ثورة الدراما التلفزيونية.. بلا مضمون ثقافي

في السعودية 27 جامعة لكن لا توجد كلية واحدة متخصصة في الفنون

الدراما التلفزيونية
TT

هل تشي ثورة الإنتاج الدرامي الذي طفحت به الشاشة الفضية في شهر رمضان الحالي، بثورة معرفية، أو بارتفاع وتيرة التفاعل الثقافي والحراك الفني داخل المجتمعات العربية؟ أم هي مجرد نصوص واستعراضات ملونة تفتقد للحس الجمالي كما تفتقد للهوية الثقافية التي تصنعها؟.

عبد الإله السناني، الفنان السعودي المعروف والأكاديمي بجامعة الملك سعود، يقر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بتدهور الصناعة الفنية وخاصة الدرامية إذا افتقدت المحرك الثقافي الذي يعطي للأعمال هوية وقيمة.

السناني يشير إلى أهمية تكوين البنية الثقافية التي يترابط من خلالها العاملون في الحقل الدرامي، بدءا من كاتب النص ومرورا بالممثل فالمنتج والمخرج، مؤكدا أن العمل الفني والدرامي إذا لم يرتبط بالثقافة ولم تكن له منطلقات ثقافية ثرية، لا يمكنه صناعة رسالة رفيعة وهادفة، ولو وجدت في مرحلة من المراحل فإنه لا يتم توصيلها بشكل مقنع وجاذب.

وأضاف أن «العملية الدرامية والفنية أصبحت علما تدرس، وتخصصات يتم تشغيلها بكفاءات موهوبة ومدربة، غير أنه للأسف فإن الكثير من العاملين في هذا الحقل ليسوا مؤهلين، في وقت أصبح فيه العصر تخصصيا بالدرجة الأولى».

ولفت إلى أنه في الوقت الذي تحتضن فيه دولة قطر جامعة للفنون من هارفارد وكلية إعلام، وتحتضن دبي كذلك معاهد وكليات إعلام، فإنه في السعودية هناك 27 جامعة غير أنها لم تخصص أي كلية للفنون، ولم تستحدث أقساما للدراما لتخريج كتاب سيناريست وممثلين ومخرجين ومبدعين ونقاد ومنظرين للعمل الثقافي.

وقال السناني: «نحن في حاجة لكلية تعتني بالعمل الدرامي، وهذه مسؤولية وزارة التعليم العالي والجامعات السعودية، كما أن هناك حاجة ماسة لمواكبة التطور في جميع التخصصات، بأن يكون العمل الفني متطورا، إذ لا يمكن أن أرى الغزو التركي والغزو الصيني والغزو الياباني من ناحية المسلسلات، التي على الرغم من أنها لا تحوي مضامين جيدة، فإنها استطاعت أن تجذبنا نحوها بسبب مهنيتها العالية ووجود صورة وقدرات وثقافة الممثلين في ظل وجود إنتاج حقيقي علما بأن تلك المسلسلات لها خطاب مبطن إذ ليس هناك إعلام من دون أن يكون له خطاب مبطن».

ويشير السناني إلى أن موقع «ويكيليكس» ذكر أن البرامج المدبلجة هي الأكثر مشاهدة في البلاد العربية، من البرامج المنتجة محليا فيها، عازيا ذلك لفقدان المهنية. وهو يلاحظ أن الدراما في فترة الستينيات، عاشت فترة انتقالية زاهية، استخدمت فيها الثقافة في طرح أفكارها وقضاياها، من خلال أعمال عدد كبير من كبار الكتاب منهم: الطيب صالح، ونجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، وعبد الله الشيخ، وأمير الشعراء أحمد شوقي.

هؤلاء الكتاب، كما يضيف، عرفوا أن مستقبل الثقافة في مستقبل الصورة، ولذلك قدموا أنفسهم عبر نقلة انتقالية من عصر الرواية لعصر كتابة السيناريو، إذ كتب محفوظ 30 سيناريو، وإحسان عبد القدوس عددا كبيرا من الأفلام، وقدم أحمد شوقي مسرحية «قيس وليلى» الشعرية، التي كتب ألحانها عبد الوهاب، وتم تصويرها. هؤلاء جميعا كانوا يؤمنون بأن العصر المقبل هو عصر الصورة، الأمر الذي جعلهم يهتمون بالمهنية العالية، فبعثوا بأعمالهم إلى فرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول المتقدمة في هذا المنحى.

ويعتقد السناني أن الدراما المحلية منذ خمسة أعوام تسلك مسلك الدراما الكوميدية الاجتماعية، وأغلب الأعمال التي تطرح في التلفزيون السعودي الحكومي والفضائيات السعودية الأخرى، تركز على هذا النوع من الدراما. وقد أفرزت هذه الأعمال عددا من الممثلين والمنتجين والمخرجين والمؤدين والمؤلفين، ولكن كانت المحصلة إنتاج نوع من النمطية والتكرار، كما يقول.

ويعتقد السناني أن جملة عناصر تشترك في تحمل المسؤولية، ويضيف: «للأسف فإنه في غالب الأحيان، ليس هناك الرقيب الذي يقرأ النص عن فهم ودراية، فغالبية الذين يقومون بهذا الدور ليس لهم علاقة بالعمل الفني، فهو إما مدرس لغة عربية أو مشرف في إحدى المدارس أو من ليس له علاقة بالعمل الثقافي من قريب أو بعيد». وشدد السناني على ضرورة أن تضم لجنة النصوص في عضويتها على الأقل، روائيين أو كتاب قصة لأنهم كما يعتقد، على دراية بالهيكل الدرامي أو البناء الدرامي، لافتا إلى ظاهرة توقف بعض المسلسلات من ثاني أو ثالث يوم من بثّها، كنتيجة حتمية لافتقاد عملية التقييم.

الدكتورة إيمان تونسي: ثورة موسمية

بدورها ترى الباحثة السعودية، والناقدة في شؤون المسرح الدكتورة إيمان تونسي، التي شغلت عضوية مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التدفق الدرامي ليس سوى «ثورة موسمية تنبعث في غير وقتها المناسب».

وتشير التونسي إلى أن المشاهدين في شهر رمضان المبارك لا يلقون بالا لهذا التدفق الدرامي سواء المحلي أو الوافد، على الرغم من «أننا لا نستطيع أن ننكر جودة بعض ما عرض في شهر رمضان المبارك من حيث حيوية المواضيع وقوة الحبكة الدرامية والأداء المتقن».

ودعت تونسي إلى ضرورة دراسة أثر ما سمته «السيل الدرامي الرمضاني» على الثقافة المحلية، وخاصة في طريقة تفكير الأسرة والفرد والأطفال خاصة، وذلك فيما يتعلق بالتعاطي مع تشرب ثقافة الغير أو تحسين أو إساءة صورة الحوار والتفكير حول كثير من القضايا الاجتماعية والأسرية والفكرية والثقافية.

وتلاحظ التونسي أنه حال غياب أساليب أخرى للاستفادة من الوقت تبقى الفضائيات وما تقدمه هو الاختيار الأنسب للأغلبية من المشاهدين. ولذلك ينبغي للمتخصصين في علم الاجتماع دراسة هذه الظاهرة التي تنخر المجتمعات وتشبعها بطابع التلقي لكل ما يفد إلينا من الغير والتهاون فيما يمكن أن يجره علينا من سلوكيات غريبة تشجع التخاذل والسلبية.

لكن الناقدة المسرحية لا تغفل، في الوقت نفسه، النواحي الإيجابية لهذا التدفق الدرامي التلفزيوني «فهو يعرفنا بطبائع المجتمعات وطرائق تفكيرها وطرق تعايشها مع الخلافات والاختلافات، باعتبار الدراما فن المجتمعات المدنية التي تسعى دائما إلى توكيد أن الغلبة دائما للفضيلة والقيم الإنسانية».