21 باحثا وباحثة يناقشون تحولات الرواية الخليجية

شهادات ورؤى في ختام ملتقى السرد العربي التاسع بالشارقة

جانب من الجلسات
TT

اختتمت في العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي فعاليات ملتقى الشارقة التاسع للسرد في قصر الثقافة بالشارقة، والذي استمر في جلسات صباحية ومسائية، على مدى يومين، بجلسة ختامية ترأستها الأستاذة أسماء الزرعوني وشارك فيها كل من د.علي المعمري من سلطنة عمان، وعلي الحميري، والأستاذة فتحية النمر من الإمارات، والذين قدموا شهادات حية في مجال الرواية الخليجية الجديدة.

شارك في ملتقى السرد «الرواية الخليجية الجديدة» نحو 21 باحثا وباحثة. وتضمن الملتقى ستة محاور رئيسية حول الرواية الخليجية الجديدة، المحور الأول بعنوان «الرواية الخليجية.. بانوراما تاريخية وفنية»، والمحور الثاني «تحولات الرواية الخليجية ملامح فنية عامة»، ويتناول تبدلات البنية السردية في الرواية الجديدة، والشخصية الروائية في فضاء الرواية الجديدة، أما المحور الثالث فيتحدث عن «الرواية النسائية آفاق جديدة»، ويضم عدة مسارات منها: مدخل، الرواية النسائية الجديدة، الرواية النسائية الخليجية جدل الماضي والراهن، صورة الرجل في الرواية النسائية الخليجية الجديدة.. فيما يأتي المحور الرابع حول «صورة المدينة في الرواية الجديدة» ويشمل تمثيلات المدينة المتحولة، وإشكالية الهوية المتجددة، والخروج من المكان إلى الذات.. ويخصص المحور الخامس لرواية السيرة الذاتية، ورواية السيرة الذاتية وإشكالية المصطلح، والسيرة الذاتية بين الواقع والخيال، والمكونات الفنية والبنائية لرواية السيرة الذاتية.

وأكد الناقد المغربي سعيد بنكراد، في مستهل الملتقى على «إننا نحاول جميعا، من خلال أبحاثنا ومن تجاربنا في السرد وفي النقد وفي التأمل العاشق للذات، البحث في ذاكرة تخييلية تُبنى ضمن تفاصيل اليومي، وتحديد ما يمكن أن يبنيه التخييل والمحتمل والاستيهامي، وتبنيه أيضا حقائق الذات التي لا تعرف سرها سوى (عينية) بتعبير ريكور، وتتطور في الزمن من خلال السرد لا من خلال وظائف عابرة أو أدوار اجتماعية تتلاشى في المألوف.. فلا خلاص للوجدان إلا من خلال المشخص والتصوري. فنحن في نهاية الأمر لسنا شيئا آخر غير ما تبنيه هذه المحكيات مجتمعة، وإن وجودنا لا يستقيم إلا من خلال تفاصيل السرد». وأضاف «لا يشكل البحث في الرواية ترفا، وهو ليس لعبة تتقنها نخبة تستلذ بالغريب والموحش في النفس وفي الواقع الذي يحيط بها.. إننا نكتشف أنفسنا في ما يكتبه الروائي، فالروائي ليس مؤرخا هذا أمر مؤكد، لكن حقائقه أقوى من حقائق الأخير، فقد يحدث أن يشكك الناس في شخصيات من التاريخ، لكن لا أحد يمكن أن يشكك في شخصيات الروائي. ويراعى أن تكون معرفتنا بهذه الشخصيات الروائية أعمق بكثير من معرفتنا بأقاربنا، وقد تكون مدن الروايات أجمل وأحلى من مدن الواقع».

* بانوراما تاريخية وفنية

* كان عنوان المحور الأول «بانوراما تاريخية وفنية»، وترأس الجلسة أ.إبراهيم مبارك من الإمارات، وتحدث فيها كل من د.عائشة بنت يحيى الحكمي من المملكة العربية السعودية، ود.رشيد بوشعير من جمهورية الجزائر. رشيد بوشعير، المقيم في الإمارات، تتبع الرواية الخليجية منذ البدء وحتى اليوم، في أدق التفاصيل الصغيرة، وناقش روايات عبد الرحمن منيف وكتاب مختلفين ظهرت أعمالهم في أقطار خليجية أخرى. كذلك ورقة الدكتورة عائشة الحكمي التي اهتمت برصد ظهور ونمو العمل السردي في الخليج العربي. ولعل أهم ما جاء في ورقتي الدكتور الرشيد بوشعير والدكتورة عائشة الحكمي، هو التطور الواضح عند كتاب الرواية في الخليج العربي، والانتقال من تسجيل الأحداث إلى صياغة الحكاية مع المدينة أو القرية. ولم تصل الكتابة في البدايات عند بعض هؤلاء الكتاب إلى أبعاد فكرية راصدة للتحولات المهمة في المدينة والقرية. ولعل اطلاع البعض مثلا على رواية «الخروج على وشم القبيلة» للروائي محمد الحربي، وروايات كتاب آخرين ساروا على هذا الطريق مثل «شاهندة» مثلا لراشد عبد الله، أسهم في تأثر السرد بها، وجعل لها أهميتها في فن السرد في منطقة الخليج العربي. ولا يمكن إغفال روايات علي أبو الريش الذي أجاد في فن الرواية.

واعتبر بوشعير أن الاستجابة السردية تتجسد في نمطين في الرواية، المباشر وغير المباشر «النمط غير المباشر يظهر في بعض أعمال روائية لكتاب خليجيين، حيث تعبر الروايات عن قيم المدينة المتغيرة من حيث المضامين المطروحة فيها. أما النمط المباشر فيتمثل في الاستجابة السردية التي ترصد ملامح التعبير التاريخي الذي طرأ على المكان وثقافته، وتتمثل في رواية (مدن الملح) للكاتب عبد الرحمن منيف و(مدن تأكل العشب) للكاتب عبده خال، و«النواخذة» للكاتبة فوزية شويش السالم.

* الرواية النسوية الخليجية

* وفي الجلسات التي أقيمت بإدارة الناقد المصري زكريا أحمد، قدم الباحث الكويتي فهد توفيق الهندال نماذج من الرواية النسوية الخليجية، مشيرا في بداية أطروحته إلى أن «السرد عندما يكون أنثويا فليس علينا سوى الصمت أمام شموع الكتابة لدى المرأة»، وبرر الهندال لجوء أغلب الكاتبات الخليجيات للأسماء المستعارة إلى صرامة النظام الاجتماعي الأبوي الذي عشن تحت وطأته، لهذا قال «كانت الثورة والرفض القاطع لهذه الأقنعة في الأزمنة الراهنة بهدف الكشف عن الذات الأنثوية بهوية ثقافية نسائية، ولتوصيل رسالة لكل القراء من دون قيود، خاصة جمهور القارئات». وقدم الناقد السوري عزت عمر في الجلسة نفسها بحثا حول الرواية الخليجية وجدل الماضي والراهن، مشيرا إلى أن القصة والرواية في الخليج لا تشذ في تناولها عن السرديات الأخرى في العالم، ونوه بأن هذه السرديات ترصد في الغالب علاقة الشخصية بالزمن وأثره على المحيط إيجابا وسلبا.

وفي الجلسة التي أقيمت بإدارة القاص والإعلامي نواف يونس، تحدث كل من الدكتور صالح هويدي من العراق، والدكتور هيثم الحاج من مصر، وتناول هويدي في بحثه النقدي تحولات المدينة بين الوقوف على الأطلال وفوبيا العولمة، وقدم مقاربة لنماذج من الرواية الإماراتية التي عالجت متغيرات المدينة الإماراتية وتحولها من طابع تقليدي وبسيط إلى المدينة الحداثية. وأشار إلى أن هدف هذه المقاربة هو الكشف عن تجليات التحول، وكيفية معالجة كل رواية للتيمة المطروحة، والأساليب والتقنيات الفنية التي اعتمدتها لتحقيق رؤيتها الفنية من جهة، وخصوصية كل منها في موقفها من المدينة من جهة أخرى.

وتحدث الناقد سعيد بن كراد من المغرب عن تأثير السيرة الذاتية في الهوية السردية، مشيرا إلى أن السيرة الذاتية في مجمل التصورات النظرية تعتبر «محكيا مستعادا» يحاول من خلاله شخص معلوم إعادة بناء ما تناثر من وقائع وتقديمها في صيغة قصة تروي تفاصيل حياة تتميز بالتماسك والانسجام. ونوه بن كراد بأن «الأنا» الدالة على الذاتية والفرد المعزول، هي الأداة المفضلة من أجل الإمساك بما يمكن أن تختزنه الذاكرة في غفلة من الزمن وسلطان النسيان.

* بطء نمو الرواية الإماراتية

* بينما ترأس عبد الفتاح صبري (مصر) الجلسة النقاشية في المحور الثاني حول تحولات الرواية الخليجية، والتي شارك فيها كل من د.فاطمة البريكي (الإمارات)، ود.سمر روحي الفيصل (سوريا)، ود.ابتسام الحجري (سلطنة عمان). واستعرضت الدكتورة فاطمة البريكي من جامعة الإمارات، في ورقة عمل قدمتها في إحدى جلسات الملتقى، حال الرواية الإماراتية وموقعها على خريطة الفن الروائي. وأكدت البريكي عدم وجود تحديد زمني مُجْمَع عليه لمصطلح «الرواية الجديدة» عربيا، إلا أن السائد أن الرواية صدرت عربيا خلال السنوات الـ30 الأخيرة، ونجد أن الرواية الإماراتية في مجملها تقع زمنيا ضمن حدود هذا المصطلح. وأشارت إلى عدم وجود «خصائص أسلوبية مميزة لأديب من الأدباء على نحو مطلق، وكثيرا ما كان العمل الواحد يشتمل على أكثر من منحى بنائي، وبالنظر في ذلك نجد أن هذه الظاهرة كانت تشير إلى عدم تمتع أو إلمام الكاتب ذاته بالمناهج البنائية للرواية من جانب، كما تدل على عدم اكتراثه بهذه الأساليب من جانب آخر».

وقالت البريكي إن «الرواية الإماراتية، على الرغم من كونها زمنيا تندرج ضمن حدود (الرواية الجديدة)، فإن معظمها، على المستوى الفني، يتوزع ما بين (الرواية الرومانسية) و(الرواية الواقعية)»، معتبرة أن «هذا التحديد ليس تجنيا على المنجز الروائي الإماراتي، بل هو محاولة لوضعه في موضعه الصحيح، من دون تزييف أو مجاملة، مستثنية الروائي علي أبو الريش الذي تمثل بعض أعماله توجها نحو الرواية الجديدة، وذلك لأنه أغزر كتاب الرواية الإماراتية إنتاجا، أي أنه صاحب مشروع فكري وأدبي». ولم تلق البريكي اللوم على الروائيين الإماراتيين، وذلك بسبب عمر الرواية الإماراتية، الذي لا يتجاوز الـ40 عاما، وهي فترة زمنية قصيرة نسبيا مقارنة بعمر الرواية العربية، وقصيرة جدا إذا ما قورنت بعمر الرواية العالمية».

وإلى جانب بطء نمو الرواية الإماراتية، يلاحظ الباحثون أيضا شُحّا في الإنتاج من الكتاب الذين يغلب عليهم إصدار رواية واحدة ثم الصمت المطبق بعد ذلك، أو كما يصفهم أحد النقاد الذي يرى أن هذا تقاعس من جانب الروائيين الإماراتيين ليس له تعليل مقبول، إذ يقول «نحن إن استثنينا الروائي علي أبو الريش الذي أنتج 11 رواية لاحظنا أن الكثرة من الروائيين الإماراتيين من أصحاب الواحدة». وأشار الناقد سمر روحي الفيصل إلى أن «الشخصية في الرواية النسوية تحولت من الاحتجاج إلى التمرد، عندما عبرت عن الاحتجاج على العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع الخليجي، خصوصا الزواج المبكر والخوف من الطلاق وعلاقات الحب والصداقة بين الرجل والمرأة». أما تحول الشخصية الآخر فقد كان من المباشرة إلى الفن، على اعتبار أن تحول الشخصية الروائية من الاحتجاج إلى التمرد لا يكتمل إذا لم نلاحظ طبيعة تحولها الآخر من المباشرة إلى الفن، إذ إن معظم الروايات النسوية لجأت إلى التوجه المباشر إلى المتلقي بأسلوب السيرة الروائية وبضمير المتكلم.

واستنتج الباحثون والباحثات في الملتقى رهان الرواية الخليجية في طفرتها الأولى، التي امتدت من نهاية العقد الثاني من القرن العشرين حتى نهاية العقد التاسع، على سرديات الصحراء والماء، بوصفهما عنوانين مؤكدين لهويتها الخاصة ذات النكهة المميزة، إلا أن هاتين التيمتين لم تكونا منفصلتين عن تشكل المدينة وتطورها. فيما ظهرت الطفرة الثانية في التسعينات حتى الآن، فقد جنحت السرديات الروائية الخليجية إلى الذات الفردية دون حرص على ملامسة القضايا الموضوعية أو التاريخية المرتبطة بالمدينة.