نوشيروان مصطفى ينثر الورد على طريق السياسة

منسق حركة التغيير الكردية المعارضة يعود إلى الأدب

غلاف الكتاب
TT

كلما خرج علينا نوشيروان مصطفى بنتاج أدبي جديد، يقف القارئ مندهشا أمام نضج أفكاره وعمق كتاباته التي اعتاد أن يمزجها دوما بتحليلات فكرية وفلسفية. وهذا يجعلنا نتحسر لأن السياسة أخذت هذا الكاتب من عالم الأدب إلى عالمها المليء بالنفاق والرياء، بل وحتى بإراقة الدماء، في سبيل نصرة فكر يتضاد بآيديولوجيته وانتمائه عن آخر، في حين أن الكتابة الأدبية التي يملك نوشيروان نواصيها كأحد أعلامها تتصف بالصفاء والنقاء والوضوح والصدق في التعبير، وهذا ما نلاحظه في كثير من كتابات هذا الكاتب كما هو واضح في كتابه الجديد «على امتداد الطريق، قاطفا الأزهار»، الصادر باللغة الكردية عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) الطبعة الأولى 2012.

في مقدمة هذا الكتاب، يحاول نوشيروان مصطفى أن يقنع القارئ والمتابع لفكره وفلسفته في الحياة بخيار تفضيله الخوض في السياسة بدل التفرغ لهذا المنحى الإبداعي الذي يبرع فيه أيما إبداع، حين يقول «إن كل إنسان يختار في حياته طريقا معينا ومهنة محددة يتكسب منها، وقد ينشغل إلى جانبه ببعض الأمور الثانوية، كأن يستغل أوقات فراغه ليمارس فيها هواية كنوع من الرياضة، أو الفن أو الفروسية، أو يقضي لياليه بالملاهي.. وأنا كرست حياتي للسياسة بكافة تفاصيلها وتفرعاتها التنظيمية والعسكرية والإعلامية، وقد اخترتها عن طوع إرادتي، وكانت مسيرتها شاقة رافقتها معتركات صعبة ومنعطفات بين صعود ونزول، وكان الطريق منطلقه سهل والرجوع عنه مستحيلا، ولكني وأنا أسلك هذا الطريق حاولت أن أقتطف على جوانبه بعض الورد، لأنسج منه باقة من الأدب الكردي. وقد يتساءل البعض أين أنا من هذا الاهتمام الأدبي، ويشكك في نواياي، ولكني أرجو أن أكون بهذه المقدمة وما أضعه بين يدي القارئ قد أجبت عن ذلك السؤال وبددت تلك الشكوك».

هذه المقدمة قد تقنع البعض من قراء نوشيروان، ولكن تظل الحسرة في قلوب آخرين رغم احترامهم لخياراته وقراراته، ليعود السؤال فارضا نفسه لألف مرة: «لماذا اتجه إلى السياسة ولم يتفرغ لكتاباته الأدبية والفكرية التي يبرع فيها؟».

حتى في كتاباته السياسية بل وفي لقاءاته الصحافية والإعلامية، لا يخلو حديث نوشيروان عن إشارة أو استشهاد بعبارة أو بمقطع أدبي، فهو حين يوثق لتاريخ الثورة الكردية الجديدة بكتابه الموسوم «من ضفاف الدانوب إلى وادي ناوزنك» بأجزائه المتتالية، يبث بعض آرائه القيمة حول الأدب واللغة، فتراه يثري كتاباته السياسية بمقاطع يستلها من التراث الكردي الزاخر، وقد يخوض في خلق مصطلحات لغوية جديدة محاولا أن ينقح لغته الأم من العبارات والمصطلحات الغريبة والدخيلة عليها، ولذلك تراه يفرد في نهاية كل فصل من فصول كتابه الجديد عدة صفحات لكتابة مصطلحات استنبطها أو حاول خلقها خلقا من اللغة الكردية بهدف تعميم استخدامها واعتمادها باللغة الكردية.

يضم كتابه الجديد «على امتداد الطريق، قاطفا الأزهار» ثلاثة فصول تتوزع على التاريخ والأدب والشعر الكردي.

خصص المؤلف الفصل الأول من كتابه للحديث عن التاريخ الكردي، واستهله بالبحث عن موقع كردستان في حضارات المنطقة (السومرية والبابلية والأكادية والآشورية، والعيلامية والحيثية والميدية والإشكانية والساسانية)، التي شهدت المنطقة في ظل بعضها منعطفات تاريخية مهمة. ويرى الكاتب أن كردستان كانت من أقدم مراكز التوطين البشري في المنطقة بدليل الآثار والمواقع القديمة المكتشفة فيها التي تعود إلى آلاف السنين. ويثير تساؤلا حول كردستان وشعبه، ويقول: «ترى لمن تكون تلك الآثار، هل هي لشعوب اندثرت وجاء الكرد ليحتلوا مواقعهم، أم أن كرد اليوم هم أحفاد شعوب تلك الحضارات القديمة؟». ويستطرد «إن العرب في العراق يعتبرون أنفسهم ورثة السومريين والأكاديين والبابليين، والفرس يعتبرون أنفسهم ورثة الهاخامنشية والأشكانية والساسانية، والترك في الأناضول يعتبرون أنفسهم ورثة للحيثيين والتركمان، والسؤال هو: أين موقع الشعب الكردي الذي عاش في مركز هذه الحضارات المتعاقبة، وما حصته من بناء هذه الحضارات، وهل يعتبر كغيره من شعوب المنطقة الأصيلة وارثا لحضارة من هذه الحضارات؟». ويستطرد «إن شعوب المنطقة كتبوا تاريخهم بأنفسهم لأنهم كانوا يمتلكون دولتهم المستقلة، والكرد بسبب عدم امتلاكهم لدولتهم لم يستطيعوا أن يدونوا تاريخهم فحسب، بل إن من كتبوا تاريخه شوهوه عن قصد وقد يكون عن غير قصد، وإلا أي من الشعبين الكردي أو العربي أقرب إلى حضارة الميزوبوتاميا؟ أي من الشعبين الكردي والفارسي أقرب إلى الحضارة الساسانية؟». ويتابع الكاتب: «إن حضارة الميزوبوتاميا كانت من صنع سكان المنطقة، قبل أن تأتي الموجات الآرية من القفقاس والموجات السامية من الجزيرة العربية، وكان أجداد الكرد الذين عرفوا بأسماء مختلفة كانوا مستوطنين في تلك المنطقة وكانت لهم حصتهم في بناء تلك الحضارات».

ويمضي الكاتب بعرض الوجود الكردي في العصور المتعاقبة على المنطقة منذ العصر الساساني، مرورا بعصر الإسلام، ثم العصرين الأموي والعباسي، مارا بمحاولة الخليفة عبد الملك بن مروان بتعريب الدواوين وسك النقود العربية. ويخصص قسما من هذا الفصل للحديث عن اللوليين الذين يعتبرهم أجداد الكرد، ففي هذا القسم من الكتاب الذي سماه «لمحة أخرى للوح الحجري بمنطقة جبل قرداغ - كاور - بمحافظة السليمانية»، يقول الكاتب: «إن في كردستان العراق مناطق جبلية وعرة يوجد فيها الكثير من الألواح والرسوم المنقوشة على الأحجار، لم تأخذ لحد اليوم نصيبها من الدراسة والتحقيق بسبب الظروف غير المستقرة خلال سنوات القرن العشرين، ولذلك بقيت تلك الألواح والرسوم ألغازا غامضة، بينما بقيت أعداد أخرى منها مطمورة تحت الأرض لحد اليوم دون أن تجري عليها الدراسات والبحوث الأركيولوجية».

ويخص الكاتب بالذكر لوح (نارام سين) بمنطقة قرداغ الذي يروي قصة انتصار الملك الأكادي على الشعب اللولي. ويقول بأن هذا اللوح الذي يبلغ ارتفاعه مترين يظهر الملك نارام سين ممتشقا القوس والسهم ويضع قبعة على رأسه تحمل قرنين في دلالة على تأليهه، ويصور اللوح بعض الجنود القتلى الواقعين تحت قدميه في دلالة على انتصاره على هذا الشعب. ونقرأ في هذا الفصل أن واضع ملحمة نارام سين تحدث عن الشعب اللولي وشبههم بغراب أسود، متحدثا عن بسالة هذا الشعب في مواجهتهم لجيش نارام سين والهزائم التي أوقعوها بصفوفه، ويتحدث أيضا عن قناعة سادت لدى جيش نارام سين بأن هؤلاء المدافعين هم من الجن والشياطين، ولذلك أمر نارام سين بأسر عدد منهم لإجراء التجارب عليهم، وذلك بثقب رأسهم فإذا خرج الدم منها، فإنهم بشر مثلهم، وإذا لم يخرج الدم فهم بحق أبناء الشياطين، وعندما أجرى الاختبار وظهر أنهم بشر مثلهم، هاجمهم بجيشه وتمكن من الانتصار عليهم.

ويخلص الكاتب إلى أنه «رغم افتقار المصادر التاريخية إلى دراسات كاملة عن هذا الشعب اللولي، وأن من كتبوا عنهم كرروا نزرا يسيرا من المعلومات المتناثرة في ثنايا بعض المصادر التاريخية، ولكني أعتقد أن اللوليين هم أحد الشعوب التي انحدر منهم الكرد».

وبعد أن يستعرض جزءا من المصادر التاريخية القديمة التي تحدثت عن الشعب الكردي، مثل ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان» ورحلاته في مناطق فارس وأذربيجان وشهرزور وقرمسين وخوزستان وغيرها، يفرد قسما من هذا الفصل للحديث عن حرب الروم والعجم المعروفة بحرب العشرين عاما.

أما الفصل الثاني من كتابه، فقد خصص الكاتب جزءا كبيرا منه للحديث عن الملاحم التاريخية المكتوبة، منها ملحمة لوغالبنادا، وغلغامش، وغلغامش وناغا، وغلغامش وأنكيدو والعالم السفلي، وعرض أسطورة انتصار سرجون، وأسطورة نارام سين، وأسطورة توتوخبيجال وشريعة حمورابي.

يتحدث الكاتب في مقدمة هذا الفصل عن تجارب شخصية مر بها وهو يقود قوات البيشمركة بجبال كردستان ضد النظام الديكتاتوري السابق، حيث كان هو أحد أقطاب الثورة التي اندلعت في كردستان بعد سنة من انهيار الثورة التحررية التي قادها الزعيم الراحل الملا مصطفى البارزاني، حيث بادر هو وعدد من رفاقه، بينهم الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني، بإعلان الثورة الكردية مجددا عام 1975، وكان مؤلف الكتاب نوشيروان مصطفى أحد مؤسسي المفارز المسلحة الأولى ضد النظام السابق، وقضى ما يقرب من عقدين يتنقل بين جبال كردستان للقيام بنشاطات عسكرية ضد قوات ذلك النظام، وبحكم مسؤولياته العسكرية والسياسية فقد جال في مختلف مناطق كردستان من أقصاها إلى أقصاها، ولذلك يروي كيف أنه عندما كان رفاقه يحفرون أرضا لبناء كوخ أو إقامة مقر أو حفر خندق كانوا يصادفون العثور على الكثير من الألواح والأحجار والهياكل العظمية القديمة، وكانوا يتعاملون معها بإهمال حيث يكسرون بعضها ويرمون أخرى، فإذا وجدوا نقودا قديمة أو مصوغات يحتفظون بها، ويرمون الباقي دون أن يدركوا قيمته التاريخية. ويقول: «لقد كان هؤلاء يرمون هذه المكتشفات التاريخية المهمة دون أن يعرفوا قيمتها، فلم يعرفوا أن تلك الأشياء جزء من تاريخ أجدادهم الذين سكنوا تلك المناطق، ولم يدركوا أن تلك القطع تكشف عن تاريخ المنطقة التي يسكنونها، فالكرد لم ينزلوا من السماء ليقطنوا هذه المنطقة، وأن الهياكل العظمية التي تم اكتشافها هي لأجدادهم، فمن هم الذين نقشوا على أحجار جبل بيستون وهورامان وبيرة مه كرون وبيتواته وسربيل زهاب، وهي مناطق بكردستان؟ ومن الذين بنوا قلعة أربيل وقلعة كركوك وتلال سهل شهرزور وبيتوين وسهل أربيل، أليسوا هم أجدادهم؟ فأين ذهب أحفاد هؤلاء، أليسوا هم من يعيشون اليوم على هذه الرقعة الجغرافية؟».

ويرجع الكاتب أسباب هذه الذهنية إلى ما يسميه التغرب الكردي، حيث إن الكردي يعتبر نفسه دائما غريبا على بلده، ولذلك يعتقد مخطئا أن هذه الآثار هي لشعوب محتلة لأراضيه، ولذلك لا يهتم بها، وهذا الشعور بالتغرب دفع الأكراد لحد اليوم إلى عدم الاهتمام حتى بنظافة بيئتهم وبعدم حرصهم على مواردهم الطبيعية وبالآثار التي تركها لهم أجدادهم. ورغم أن الآلاف من القطع الأثرية والألواح الطينية والحجرية قد تم العثور عليها في كردستان، ولكن لم تكن هناك جهة رسمية أو مؤسسات بحثية وأكاديمية تهتم بدراستها، فلا الجامعات والمعاهد، ولا المتاحف ومراكز البحوث، ولا حتى وزارات الثقافة والتعليم العالي اهتمت بهذا الجانب التاريخي، تنقيبا وتدقيقا، ولم يكن هناك ولو متخصص كردي واحد يلم باللغة المسمارية ليكرس جزءا من وقته لدراسة وتمحيص وتدقيق تلك القطع الأثرية.

ويختم الكاتب مقدمة هذا الفصل بالقول: «إن ما فعلته في هذا الفصل هو ترجمة لبعض النصوص الواردة بالملاحم والأساطير والحكايات المنقولة باللغة العربية أو الإنجليزية، وقد يتساءل البعض عن هدفي من وراء ذلك؟ وأجيب بأنني حاولت أن أسترعي انتباه المؤسسات الأكاديمية والعلمية إلى الثروة الغنية وإلى هذا الكنز الكبير من ثقافة شعب الميزبوتاميا التي هي جزء من ثقافة الشعب الكردي ومن تاريخه القديم، ولأبين لهم أن ما تم اكتشافه في المناطق الجبلية الوعرة هو دليل على تداخل العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين سكان كردستان والشعوب الأخرى السومرية والأكادية والبابلية والآشورية، قبل أن تكون دلالة أو ملكا للمحتلين أو الدول الاحتلالية».

وفي خضم جولته في هذا الفصل على الأدبيات والنصوص الواردة في الأساطير والملاحم التاريخية القديمة، يخوض مصطفى تجربة جديدة على الأدب واللغة الكردية حينما يحاول تدعيم اللغة الكردية لأول مرة بمفردات لغوية تميز بين المذكر والمؤنث، وهي محاولة فريدة من نوعها وجديرة بالتقدير وتصلح لدراستها وتدعيمها كمبادرة مهمة في تاريخ الثقافة والأدب.

وضم هذا الفصل عدة أبواب تحدث فيها الكاتب عن دولة المدينة عند السومريين، ودولة البلد عند الأكاديين، ثم عرض موجزا لتاريخ الملك سرجون الأكادي وبحث في تاريخ الشعب الكوتي، ليبدأ بعدها بعرض مجموعة من الملاحم والأساطير التاريخية القديمة منها ملحمة لوغالباندا وغلغامش وأسطور سرجون ونارام سين وتواو خيجال وأخيرا شريعة حمورابي. ويلقي الكاتب في هذا القسم من الفصل الثاني الضوء على مجموعة من القوانين القديمة التي وضعت في العصور القديمة منها قوانين (نور نمو، ليبت نيشتار، أشتونا). وهو يعتبر قوانين حمورابي أكثرها تنظيما وتكاملا. ويشير الكاتب إلى أن حمورابي نجح في سلسلة من الحروب التي خاضها بضم دول المدينة التابعة لحضارة الميزوبوتاميا إلى مملكته وسلطته، وشرع في السنة الثالثة من حكمه مجموعة من القوانين نقشها على مسلة ليطلع عليها الناس.

في الفصل الثالث من كتابه، يخوض الكاتب في بدايات تدوين الأدب الكردي، متحدثا عن عدد من المدارس الأدبية التي ظهرت، منها المدرسة الكورانية، ثم يورد عددا من الملاحم الشعرية المنقولة عن أبرز الشعراء الكرد الذين يمثلون مختلف المدارس والاتجاهات الأدبية والشعرية مثل الشعر الوجداني وشعر الغزل والحب وأشعار الملاحم والحروب والأشعار التعليمية، ويخوض جولات مع نتاجات ودواوين عدد من أبرز الشعراء القدماء والمحدثين منهم بيساراني وولي ديوانة وطالعي وسالم وغيرهم.

تتحدث المصادر الكردية عن بدايات الأدب الكردي وتدوينه، وهو يعتقد أن الأدب الكردي بدأ أولا بالشعر، ولكن لحد الآن لم يعرف على يد أي من الشعراء بدأ التدوين، حيث إن ما وصل إلينا لحد الآن هو نتاج أدبي كتب بثلاث لهجات مختلفة التي يمكن توزيعها على ثلاث مدارس أدبية وهي، المدرسة الأدبية الكورانية، والمدرسة الأدبية الكرمانجية والمدرسة الأدبية البابانية، ويمضي الكاتب بإيراد الكثير من القصائد باللهجات الثلاث ليصل في النهاية إلى رأي بصعوبة تحديد بدايات تدوين الأدب الكردي، فهو يرى على عكس الكثير من المصادر التي تنسب تلك البدايات إلى النصوص الشعرية المكتوبة باللهجة الكورانية، بأن اللهجة الهورامانية هي الأقدم. ويخالف الكاتب عددا من الكتاب الذين ذكروا أن اللهجة الكورانية كانت اللغة الرسمية للإمارات الكردية القديمة، ويرى أن اللغة الرسمية هي التي تستخدم في دوائر الدولة وتستخدم في كتابة الرسائل والوثائق الرسمية، ولكن المعروف أنه ليست هناك لهجة كردية محددة تحدثت أو تعاملت بها الإمارات الكردية، فالإمارة الأردلانية كانت جزءا من الدولة الفارسية، ولذلك استخدمت اللغة الفارسية بمخاطباتها ومحرراتها، كذلك الحال بالنسبة للإمارات الأخرى التي كانت تتبع بقية الدول الحاكمة في كردستان، ويخلص الكاتب إلى أن العرب بفضل الدين الإسلامي ووجود مراكز ثقافية كبيرة في القاهرة والشام وبغداد ومكة المكرمة والمدينة المنورة استطاعوا الحفاظ على لغتهم، وكذلك الفرس بفضل إحياء تاريخ إيران ومراكزهم الثقافية في خراسان ثم تبريز وشيراز ومشهد وأصفهان وطهران، والترك بفضل إمبراطوريتهم العثمانية، وكانت هذه اللغات تستخدم من قبلهم في شؤون الدولة وكذلك في كتابة الأدب وشيوعها في مناطقهم، ولكن الكرد بسبب عدم امتلاكهم لدولتهم المستقلة وتأخر ظهور لغتهم واستخدامها لغة للأدب لم يستطيعوا أبدا الاتفاق على لهجة أو لغة موحدة، ولم يستطيعوا أن يجعلوا لأنفسهم لغة رسمية في أي من الإمارات الكردية، وبذلك لا يمكن اعتبار اللهجة الكورانية أساسا ومصدرا أوليا لتدوين الأدب الكردي. وفي ختام كتابه، يستعرض الكاتب مجموعة من القصائد الكردية لأبرز الشعراء الكرد وباللهجات الكردية المختلفة، دون أن يقرر تاريخا معينا لتدوين الأدب الكردي تاركا ذلك إلى المزيد من الدراسات والبحوث المستقبلية.