جبير المليحان: هذه قصة شبكة القصة العربية

TT

في بداية القرن الحالي انشقت السماء عن فضاءات فسيحة للكلمات، وصار بمقدور المعاني أن ترفرف خارج الحدود كأسراب الحمام، بدا الأمر وكأنه حلم، ولذلك تراءى لي إمكانية نشر قصصي، وقصص آخرين في موقع ثقافي تطوعي متخصص بهذا النوع السردي المميز، يطلع عليه الآخرون في أي مكان. كان حلما صغيرا، وبدأت أخطط لبناء الموقع، ولكوني قاصا فقد اخترت اسم (القصة العربية) كونه اسما عاما، وكان ذلك في منتصف عام 2000.

كانت رسالة هذا المشروع تتلخص في إنشاء مشروع ثقافي معرفي عربي لجميع الأقلام الحرة في أي مكان. وتطوير آفاق الكتابة الأدبية عامة، والسردية بشكل خاص، وتنويع تقنياتها، مصحوبة بنقد مبدع، وكاشف، ودال، يطرح بشتى الصور والأشكال ضمن شروط النشر في شبكة القصة العربية.

وانطلق المشروع من رؤية تعتمد على التعريف بكتاب القصة العرب وإنجازاتهم، على المستويات العربية والعالمية. وكذلك تأصيل حرية الحوار، وتعدديته، والرقي بلغته.

ويسعى الموقع إلى تطوير شبكة القصة العربية، وهو يوفر أيقونات مثل موقع القصة العربية، منتدى القصة العربية، الجريدة، المدونات، منشورات الشبكة وما يضاف إليها مستقبلا من برامج وتحقيق أهدافها.

وقد تم اختيار «الهدهد» شعارا للموقع، حيث لا بد من شعار مناسب لموقع القصة، وهو شعار يقتبس من قصة الهدهد مع النبي سليمان، عليه السلام، التي وردت في القرآن الكريم في سورة النمل. واستقر الرأي على أن يكون شعار الموقع صورة الهدهد، باعتبار العلاقة الملتبسة بين هذا الطائر السابر والسلطة، وكونه كاشفا لما لا يرى، وقابلا للذبح أو التعذيب. وهو ما ينطبق على مبدعي القصة في علاقتهم بما ينتجونه، ونظرة صاحب السلطة لهذا الإبداع إما بالقبول أو الرفض!

وصمم الموقع الفنان الشاعر مالك آل فتيل، وتم نشر الموقع على الشبكة في السابع من فبراير (شباط) عام 2001 بموقع واحد، وبدأ بنشر مجموعة من نصوصي القصصية.

وفيما بعد اطلع أصدقاء من السعودية على الموقع، وطلبوا التسجيل والنشر، فبدأنا بنشر نصوص للأدباء: عبد العزيز الصقعبي، خالد العوض، هيام المفلح، عبد الرحمن الدرعان، حكيمة الحربي، عبد الحفيظ الشمري، سعود الجراد، ظافر الجبيري، عبد الله زايد، فهد المصبح، إبراهيم النملة، عواض شاهر، يوسف المحيميد، وفاء العمير، أحمد القاضي، عماد العباد، عبد الله الوصالي، فهد العتيق، يحيى سبعي، عبد الله التعزي، حسب أولوية التسجيل.

ثم تلقى الموقع طلبات من الدول العربية، فأعدنا تصميمه، ووضعنا أعلام الدول العربية في الواجهة بحيث نضم كل كاتب إلى بلده، وكانت أول الطلبات من البحرين، حيث انضم القاص المعروف محمد عبد الملك تحت العضوية 24، ثم سعاد آل خليفة، ثم جمال الخياط.

وحتى اليوم فقد بلغ عدد الأدباء والقاصين الذين انضموا للموقع 1833 عضوا، من 21 دولة عربية. تأتي مصر في طليعتهم بنحو 391 قاصا. ثم سوريا بنحو 183، فالمغرب بنحو 142، ففلسطين بنحو 103، والجزائر بعدد 99 عضوا، فالعراق بعدد 78 قاصا.

ومنذ البداية كنا نعرف أن الموقع يمثل نافذة لآلاف النصوص الأدبية التي ينتجها القاصون، ولذلك فقد تم وضع شروط محدد وغير متشددة للنشر، تتلخص في الكتابة بالاسم الحقيقي للقاص أو القاصة، وباللغة العربية الفصحى أو الفصيحة، وعدم المساس بالدين أو الأشخاص. وما عدا ذلك فالكاتب حر في طرح رؤيته، وتقنياته في عمله القصصي.

وفي عام 2003 طالب كثير من الأعضاء في الموقع (المتخصص بنشر النصوص القصصية القصيرة) بموقع رديف للحوار، وهكذا تم تدشين منتدى القصة العربية، وتحويل الموقع إلى شبكة القصة العربية. وقد تطور هذا المنتدى وتوسع ليحتوي حتى الآن ما يزيد على 123337 مشاركة من قبل 733 عضوا.

بيد أن المهمة التي كانت أكثر إلحاحا هي انتخاب عدد من القصص والنصوص وإصدارها في دوريات ورقية وكتب ومجموعات مما يتيح وصولها لشرائح متعددة من القراء ومشاركتها في المعارض، ولذلك خططت الشبكة لمشروع نشر النصوص القصصية الموجودة في الموقع (أكثر من 14 ألف نص) في كتب ورقية، فكرنا في طباعة كتاب ورقي يحتوي على مجموعة مختارة من النصوص المنشورة في الموقع، وقد جاءت إلى الموقع دعوة كريمة من خالد الرويشان، وزير الثقافة والسياحة في اليمن الشقيق، لحضور معرض الكتاب الدولي في صنعاء عام 2004م، وطلب أن نمده من مخزون الموقع بأهم القصص القصيرة لكتاب القصة السعوديين، فكان أن جهزنا كتاب «قصص من السعودية» لسبعين قاصا وقاصة من المملكة طبعت على نفقة وزارة الثقافة والسياحة اليمنية، كما أصدرنا الكتاب الورقي الثاني «قصص عربية» بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون. ويضم 96 نصا بواقع نص واحد لكل كاتب عربي، إضافة إلى عشرة نصوص لزملاء كانوا معنا في طريق الإبداع ثم رحلوا إلى جوار ربهم وقد أهدي الكتاب إلى أرواحهم الطاهرة. كتب مقدمة الكتاب الأديب الفلسطيني خالد الجبور، والإهداء بقلم الأديبة السورية ابتسام تريسي، وتمت الطباعة في القاهرة بالتعاون مع دار «سندباد».

كما تطور الموقع بتأسيسه جريدة «القصة العربية» المتخصصة في نشر أخبار الثقافة والأدب والفن، وقد تم تدشينها في يوليو (تموز) العام الماضي، وذلك كخطوة أولى من مشروع إعادة تطوير وبناء المواقع الثلاثة بما يتواءم مع مستجدات النشر، وحاجات الأعضاء.

أشير هنا إلى أن جميع مصاريف الشبكة يتحملها مؤسسها، ولم تحصل شبكة القصة العربية على أي دعم مالي من أي جهة رسمية أو خاصة، باستثناء طبع الكتاب الورقي، وشبكة القصة العربية ماضية في تطوير مشروعها الثقافي، وتخطط لمشاريع أخرى تتعلق بالثقافة والأدب.