هنري لوريت في حوزة «اللوفر» 18 ألف تحفة أثرية إسلامية

هنري لوريت رئيس المتحف الأكثر زيارة في العالم لـ «الشرق الأوسط»: جناح الإسلامي يتميز بتكوين هندسي فريد

TT

هنري لوريت، رئيس ومدير عام متحف اللوفر، يعد من أهم شخصيات المشهد الثقافي الفرنسي. فالرجل على رأس أكبر المتاحف في العالم وأكثرها زيارة (9 ملايين زائر عام 2011)، وهو حائز لشهادة عليا في تاريخ الفن واختصاصي في الفن الانطباعي. شغل عدة مناصب مهمة كأمين لمتاحف فرنسا، ثم مدير متحف «أورسي». وكان أصغر عضو يدخل أكاديمية الفنون الجميلة، وهو أيضا رئيس المجلس العلمي لوكالة متاحف فرنسا التي تشرف على مشروع «لوفر أبوظبي›». هنري لوريت معروف بمهنيته ونشاطه الكبير. لقب بـ«مستر لوفر» بسبب اهتمامه بتطوير أساليب تمويل ذاتي خاصة بمتحف اللوفر على غرار ما تفعله المتاحف الأميركية، ونجح في إنقاذ المتحف من الإفلاس بل وتحقيق استقلاله المادي. كما أحدث مفاجأة كبيرة وواجه عاصفة من النقد بعد أن أقحم متحف اللوفر في مشاريع شراكة مع دول أجنبية أهمها مشروع «لوفر الرمال» مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

هنري لوريت حرص أيضا منذ توليه إدارة المتحف الأكثر زيارة في العالم على تكثيف تعاونه مع عدة مؤسسات متحفية عالمية، لا سيما العربية منها، وهو وراء فكرة احتضان متحف اللوفر لجناح خاص بالفنون العربية الإسلامية. وقد التقته «الشرق الأوسط»، وكان لنا معه هذا الحوار بمناسبة افتتاح الجناح الجديد..

* يقال إنكم وراء فكرة جناح خاص بفنون الإسلام في متحف اللوفر؟

- فكرة الجناح الجديد جاءت من استنتاج وصلت إليه منذ وصولي للمتحف: رغم الكم الهائل من المجموعات الخاصة للفنون الإسلامية التي يتوفر عليها متحفنا (18 ألف قطعة هي الأهم في العالم حيث إنها تغطي كل الحقبة الثقافية لهذه الحضارة العريقة ابتداء من إسبانيا إلى الهند، وعلى امتداد ثلاث قارات من القرن الثامن لغاية بداية القرن التاسع عشر) فإن ما لاحظناه هو أن المساحة المخصصة لهذه الكنوز لم تكن كافية. فما كان يعرض لا يتعدى العُشر، ولم يكن الوضع الذي كانت فيه جديرا بقيمتها العالية. لذا كان لا بد لنا من إخراج هذه المجموعات للنور، والأهم من ذلك تعريف الزوار بالوجه المنير لهذه الحضارة العظيمة.

* ماذا عن الهندسة الرائعة التي تجسد هذا الجناح الجديد؟

- جناح فنون الإسلام يتميز أيضا بتكوينه الهندسي الفريد من نوعه. وهو في حد ذاته مشروع هندسي كبير، بل هو الأهم، من بعد مشروع «هرم اللوفر» الذي شيد منذ عشرين سنة مضت وكان تحديا كبيرا للمهندسين المعروفين، رودي ريتشيوتي وماريو بلليني، اللذين نجحا في مزج الطابع الفائق الحداثة للمبنى الذي تغطيه غلالة على شكل «بساط الريح» مصنوعة من الزجاج والفولاذ بالقرب من المتحف القديم، في قلب باحة «فيسكوتشي» التي تعود للقرن السابع عشر.

* كم كلفكم مشروع جناح الفنون الإسلامية؟

- المشروع تكلف ما يقارب 98.5 مليون يورو، وأسهمت الحكومة الفرنسية فيه بنحو 31 مليون يورو، لكن المشروع لم يكن ليتم لولا هبات متبرعين كرماء من كل بقاع العالم، على رأسهم الأمير الوليد بن طلال الذي منحتنا مؤسسته الخيرية 17 مليون يورو، إضافة للملك محمد السادس، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، والسلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، وحكومة دولة أذربيجان، ولا أنسى مساعدات الشركات الفرنسية أمثال «توتال»، «لافارج»، «بويغ تليكوم» و«أورانج»، وهبات بعض المانحين الخواص التي سمحت لنا بترميم بعض القطع القيمة كالشرفة المملوكية والمشربية المصنوعة من الخشب المزخرف والمبطن بالزجاج اللتين صنعتا في القاهرة.

* كيف جاءت هبة الأمير الوليد بن طلال؟

- عندما قدمت مشروع جناح الفنون الإسلامية للأمير وليد بن طلال عام 2005، كنت أعرف الأهمية التي يوليها لمجال الثقافة والفنون، وحرصه الدائم على تقوية أواصر الحوار بين الحضارة الغربية والشرقية، وتشجيع المشاريع الطموحة، وفعلا كان أهم الشخصيات التي ساندت مشروعنا وأول المانحين وأهمهم، بما أنه أمدنا بـ17 مليون يورو، بل وكان حريصا على متابعة كل تطورات المشروع منذ البداية. وكان حاضرا في حفل تدشين حجر الأساس في يوليو (تموز) 2008. ولولا مساعدة الأمير الوليد بن طلال وكرمه لما كان مشروع جناح الفنون الإسلامية باللوفر ليرى النور.

* ماذا تنتظرون من هذا الجناح الجديد؟

- ما أتمناه هو أن يصبح هذا الجناح الخاص بمثابة جسر للتواصل بين الشرق والغرب، وأن يلعب دورا مهما في تقريب الشعوب. جناح فنون الإسلام تعبير عن امتنانا لعطاءات هذه الحضارة العظيمة.

* زار متحف اللوفر عام 2011 ما يقارب 9 ملايين زائر، وهو ما يجعل منه أول متحف في العالم وأكثر المتاحف زيارة على الإطلاق.. إلى ما ترجعون سر هذا النجاح؟

- منذ أن عينت على رأس المتحف تولدت لدي قناعة قوية بضرورة فتحه على العالم. اللوفر متحف ذو طابع عالمي بالدرجة الأولى. هو وريث عصر الأنوار، وكانت أولى مهامي تشجيع الحوار بين الثقافات والحضارات. وفعلا منذ العشرية الأخيرة ارتفعت وتيرة الزيارات لمتحف اللوفر بنسبة سبعين في المائة، حيث استقبلنا عام 2011 نحو 9 ملايين زائر، 55 في المائة منهم دون سن الثلاثين. وهو ما يجعل منه المتحف الأكثر زيارة في العالم. هذا النجاح يعود من جهة لانتعاش قطاع السياحة الذي تشهده باريس منذ سنوات، لكنه يعود أيضا للجاذبية التي يمارسها هذا المتحف والصيت الذي يحظى به لدى الزوار الأجانب. وأخص بالذكر السياح القادمين من بعض الدول الناشئة كالبرازيل، والهند، والصين، والشرق الأوسط، هؤلاء بدأوا يشكلون - بالنسبة لنا - جمهورا جديدا نحاول الاهتمام به قدر الإمكان.

* هل تلتزمون بسياسة معينة في إدارة المتحف؟

- نحاول منذ سنوات وبشكل عام تكثيف أشكال التواصل مع الجمهور، حيث ننظم بشكل مستمر ندوات ولقاءات فكرية مختلفة، وورشا فنية للصغار، وعروضا ليلية للشباب. شعارنا الدائم أن يبقى متحف اللوفر مفتوحا للجميع ومواكبا لتطورات العصر. كل الحضارات لها مكانها في اللوفر: نهتم بعرض تاريخ الحركة الفنية في الولايات المتحدة وفي روسيا، كما نستعد الآن لفتح أبوابنا للفنون العربية الإسلامية.

* بين متحف اللوفر ممثلا بالحكومة الفرنسية وحكومة إمارة أبوظبي مشروع تشييد متحف عالمي هو «لوفر الرمال» الذي تم الاتفاق عليه منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2007. أنتم أشرفتم على كل حيثياته منذ البداية، فإلى أين وصل المشروع الآن؟

- مشروع «لوفر أبوظبي» مشروع متميز وفريد من نوعه. وهو إنجاز طموح يعود الفضل فيه لدولة الإمارات التي طلبت منا أن نرافقها في هذه المغامرة الممتعة، حيث نهتم بالإشراف والتصميم واقتناء التحف والتوجيه، كما تسهم بقية المتاحف الفرنسية بتزويد متحف «لوفر الرمال» بأهم ممتلكاتها الفنية. وهو شيء طبيعي لأن المتحف الجديد سيفتح باسم اللوفر، وهي مهمة نلتزم بها أمام شركائنا الإماراتيين إلى أن يتمكنوا من العمل باستقلالية تامة ويأخذوا بزمام الأمور.

* يقال إن افتتاح متحف «لوفر أبوظبي» تأخر، ولن يتم في الموعد المقرر؟

- المشروع متواصل بشكل مستمر منذ البداية. وقد نظمت عدة لجان لشراء التحف والمقتنيات الخاصة بالمتحف الجديد. كما سيتم تنظيم معرض لتقديم معروضات المتحف، أحدها في الربيع المقبل، وآخر مع أواخر عام 2013. وفعلا بعض التأخير الخارج عن إرادتنا لُحق بالمشروع، وقد كان شركاؤنا الإماراتيون منشغلين أيضا بعدة مشاريع ثقافية أخرى، ولذا فهو لن يفتح أبوابه عام 2013 كما كان متوقعا، بل عام 2015. وسيكون أول متحف عالمي يرى النور في العالم العربي.

* هل هناك مشاريع تعاون مع دول عربية أخرى على غرار مشروع «لوفر الرمال»؟

- مشروع «لوفر أبوظبي» فريد من نوعه، وقد لا يتكرر مرة ثانية، لكننا نتعاون بشكل مكثف منذ سنوات مع سبعين دولة، ونمد يدنا للمؤسسات المتحفية التي تطلب منا ذلك، لا سيما أننا نستطيع بفضل خبرتنا في مجال حفظ التحف وترميمها واقتنائها وكذا إدارة المؤسسات المتحفية مساعدة هذه الدول على تطوير مؤسساتها المتحفية وتخطي كثير من العقبات.

* ما رأيكم في وضع المتاحف العربية؟

- نتعاون بصفة منتظمة مع عدة دول عربية كمصر وتونس واليمن والمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى، أولا لأن كثيرا من المجموعات التي نعرضها في متاحفنا مرتبطة بهذه الدول وحضاراتها. وثانيا لأننا حريصون على التواصل مع الفرق الجيدة التي تنشط في المتاحف العربية وتكثيف التبادل العلمي معها، فهي تقوم بمجهودات كبيرة رغم نقص الوسائل والإمكانيات.