أغلب مؤسسات النشر العربية يسودها الفساد وسوء الاختيار

فدوى فاضل

TT

انطلقت حديثا من إمارة رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة، «دار نون للنشر» في محاولة تريد منها الدار أن «تخرج كليا عن إطار الصورة الواقعية المتردية لصناعة النشر في المنطقة العربية». هذا الخروج عن المألوف لا يأتي فقط من كون الدار الجديدة أسستها وترأس إدارتها امرأة، في صناعة يحتكرها الرجال في معظم دول العالم وليس العربي وحده، لكن الأهم من هذا أن سياسة هذه الدار هي تحطيم مبدأ «ادفع – نطبع» الذي ساد بقوة في العقود الثلاثة الأخيرة فسمح للغث بالانتشار، وحرم مواهب كثيرة من الظهور، حتى اختلت كل المعايير التي يمكن على أساسها تقييم هذه الصناعة.

دار «نون» الإماراتية تؤكد - عبر موقعها على الإنترنت - أن هدفها هو نشر الأعمال الثقافية والأدبية الجادة أيا كان مصدرها أو كاتبها، لتكون بذلك إضافة حقيقية للمكتبة العربية. بهذا، تؤكد الدار التزامها نشر أعمال المبدعين، وخصوصا الشباب، من أي بلد عربي (وأولئك المنسيون في المهجر) بالإضافة إلى تنشيط حركة الترجمة إلى العربية، والتي انحدرت هي الأخرى إلى أدنى مستوياتها في العقود الثلاثة الأخيرة.

رغم غياب الإحصائيات التي ترصد حركة النشر العربي، فإن ملاحظاتي كناشرة، وما استطعت جمعه من معلومات عن العلاقة بين صناعة الكتاب، القراءة والقوة الشرائية في المنطقة تؤكد ما يلي:

- غياب المعايير الأدبية والثقافية التي من المفترض أن تحكم هذه الصناعة. فحاليا، يعتمد اختيار الكتاب للنشر على الرأي الشخصي للناشر (قد يكون تاجرا ولا علاقة له بالثقافة على الإطلاق)، وليس على دراسة واقعية ومستقبلية للسوق. وقد لاحظت أن أعمالا أدبية وفكرية عربية صدرت بلغات أجنبية، ولم تظهر بالعربية التي هي اللغة الأصلية للنص - وليس لذلك علاقة بالرقابة فالنصوص التي أقصدها لا تتضمن ممنوعات الرقابة العربية الثلاثة (الجنس والدين والسياسة).

- تنطلق في الغرب قرابة ثمانية آلاف دار نشر جديدة كل عام، والكتب هي إحدى السلع القليلة الأخرى التي لم تتأثر بالانهيار الاقتصادي. فمبيعات الكتب في بريطانيا تصل إلى قرابة مليارين ونصف المليار جنيه إسترليني في العام، وفي الولايات المتحدة تصل إلى 24 مليار دولار، وفي الصين تقدر مبيعات الكتب بين أربعة إلى خمسة مليارات دولار. هذه أسواق ضخمة بالتأكيد، لا نريد المقارنة بها حاليا، إنما فقط لتأكيد غياب مثل هذه الإحصائيات في المنطقة العربية. ومعروف في علم إدارة الأعمال أن غياب المقاييس والمؤشرات يعني التدهور وعدم التطور في العمل. وأؤكد هنا أن ليس الأمية في العالم العربي هي سبب عدم تقدم صناعة الكتاب، بل ربما العكس هو الصحيح.

- إن مبدأ «ادفع - نطبع» السائد، لم يلقِ فقط بأعمال ثقافية وأدبية مهمة في دهاليز الظلام، بل أفقد القارئ والباحث، أو الفرد العربي عموما، ثقته بالناشر وبما يُطبع وينزل إلى أسواق الكتب. وفي أغلب الأحيان، يبدو الناشر في عين الكاتب ليس سوى تاجر جشع أو حارس مهووس لأبواب جهنم.

- أغلب مؤسسات النشر والترجمة الحكومية في المنطقة، يسودها الفساد والكسل وسوء الاختيار. لقد لمست هذا عن قرب عندما تابعت الحضور الباهت لهذه المؤسسات في معرض لندن الدولي للكتاب هذا العام. غرف عرض واسعة بأثاث وموظفين في قمة الأناقة، لكنني لم أجد كتبا ذات قيمة، سوى القليل جدا من الترجمات «القديمة جدا» في الجناح العراقي، وكانت ملقاة على الأرض. في حين تشكل الترجمات نسبة ثلاثة في المائة من الكتب في بريطانيا والولايات المتحدة.

لقد دفعت هذه النسبة المتدنية جدا - من 350 ألف عنوان جديد يصدر كل عام - بالمؤسسات الثقافية الحكومية والخيرية إلى إنفاق الملايين لنقل آداب الثقافات الأخرى إلى الإنجليزية. هنا أيضا تغيب الإحصائيات والأرقام المتعلقة بالإنفاق الحكومي على الترجمة في المنطقة العربية.

نأمل أن تثبت دار «نون» الإماراتية، في سنتها الأولى، مصداقيتها بالتنوع، وإعطاء الفرص لجميع المواهب على اختلاف مذاهبها، واهتمامها بتنشيط حركة الترجمة إلى العربية من جديد. وكل ذلك، بعيدا عن الشللية وبعيدا عن جشع التجار البشع المهيمن على سوق الكتاب.

* ناشرة - المملكة المتحدة