز التي يتم الترشح لها من خلال هيئات ومؤسسات فلا أمانع».

يتفق د. حسين حمودة الناقد الأدبي، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة القاهرة، مع بهاء طاهر في أن البوكر العربية لفتت الأنظار إلى عدد من الأعمال الروائية العربية وزيادة الاهتمام بالرواية. يقول حمودة: «البوكر العربية موفقة حتى الآن، كما أنها تحاول أن تحقق نوعا من العدالة الجغرافية إلى حد ما». ويتوقع حمودة المزيد من الدقة في الاختيار، لافتا إلى أن الجوائز بشكل عام تمثل بدائل مهمة، وتقدم حلولا للمبدعين العرب. يقول حمودة: «لا أتصور أن (نوبل) بعيدة عن العرب، رغم أن (نوبل) مقصرة في التعامل مع مناطق كثيرة من العالم، فلا يعقل أن يحصل عليها طول تاريخها مبدعون يعدون على أصابع اليد الواحدة من أفريقيا كلها. وعلى كل حال الجوائز العربية التي يقدمها أفراد أو مؤسسات خطوة مهمة نحو (نوبل)، بل ربما بديل عنها». ويرى حمودة أن الجوائز الحكومية فئ مصر تشوبها المجاملات، وإن كان هذا الأمر بدأ بالتراجع، وسوف تصبح الأمور أكثر انضباطا، بعد انتهاء المجلس الأعلى للثقافة بمصر، من إعداد اللائحة الجديدة التي تضع ضوابط تضمن دقة الاختيار، وتقليص عدد الذين يصوتون من خلال لجان التحكيم طبقا لوظائفهم.

ويقول الروائي ناصر عراق: «ظني أن الجوائز الأدبية فكرة جيدة، لأنها تعد من باب التسويق للعمل، في ظل تراجع عدد القراء». يضيف عراق: «فرح المبدع بالجوائز يؤكد له أن جهده قد أتى أكله، لكن ما دامت شرارة الإبداع متوهجة في صدره، فإنه لن يتوقف عن الكتابة حتى لو نال أرفع الجوائز، ولنا في قيصر الرواية العربية نجيب محفوظ أسوة حسنة».

أما د. صلاح الراوي، الناقد الأدبي الأستاذ بأكاديمية الفنون المصرية، فيقول إن: «النظر للجوائز، لا يخلو من استرابة، ولا أفرق بين (نوبل) أو غير (نوبل). وأعتقد أن جائزة المبدع تتمثل في شيء وحيد، هو استمرار إحساسه بأن لديه جديدا لم يقله بعد. ولكن لا أعنى بذلك أني ضد تكريم المبدع، ولكن ما نتابعه من شؤون الجوائز لا يكشف عن استقامة». يشير الراوي إلى أن الأمور تصل أحيانا، خاصة بعد الإعلان عن نتائج الجوائز، إلى حد التخوين، بل الاتهام بالرشوة. لذلك، يشبه الراوي الجوائز المستنسخة بـ(مشية الغراب)، موضحا أنه نوع من التقليد المعبر عن عجز حضاري. ويتمنى الراوي أن يأتي اليوم الذي ينظر فيه العالم إلى جائزة «رمسيس» للإبداع الإنساني مثلا، تصدرها دولة في حجم مصر، بحيث يتمنى أي مبدع أن يترشح لها، لا أن يحصل عليها.

ويرى الراوي أن جوائز الدولة التي تمنحها الحكومية المصرية، تحوطها شبهات كثيرة، أولى تلك الشبهات هي تسميتها اسم رئيس الدولة، وكذلك طريقة التصويت فيها تجعل البعض يصوتون بحكم منصبهم لا بحكم مكانتهم الإبداعية.

وبشكل عام، يرى الروائي إبراهيم عبد المجيد أن «أي حائزة تمثل دفعة طيبة تحث الكاتب على الإبداع، لكن يجب أن نعي أن لكل حائزة معاييرها التي تضعها لنفسها». يقول عبد المجيد: «لقد حضرت الحفل الأخير الذي تم فيه الإعلان عن القائمة القصيرة للبوكر العربية لهذا العام 2012، وأعلنت اللجنة فيه عن معيارها في الاختيار ما قبل الأخير للروايات الست، وكان المعيار هو البساطة، وعدم اللجوء للتجريب، وهو معيار قد لا يعجب البعض، ولكنه على أي حال معيار يمكن الاستناد عليه، وكل لجنة عليها أن تضع معاييرها». ويضيف عبد المجيد: «لا توجد جائزة بديلة عن الأخرى».

أما الروائي يوسف القعيد، فيقول: «يحتاج الكاتب في لحظة ما أن يشعر بالتشجيع. الإعلام يحاول تسليع كل شيء، فيستغل الجوائز الأدبية للترويج للأعمال الإبداعية»، مشيرا إلى أن «مصر عرفت الجوائز منذ زمن بعيد، فكانت الجوائز الفردية، ولعل أشهرها، جائزة (قوت القلوب الدمرداشية) التي فاز بها نجيب محفوظ عن رواية (رادوبيس)»، مشددا على ضرورة أن تنفصل الجوائز الفردية عن أصحابها، وتشكل لجنة لتقييم الأعمال الفنية، بعيدا عن الأهواء الشخصية.

وحول البوكر العربية، يقول القعيد: «أنا أطلق على البوكر العربية وما شابهها من جوائز مستنسخة اسم (المُنجز الثقافي بطريقة تسليم المفتاح)، وأستغرب من عدم وجود جائزة مصرية للعرب أو للمسلمين أو جائزة عالمية، وأعتبر أن (نوبل) بعيدة نسبيا، فنجيب محفوظ كان استثناء، حيث قررت الجائزة أن تمنح الأدب العربي جائزة».

بالنسبة لجوائز الدولة في مصر، فيؤكد القعيد أنه يشوبها الكثير من الشبهات، خاصة في ظل الاختيار بطريقة التصويت، الأمر الذي يجعل البعض يصوت في غير اختصاصه. ويتمنى القعيد جائزة مصرية لا ترتبط باسم أي شخص، ويكون لها اعتماد مالي وأن يكون لها قيمها وتقاليدها، فالجوائز التي ارتبطت بأشخاص مآلها إلى زوال، رغم أن بعضها كان مجزيا بلغة المال، مثل جوائز صدام حسين والقذافي، ويقترح القعيد مثلا اسم (جائزة شهرزاد) في الرواية أو جائزة (أبو الطيب المتنبي) في الشعر.

أما الشاعرة والروائية د. سهير المصادفة، رئيسة تحرير سلسلة الجوائز التي تصدرها الهيئة العامة المصرية للكتاب، فتؤكد أن «الأدب صناعة، وفي الغرب يفهمون جيدا ما تعنيه الجوائز، وماذا تعني كلمة (بست سيليرز)، وفي سلسلة الجوائز هناك 5 عناوين من البوكر البريطانية التي حققت سمعة جيدة جدا، فحينما تعرف أنك تقرأ رواية حاصلة على البوكر، فهذا يعني أنك تقرأ رواية متميزة». تقول المصادفة: «نحرص في السلسلة على نشر ترجمة للروايات الفائزة بالجوائز من أصغر جائزة حتى (نوبل)، ولكن تظل المستنسخات نسخة من الأصل» وتضيف: «ما حققته البوكر البريطانية لم تحققه بعض الجوائز العربية من مصداقية في بعض دوراتها وهذا يؤذي أي جائزة، فينبغي للقائمين على الجوائز أن يفهموا أن الجائزة حينما تمنح لكاتب جيد، فهي تضيف إلى رصيدها وليس رصيد الكاتب». وتشير المصادفة إلى أن الجوائز العربية بشكل عام تفتقر حتى إلى آليات منح الجائزة على مستوى اللجان، والأداء، ومعايير الاختيار، وأن يكون الشارع الثقافي في اتجاه وتكون هي في اتجاه آخر لأسباب لا علاقة لها بالأدب.

وعن الجوائز الحكومية، تقول المصادفة: «جوائز الدولة في مصر فقدت الكثير من مصداقيتها، بسبب آلية التصويت وعدم الوعي بما تعنيه الجائزة في الأدب. خبرتنا في مصر والعالم العربي قليلة في مسألة الجوائز، فالجوائز العالمية لها أسرارها وآلياتها التي لا نعرفها». وتعتقد المصادفة أن ذائقة الأعمال التي تحصل على البوكر العربية تكاد تكون واحدة، ولذلك لا بد من الاعتماد على لجان ذات فكر متنوع.