تاريخ البحث الأثري منذ نابليون وحتى أول وزير للآثار

كتاب مصري - أميركي عن علاقة الثورة المصرية بالآثار

TT

يتناول كتاب جديد للكاتب المصري أحمد عثمان المقيم في لندن، بالاشتراك مع الكاتب الأميركي روبرت بوفال، تاريخ الحضارة المصرية وأعمال الكشف الأثري من خلال استعراض الأسباب التي أدت إلى ثورة شباب ميدان التحرير في 25 يناير. والمؤلف المصري أحمد عثمان له 5 كتب بالإنجليزية منها «موسى وإخناتون» و10 كتب بالعربية أشهرها «تاريخ اليهود» و«المسيحية في الإسلام» بالاشتراك مع رجل الأعمال منير غبور. أما روبرت بوفال فقد ولد وتربى في الإسكندرية حتى عمر 12 عاما، ثم رحل مع والده البلجيكي إلى لندن حيث درس الهندسة المعمارية، ثم تحول إلى الكتابة عن تاريخ الحضارة المصرية التي في اعتقاده بنيت على أسس هندسية واعتمدت على علم الفلك. ومن أشهر أعماله «لغر الأوريون» الذي توصل فيه إلى أن أهرامات الجيزة تم بناؤها على توافق مواقع نجوم الدب الأكبر التي تظهر لامعة في السماء.

يحكي كتاب «انكسار مرآة السماء» تاريخ مصر الحديث منذ محمد علي باشا وحتى الرئيس المصري السابق حسني مبارك، كما يتناول تاريخ البحث الأثري في مصر منذ نابليون الذي أتى بمجموعة من العلماء لتسجيل البقايا الفرعونية، وحتى زاهي حواس الذي عينه حسني مبارك أول وزير للآثار في آخر وزارة يشكها قبل تنحيه عن الرئاسة. فمصر بلد عظيم له تاريخ يمتد إلى فجر الحضارة البشرية، التي ولدت من رحم وادي النيل منذ أكثر من 5 آلاف عام مضت. ورغم تخلف مصر عن ركب الحضارة عند نهاية عصر الفراعين، عادت البلاد لتمسك بزمام أمورها منذ مجيء محمد علي باشا عند بداية القرن التاسع عشر، حيث أصبح حكمه نقطة تحول جوهري في تاريخ المصريين، وبداية لبناء الدولة المصرية الحديثة. لقد تمكن محمد علي من القضاء على طبقة البكوات المماليك التي كانت تسيطر على مقاليد الحكم في البلاد، وقام بتركيز السلطة السياسية في يد حكومته في القاهرة. وفي فترة قصيرة استطاعت مصر أن تنفصل عن الدولة العثمانية وتعود إلى مسيرة الحضارة. ومع أنها تقع في قارة أفريقيا، فقد تأثرت مصر بفكر الثورة الفرنسية والنهضة الأوروبية الحديثة في العلم والإدارة والصناعة، بل وفي الجيش كذلك.

بعد وفاة محمد علي في 1849، استمر حكم أسرته نحو قرن من الزمان، حكم خلالها أحد عشر حفيدا للباشا. وفي عهد الخديو إسماعيل (1863 - 1879)، الذي سار على درب جده في محاولة اللحاق بالحضارة الأوروبية، شهدت البلاد نهضة حضارية كبرى في الإصلاح الإداري، ومجالات الصناعة والزراعة. وكان إسماعيل هو الذي أنشأ دار الأوبرا ومد خطوط السكك الحديدية، كما تم حفر قناة السويس في عهده. ثم قام الجيش بحركة ثورية بقيادة عرابي باشا في فبراير 1881 في عهد ابنه الخديوي توفيق، ووقعت مصر على أثره تحت الاحتلال البريطاني سنة 1882.

بعد فقدان الذاكرة الحضارية للشعب المصري الذي استمر نحو 18 قرنا، بدأت الذاكرة تعود مع وصول الحملة الفرنسية، حيث جاء نابليون بعدد كبير من العلماء لدراسة تاريخ الفراعنة وآثارهم، تم نشرها بعد ذلك في عدة مؤلفات. ومع زيادة عدد المبعوثين المصريين إلى جامعات أوروبا وعودة بناء الدولة المصرية، راح المثقفون المصريون يبحثون عن تاريخ أجدادهم، وتحدث لطفي السيد عن القومية الفرعونية من جديد. وكان أول إجراء قامت به الحكومة المصرية لتنظيم البحث عن الآثار وحمايتها عندما عينت الفرنسي مارييت باشا أوغست مارييت - عام 1858 مديرا لمصلحة جديدة أنشأتها للآثار. تم تكوين هيئة الآثار المصرية سنة 1835، وتم جمع الآثار في حديقة الأزبكية ثم في قلعة محمد علي لعدم وجود متحف في ذلك الوقت. وكان مارييت باشا أول مدير للآثار في مصر، نقل الآثار إلى متحف بولاق أولا، ثم عمل على بناء المتحف الحالي بقصر النيل سنة 1902. كان مارييت يعمل مساعدا لأمين متحف اللوفر بباريس، وجاء في بعثة إلى مصر لشراء بعض مخطوطات البردي القبطية، فأحب القاهرة وأطال مدة إقامته بها، ولهذا فلما عرض عليه الخديو سعيد منصب مدير الآثار لم يتردد في قبولها والاستقالة من عمله في اللوفر. وأصدر مارييت قرارا بمنع إخراج الآثار من مصر، وأقام أول متحف مصري في بولاق لحفظ الآثار به لا يزال يستخدم حتى الآن لحفظ العجلات الحربية. وضمانا لعدم خروج الآثار لم يسمح مارييت لغيره بالتنقيب عن الآثار في مصر، وبدأ مارييت باشا في البحث عن القطع الأثرية المنقولة في المعابد والمقابر ونقلها إلى متحف بولاق. ومات مارييت عند افتتاح المتحف الحالي - بميدان الإسماعيلية (التحرير حاليا) - عند بداية القرن الماضي ودفن في فنائه الخارجي. وبعد وفاة مارييت، خلف الفرنسي ماسبيرو مارييت، وهو الذي افتتح في عهده المتحف المصري الحالي بالقاهرة العام 1902.

واستمر تقليد تعيين الفرنسيين من الأثريين للإشراف على الآثار في مصر - سواء في ذلك في مركز المدير العام لمصلحة الآثار، أو مدير المتحف المصري - إلى أن قامت ثورة الضباط الأحرار عام 1952، التي استبدلت بهم المصريين. وهكذا كان الهدف الرئيسي من إنشاء هيئة حكومية خاصة مسؤولة عن الآثار، هو المحافظة عليه من السرقة والضياع، وظلت هذه الهيئة تقوم بعملها على وجه سليم إلى أن ظهرت هذه الكوارث في السنوات الأخيرة.