«الأحجار الكريمة وجواهر الدرر الثمينة»

كثيرون يعتقدون أنها مصدر لدفع السوء وطرد الجن

من صور الكتاب
TT

يصدر قريبا عن دار «الوراق» ببيروت ولندن، كتاب «الأحجار الكريمة وجواهر الدرر الثمينة» لمؤلفه محمد أمين الأسدي. والكتاب يتناول تاريخ اكتشاف الأحجار الكريمة من قبل العلماء العرب، وأهميتها الاقتصادية الحضارية، مجردين إياها من الأساطير والأفكار الخيالية، باعتبارها ثروات طبيعية في باطن الأرض. ثم يربط المؤلف بين الدراسات القديمة وما توصل إليه العلم الحديث في استغلال واستخدام الحجر الكريم والجواهر الثمينة باعتبارها مصدرا اقتصاديا مهما. وهنا مقتطفات من مقدمة الكتاب:

كتاب «الأحجار الكريمة وجواهر الدرر الثمينة» هو حصيلة تجربة مكتسبة، ومعرفة متوارثة، وسفر بين الكتب العربية والإسلامية القديمة التي تناولت الأحجار المعدنية والجواهر، وما من باحث فيها إلا ويجد نفسه ملزما بأن يشير إلى ما توصل إليه الأوائل الأفذاذ عنها، فقد أزالوا الستار عنها ودونوا معلومات قيمة ذات قيمة علمية تستوجب الذكر والوقوف عندها، فكان للعلماء العرب الخطوة الأولى في إعطاء صورة واضحة عن المعادن والكشف عن الجواهر الكائنة في باطن الأرض، وما من جوهر إلا وكشفوه ورفعوا الجهالة عنه واستخدموه حسب عناصر تركيبته في مختلف الأغراض بما في ذلك دواء لمعالجة الأمراض التي تصيب الإنسان.

وبعد، فقد سخر الله تعالى للإنسان الأرض وما عليها من نبات وجماد وكائنات حيّة غير عاقلة، على البر وفي البحر وكل ما في باطن الأرض من معادن، وهي كنوز كثيرة مستقرة في مواقع قد تكون متباعدة ولكنها متشابهة في التركيب ومختلفة في الألوان، وقد تكون متقاربة لكنها تختلف في التركيب وتتشابه في الألوان.

وما حسب الإنسان عند أول الأمر أن ما في باطن الأرض أكثر فائدة له عما هو على سطحها الخارجي، ولكنه اكتشف أن في أعماق الأرض جواهر وكنوزا كامنة من شأنها ديمومة الحياة والبقاء، فأخذ يفكر ويعمل ويحفر الأرض وكلما تدرج في باطنها اكتشف الجديد منها.

أدرك الإنسان الظاهر الملموس من الأحجار المعدنية، خاصة ذات البريق أو الإشعاع وذات الألوان الجميلة الزاهية، فقد جذبته إليها وخطا مسرعا نحوها، فأخذ يلتقطها من بين التراب والرمال والصخور، وما إن شعر بأهميتها في نشاطه الاقتصادي والحضاري حتى أكثر البحث عنها وزاد نشاطه للحصول عليها، وخاصة تلكم التي ارتبطت بنشاطه الزراعي كالحديد «وأنزلنا الحديد فيه بأس ومنافع للناس».

وبما أن للمعادن كمفردات خواص معينة تميزها عن غيرها باللون والصلادة والتركيب الكيمياوي والثقل النوعي، فقد أوجد لها استخدامات تنسجم مع تطوره الاقتصادي والثقافي، وقد أحاط بالكثير منها طقوس ومعتقدات على أنها تحمل قوة خارقة فوق إرادة البشر، فسادت في المجتمع وما زالت تلقى قبولا عند الكثير كأنها حقائق استمرت تتناقلها الأجيال.

وأدركت أهم حقائقها وتوصلت إلى مكوناتها وتراكيبها من العناصر، فجردتها من الأساطير والأفكار الخيالية، وأكدت على أهميتها كثروات طبيعية في باطن الأرض ذات قيمة اقتصادية.

وما زال الكثير في مجتمعنا يعتقد ببعض الأحجار على أنها مصدر للرزق والمحبة ودفع السوء والخطر وطرد الجن.

ومن هذا الواقع كانت بدايتي في بحث الأحجار خدمة للعلم والحقيقة وتجريدها من الأوهام والخيال، فالسنون تمضي وما زالت الأوهام عالقة في عقول الكثير من الناس وهم يحيطون بعض الأحجار المعدنية بشيء من القدسية على أنها تحمل بين ذرّاتها قوة سحرية خارقة تفوق قوة الإنسان وقدرته، فهو بعقله وقوته طوعها لأمره، وما من شك في أن الذي يلجأ لمثل هذه الأوهام هو في حقيقته في موقع الضعف، وقد أصبح عاجزا عن أن يحقق كل ما يصبو إليه بقوته، فصار يتوسل بالأحجار.

وجميع الأحجار المعدنية المتخذة حليا وزينة وجواهر لا تجلب نفعا ولا تدفع سوءا إلا بقدر راحة النفس منها لجمالها وبريقها وإشعاعاتها الملونة الساحرة وألوانها الجذابة.

ومن هذا الواقع صار هذا السفر وهو خلاصة تجربة خاصة تربو على أكثر من ربع قرن جمعت فيها خلاصة الأحجار المعدنية من خلال أقوال القدماء وما توصل إليه العلم الحديث وجعلت بداية البحث بابا تمهيديا عن المسبحة وأصولها التاريخية والمواد التي صنعت منها، دخولا إلى موضوع الكتاب.

منذ أكثر من ألف سنة كتب عطارد بن محمد وفيلسوف العرب الكندي ومحمد بن شاذان الجوهري ويحيى بن ماسويه وأبو بكر الرازي وأبو جعفر القيرواني وأبو ريحان البيروني وأحمد التيفاشي وزكريا الأنصاري القزويني ويوسف بن إسماعيل البغدادي ومحمد بن أبي طالب الدمشقي والشيخ داود الأنطاكي وآخرهم أحمد بن عوض المغربي، الذي جمع كل ما قيل في خصائص الأحجار بكتاب سماه «قطف الأزهار في خصائص المعادن والأحجار ونتائج المعارف والأسرار» وعلاء بن الحسين بن علي البيهقي.

كتبوا عن الأحجار كجواهر ومعادن أنها مادة تدخل في الكيمياء والصنعة والأدوية، وكانت كتاباتهم متباعدة بين واحد وآخر وبحدود 100 سنة وأكثر. كتاب «الجواهر وأصنافه» الذي ألّفه محمد بن شاذان الجوهري في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري في بغداد، وكتاب البيروني «الجماهر في معرفة الجواهر»، ألفه في النصف الأول من القرن الخامس الهجري في خوارزم (أوزبكستان)، وكتاب التيفاشي «أزهار الأفكار في جواهر الأحجار» ألفه في النصف الأول من القرن السابع الهجري في مصر، وكتاب البيهقي «معدن النوادر في معرفة الجواهر» ألفه في أوائل القرن العاشر الهجري ولعلّ تأليفه قد تم في اليمن، وكتاب أحمد المغربي «قطف الأزهار في خصائص المعادن والأحجار» ألفه في القرن الحادي عشر الهجري.

وبات كتابا البيروني والتيفاشي مصدرين من المصادر المهمة لاحتوائهما على معلومات مهمة ومفصلة عن الأحجار المتداولة حليا، وتكاد تكون معلومة لقلة عددها.

ولعلّ آخر كتاب صنف في بغداد هو «نخب الذخائر في أحوال الجواهر» تأليف الطبيب محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري، المعروف بابن الأكناني، المتوفى عام 749هـ (1348م)، ومنذ ذلك التاريخ ولأكثر من ستة قرون انقطع التأليف في بغداد عن الجواهر المعدنية التي تدخل في صناعة الحلي والزينة وخامات المعادن، والحال نفسه في الأقطار العربية والبلدان الإسلامية.

ولم يعد لأحجار الزينة من ذكر، إلا في حدود الأساطير والأوهام التي تتناقلها الأجيال وكأنها حقائق، في الوقت الذي أخذت الاكتشافات العلمية والتحليلات المختبرية في أوروبا تكشف عن تراكيبها الكيمياوية وتحدد عناصرها.

لقد وجدت في متون الكتب العربية القديمة مادة عن المعادن والكيمياء والطب تفيد في ميدان الأحجار المعدنية، منها ما كتب قبل أكثر من ألف سنة وما زال يحتفظ بقيمة علمية كبيرة ودقيقة.

وكل أمة تفتخر بماضيها وتراث أجدادها، ولا بد من ربط الماضي الأصيل بالحاضر المشرق، ولعل أبناء الأمة إزاء تراثهم لهم مسؤولية جسيمة، فهم مطالبون بإزاحة الستار وإزالة الغبار عن وجه حضارتهم الأصيلة، إذ إن أغلب العلوم وبخاصة في وقتنا الحاضر صارت تنسب إلى الغرب، لا سيما تلكم المتعلقة بالأحجار الكريمة والجواهر، بل لا تعرف إلا بأسماء أجنبية ومنسوبة إلى الأوروبيين والأميركيين، في الوقت الذي كان لعلماء العرب والمسلمين الخطوة السبّاقة في خوض تلكم العلوم قبل مئات السنين.

ولعل في هذا الكتاب دليلا واضحا على دقة نظر العلماء الأوائل وأصالة ملاحظاتهم.

ولا يفوتني أن أشير إلى أن بعض المعلومات التي وردت في المعاجم والقواميس حول أحجار الزينة فيها شيء من الوهم، وقد لا يتماشى مع العلم الحديث لذا وجدت نفسي ملزما بأن أشير إليها.

والحق يقال لولا التجربة وطول المعاشرة للأحجار لما تمكنت من أن أجني ثمار هذا البحث، فإن اختلافا طفيفا جدا جدا في اللون يؤدي إلى تغير النوعية والاسم والقيمة زيادة ونقصانا. وأول كتاب كتب عن الجواهر كان في بغداد ولم يكن ذلك إلا تعبيرا عن حالة موجودة تطلبت البحث فيها ورفع الجهالة عنها. وإن زينت الجواهر بغداد في العصر العباسي فهي جوهرة الدنيا ودرة زمانها دونها جميع الدرر، تجمعت فيها الجواهر وأصنافها فما من جوهر نفيس إلا وجد في بغداد وهي عاصمة أكبر دولة عربية إسلامية ممتدة من بلاد الروم غربا إلى تخوم الصين شرقا، وما من جوهر نفيس وجد في أحد أقاليم الدولة العربية الإسلامية إلا وكان طريقه إلى بغداد، لأن أسواقها كانت عامرة بالجواهر، وإذا ما قيل هناك جوهرة فريدة وجد أعظم منها في بغداد.

وكان ببغداد في العصر العباسي سوق عظيمة خاصة لبيع الأحجار الكريمة والجواهر هي غير سوق الصاغة وبيع الذهب.

وقد ظهرت في سوق الجواهر ببغداد ظاهرة جرى العرف عليها، ولم تعرف مثلها اليوم بلدان العالم، وهي استئجار الجواهر من الجوهريين لأيام معدودة وبأجرة محدودة ذكرت في كتاب «الأغاني». فالرشيد أخبر حموريه أنه سيكون عنده ليسمع غناء تدعى «ذات الخال»، فذهب حموريه لسوق الجواهر واستأجر الجواهر من الجوهريين، وقد بلغت أثمانها 12 ألف دينار، وتزينت بها (ذات الخال) «فلما رآها الرشيد سأل حموريه عن أمرها وخبرها، فأخبره بأنها حلي مستأجرة، فبعث الرشيد إلى أصحاب الجواهر واشتراها منهم وقد وهبها لذات الخال».

المعلومات الواردة في الكتاب هي ملخص إلمامي بالأحجار حليا وجواهر، ومعرفتي بها مستقاة من الخبرة المتوارثة والتجربة المكتسبة جراء الاشتغال بها، ولم أغفل في رحلتي هذه عن كتب الأولين أو أبخس جهد المحدثين في ميدان خامات المعادن لتحديد النوعية، وجهد المحدثين يزيل الشك باليقين لأن أساسه التحليلات المختبرية، وأغلب جهد المحدثين مستند إلى الغربيين وهو بقدر المعلومات المنقولة دون التجربة المعمولة، وقد تصح تلك المعلومات في المعادن وخاماتها ولا تصح في الأحجار المعدنية كجواهر للزينة، ودراسة الأحجار الكريمة والجواهر مفردة لتحديد نوعيتها كدراسة المسائل الفلكلورية المستمدة من المشاهدة والمشاركة ومن دونهما لا يمكن إعطاء أو رسم صورة فلكلورية حية.

وفي البحوث عن المعادن والخامات يرد ذكر لبعض الأحجار، وقد قسمت إلى مجموعتين هما الأكاسيد والسليكا وبصيغ كيمياوية يفهمها ويستفيد منها طلبة الجامعات وأصحاب الاختصاص، وتعد غير مفهومة لعامة الناس ومملة من خلال الأسماء المعربة والرموز سواء أكانت بحروف عربية أم إنجليزية.

واليوم أصبح الحديث عن أحجار الزينة في الأوساط الجماهيرية الواسعة متشعبا وثمة أقوال تطرح فيها الحقيقة وفيها الأوهام عن مادتها وكيفية تكوينها وخواصها وتحديد نوعيتها.

ولأجل أن تكون الأحجار المعدنية المتخذة للزينة قريبة إلى الأذهان وبقدر ما هو مستمد قديما من معلومات في الموروث العربي والإسلامي بما يتفق مع المصادر العلمية الحديثة، صار هذا الكتاب، وهو جامع للتراث القديم والمعاصر وبعيد عن الخيال والأوهام ومستند إلى الحقائق العلمية.