فيدال.. رجل بلا قناع؟

TT

كيف ستتذكر أميركا غور فيدال، الذي رحل يوم الثلاثاء عن ستة وثمانين عاما.. سياسيا، كاتب عمود، كاتبا مسرحيا، سينمائيا، روائيا، أم كل ذلك؟ لقد كتب الرجل 28 رواية (3 منها باسم مستعار هو إدغار بوكس)، و«أقوالا مأثورة»، ومجموعة قصصية، وأعمدة سياسية لا تحصى، و5 مسرحيات، ودراما تلفزيونية، وسيناريوهات، وشارك في عدد لا يحصى من المقابلات الصحافية والتلفزيونية، إضافة إلى بعض الأفلام، ورشح نفسه للكونغرس مرتين بلا نجاح، ودخل في معارك سياسية جدية، ومنازعات «أدبية» أغلبها صبياني لا يمت للأدب بصلة، إنما يصدر عن شخصية مصابة بأمراض أقلها الحسد والكره الشخصي. والغريب أن فيدال نفسه، كان يعترف بذلك، فقد صرح أكثر من مرة بأنه «شخص كاره» وأن «النجاح لا يكفي بحد ذاته، إذا لم يصاحبه فشل الآخرين»، و«كلما نجح صديق، مات في شيء ما». هل كان رجلا بلا قناع، يكشف بصدق عما نتستر عليه، وما لا نعترف به رغم أنه قد يكون كامنا في دواخلنا، عن وعي أو من دون وعي؟

أدبيا، ورغم الـ28 رواية، التي عرف بعضها نجاحا تجاريا كبيرا مثل «جوليان» والرواية التاريخية «لينكولن»، لا يمكن اعتبار فيدال روائيا، أو، على الأقل، روائيا من الدرجة الأولى. صحيح أن روايته الأولى «العاصفة»، الصادرة عام 1946، حققت نجاحا أدبيا ملحوظا، دفعت بعض النقاد إلى مقارنته بنورمان ميلر، وترومان كابوت، وسول بيلو، كما أحدثت روايته الثانية «المدينة والعمود»، صدى كبيرا، ولكن الفضل في ذلك يعود إلى موضوعها، وليس إلى فنيتها.. فقد صدرت هذه الرواية عام 1948، وطرحت للمرة الأولى في ذلك الوقت المبكر وبشكل صريح العلاقات المثلية، مما دعا الكاتب الفرنسي الشهير أندريه جيد، المثلي هو الآخر، إلى اعتبار فيدال «رائد الثورة الجنسية»، التي ستحدث في ما بعد.

بعد هاتين الروايتين لم يحقق فيدال نجاحا أدبيا يذكر، بل على العكس هاجمه معظم النقاد، ومنهم جون دبليو. أولدبريج، الذي كتب يقول: «إن كتابة فيدال بعد (العاصفة) مجرد سجل طويل من انكسارات في الأسلوب، واستنزاف روحي. إنها كتابة مضطربة ومتشظية، تسحبها في كل اتجاه رياح الانطباعية المتقلبة». وهو وصف ينطبق تماما على حياة الرجل أيضا.

لقد عاش فيدال حياة أكبر من الحياة، كما يقال، ويشبهه بعض النقاد من هذه الناحية بأرنست همنغواي، الذي تأثر به فيدال في بداية حياته الأدبية، وخاصة في روايته الأولى «ويليواو» (العاصفة)، على الرغم من أنه هاجم همنغواي في ما بعد، معتبرا إياه كاتبا يثير الرثاء. لم يبق باب إلا طرقه فيدال، ولم تبق تجربة إلا خاضها.

كان يفاخر بعلاقاته، السوية والشاذة، التي تجاوزت الألف علاقة! كما كان يفاخر في لقاء معه أجري في مرحلة متقدمة من حياته الصاخبة, وسجل ذلك ايضا في مذكراته.

كان رجلا لكل الفصول وكل الأماكن: في نوادي وحلقات الكتاب، واستوديوهات الممثلين. وفي الوقت نفسه، في دهاليز السياسيين وغرفهم السرية، التي تحاك فيها الألاعيب والمؤامرات. إنه رجل يمكن أن تجده في ثلاثة أماكن في وقت واحد، وهذا يعني أنك لا يمكن أن تقبض عليه في أي مكان، وبالتالي لا يمكن أن نصنفه، أو نحشره في إطار ظل طوال حياته يضيق به.. وربما هذه هي ميزته الكبرى والفريدة.