نصوص في عشق المدينة الحمراء

عبد الكبير الميناوي يصدر كتابا جديدا عن «شواطئ مراكش»

غلاف الكتاب
TT

صدر للكاتب والصحافي عبد الكبير الميناوي مؤلف جديد بعنوان «شواطئ مراكش»، يرصد فيه تحولات المدينة الحمراء، مع العودة المستمرة إلى ماضيها، القريب والبعيد، في محاولة لتجميع أسرار سحرها وتميزها وفرادتها، مع طرح أسئلة بصدد حاضرها ومستقبلها.

انطلق الكاتب من الحاضر، منتهيا إليه، بداية من «مراكش.. هذه الأيام»، وصولا إلى «دوخة عبد السلام»، وبين النصين عناوين تتحدث عن «ليل مراكش» «وشمس مراكش» و«ألوان مراكش» و«بهجة مراكش» و«شواطئ مراكش» و«ملعب النجوم» و«الرجال اللقالق».

الكتاب، الذي توزع على تسعة نصوص كتبها الميناوي بلغته الشفيفة، هو أقرب ما يكون إلى الاستطلاع، حيث يأخذ الكاتب قارئه في جولة عبر ساحات وأسواق وبنايات المدينة الحمراء، رابطا التاريخ بالجغرافيا، حيث نقرأ في نص «ليل مراكش»: «ليست مراكش مجرد مدينة يحددها موقعها الجغرافي على الخريطة. إنها رمز وتاريخ ممتد، بتفاصيله، في الكتب، وفي جغرافية المكان. لمراكش تاريخ غني بأحداث صنعت تاريخ منطقة ممتدة بجغرافيتها: أحداث غير عادية، في التاريخ، ورجال غير عاديين، في حياة مدينة غير عادية؛ ملوك وفلاسفة وشعراء وعلماء، وقادة حروب: أسماء ظلت تقدم، من خلال سيرة وحياة أصحابها، صورة عن مسار ومصير حضارة. مراكش.. تاريخ ممتد بأحداثه. أسرة حاكمة تترك مكانها لأخرى، والمدينة، أبدا، شامخة، في مكانها، بكل بهائها ورمزيتها، تعانق نخيلها، بينما تصنع بهجتها، ومن أخضع المدينة واستباح عرصاتها صار سيدا لـساداتها. بين الماضي والحاضر، تفتح مراكش ذراعيها، تستقبل زوارها، فتمنحهم نهارها نخلا وليلها ثمرا. في مراكش.. عن ليل مراكش.. ليس من رأى كمن سمع!».

كما نقرأ، في نص «شمس مراكش»: «السياح يعشقون الشمس، والشمس تعشق مراكش، ولذلك تفضل أن تقضي معظم العام متسمرة فوق سطح المدينة. في مراكش، كلما سكنت الشمس في سماء المدينة أكثر، حل السياح أكثر، واستمتعوا أكثر. شمس مراكش هي مطر مراكش. مع الشمس يأتي الخير وتنشط السياحة. أن يتكهرب الجو وتهطل الأمطار وتختفي الشمس من السماء، يبقى، ذلك أسوأ ما يمكن أن يعكر مزاج السائح في مراكش».

ونقرأ في نص «مراكش.. هذه الأيام»: «مراكش، هذه الأيام.. سيارات ودراجات نارية وهوائية، وراجلون لا يقلون هوائية تتقاذفهم الأرصفة والطرقات. مراكش، هذه الأيام.. حاضر يقتل ماضيه، يتعاون عليه بآلات الحفر والإسمنت.. وجشع البعض! مراكش، هذه الأيام.. مدينة تغيرت جغرافيتها وتبدلت ملامحها، بسرعة قياسية، وعمارات تسابق بعضها، فيما تعاند بساطة الماضي، لتخفي جمال النخيل وهيبة الكتبية. مراكش، هذه الأيام.. فنادق ومطاعم راقية، محلات باذخة تعرض عطورها وملابسها وأحذيتها، وشاطئ أحمر في مدينة لا تطل لا على البحر الأبيض المتوسط ولا على البحر الأحمر.. أو البحر الأسود. في مراكش، يتقوى الاقتناع، هذه الأيام، لدى معظم المراكشيين، بحقيقة أن العيش في مدينتهم لم يعد سهلا، وأنه لم يعد كافيا أن تكون مراكشيا، في مراكش، لكي تضمن راحة البال وهناء الحال».

يعمد الكاتب إلى رصد حاضر المدينة الحمراء، حد السخرية من بعض تحولاتها المتسارعة، فيكتب في نص «شواطئ مراكش»: «إذا كانت شواطئ الدنيا مفتوحة على البحار وظلماتها وأمام الرواد من دون مقابل، في أغلب الأحيان، فإن شواطئ مراكش لا تنفتح لا على المحيطات ولا على البحار، وليست لها روافد تصب فيها كمعظم بحار الكون، وإنما تكتفي بمياه الآبار التي تغذيها، فضلا عن أنها تتطلب جيبا دافئا يؤدي واجب الدخول وراحة العوم والسهر، بل وممارسة صيد غير مرخص به (شرعا)، وبشباك غير مرئية للعيان.. صيد قد يتحول خلاله (الصياد) إلى (صيد) !!».

تصدر غلاف المؤلف، الذي صدر في طبعة أنيقة عن المطبعة والوراقة الوطنية، رسم جميل تخيل فيه التلميذ مصطفى العيادي بعض عناوين مراكش، وهي تهرب بجلدها (أو تهرّب) خوفا (عليها) من حاضر يقتل ماضيه، فيما يتعاون عليه بآلات الحفر والإسمنت.. وجشع البعض.

أهدى الكاتب مؤلفه إلى أبناء مراكش ومثقفيها وإعلامييها، الذين قال عنهم إنهم احتضنوه بينهم زميلا وصديقا وأخا، وإنه تعلم معهم وبفضلهم عشق المدينة الحمراء، فكتب عنها. ويعتبر «شواطئ مراكش»، المؤلف الثاني في مسيرة مؤلفه بعد «ساحة جامع الفنا.. أي هوية؟ أي مستقبل؟».