ثلاثة مناهج أميركية للتعامل مع الإرهابيين

حيرة أوباما في محاكمة خالد شيخ محمد

محاكمة أم إعدام: مشتبهي القاعدة موضع التساؤل العدالة والعدو نورمبيرغ 11-9 ومحاكمة خالد شيخ محمد ويليام شوكروس الناشر: بابك أفيرز، نيويورك، 2012
TT

كما هو الحال في كثير من الأحيان في التاريخ عندما يواجه بطل الرواية الأكثر تحضرا عدوا همجيا، واجهت الديمقراطيات الغربية خطر الانجرار إلى نمط سلوك أعدائهم النازيين. وبفضل الرفض الأميركي لكل من مقترحات تشرشل وستالين، تجنب الحلفاء التردي إلى هذا المنزلق الخطير. واتفقوا على أن النازيين ينتمون إلى فئة خاصة من المجرمين، وبالتالي لا يمكن محاكمتهم وفق القواعد التي تطبق على حالات الإجرام العادية.

خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2008 قال المرشح الديمقراطي باراك أوباما إن جورج بوش (الابن) أساء معاملة المشتبه بهم المعتقلين في خليج غوانتانامو. ووعد أوباما حال انتخابه رئيسا بإعادة محاكمة هؤلاء أمام محاكم مدنية، وأكد على أن الفكرة كانت تقديمهم إلى العدالة لا تقرير مصيرهم في محاكم عسكرية متخصصة. وكان المتوقع أن يمثل المشتبه به الأول في «القاعدة» خالد شيخ محمد، ذو الإثنية البلوشية، ومواطن باكستاني اعتقلته الشرطة الباكستانية وتم تسليمه للقوات الأميركية، أمام القضاء المدني الأميركي.

اعترف خالد شيخ محمد، المعروف اختصارا بـKSM، للمحققين أنه، وليس أسامة بن لادن، العقل المدبر لهجوم 11-9 ضد الولايات المتحدة. وأن دور بن لادن انحصر بشكل كبير في تقديم المال المطلوب للعملية. ونظرا لأن غالبية ضحايا هجمات 11-9 كانوا في نيويورك، كان المفترض أن يحاكم خالد شيخ محمد أمام محكمة مدنية.

احتمالية محاكمة أحد قادة الإرهاب أمام القضاء الأميركي العادي كانت كافية لإثارة مشاعر ويليام شوكروس، الكاتب والصحافي البريطاني المتميز، لاختياره موضوعا لكتابه الجديد.

لكن شوكروس سرعان ما أدرك أنه يتعامل مع مسألة أكثر تعقيدا، كتلك التي واجهها اللورد شوكروس الراحل خلال عمله مدعيا عاما في محاكمة قادة النازية في نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية. كان السؤال: كيف يمكن الحكم على عدو لم يعترف بقواعد، وقاتل في رفض تام لقوانين الحرب التي أقرها المجتمع الدولي على مدى القرنين الماضيين؟

على أي حال، لم تجر محاكمة خالد شيخ محمد، كما وعد أوباما، قط. فقد كان الاعتقاد بأن ذلك سيسمح لإرهابي باستخدام الرأفة في القانون الأميركي ليفلت من العقاب كافيا لإصابة غالبية الأميركيين بالصدمة. وبسرعة كبيرة، عدل أوباما من لهجته. وبدلا من تقديم أعضاء «القاعدة» للمحاكمة في المحاكم العادية، قرر أن يقتل أكبر عدد ممكن منهم. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، أودت هجمات الطائرات من دون طيار الأميركية في أفغانستان وباكستان واليمن بحياة ما لا يقل عن 3000 مشتبه في صلتهم بتنظيم القاعدة.

وقد فند الكتاب الجديد الذي صدر هذا الشهر لأحد الرجال الذين شاركوا في عملية قتل أسامة بن لادن زعم أوباما بشكل أكبر. أوضح الكتاب أن المهمة كانت قتل بن لادن، لا إلقاء القبض عليه لتقديمه لمحاكمة محتملة في نيويورك. عندما أدرك بن لادن أن اللعبة انتهت، كان على ما يبدو يريد الاستسلام، لكن أحدا لم يكن يريد إلقاء القبض عليه حيا.

وهكذا لدينا ثلاثة مناهج أميركية للتعامل مع الإرهابيين المشتبه بهم. الأول ذلك الذي انتهجه الرئيس السابق جورج بوش الابن. وبموجبه يتم الاحتفاظ بالإرهابيين خارج الولايات المتحدة، ثم محاكمتهم أمام محاكم عسكرية خاصة تم تعديلها للسماح بحصول المشتبه بهم على المساعدة القانونية. لم يكن ذلك الأسلوب ناجحا جدا، حيث قضى مئات المشتبه بهم في معسكرات غوانتانامو سنوات دون توجيه اتهامات رسمية لهم. وأطلق سراح الكثير منهم لعدم كفاية الأدلة. وعاد بعض المفرج عنهم سريعا إلى الإرهاب وارتكاب مزيد من عمليات القتل.

النهج الثاني، الذي روج له أوباما خلال الحملة الانتخابية عام 2008، وثبت زيفه، فلم يكن وعد أوباما بإجراء «محاكمات عادلة» لتنظيم القاعدة سوى حيلة لخداع أنصاره في اليمين المتطرف. وبعد مقتل بن لادن في أبوت آباد، باكستان، انتقدت مجلة «دير شبيغل» الأسبوعية الألمانية أوباما على العملية. وقالت: «كان ينبغي على أوباما أن يقدم بن لادن لمحاكمة دولية».

أما النهج الثالث، فهو ما يمارسه أوباما من قتل المشتبه بهم في تناقض كامل مع ما كان يدعو إليه. وبذلك تنتفي الحاجة لأي محاكمة، سواء أكانت عادلة أم غير عادلة. لكن هذا الأسلوب لم ينجح أيضا، إذ لم ينخفض عدد الإرهابيين الذين جندتهم «القاعدة» وحركة طالبان وغيرهما من الجماعات الإرهابية المماثلة.

يمثل كتاب شوكروس أهمية كبرى لأنه يتطرق إلى إمكانية اتباع نهج رابع.

هل يمكن للديمقراطيات الغربية التي تعتقل مئات من المشتبه بهم وضع قواعد السلوك التي تطبق للتعامل مع هذا النوع من العدو؟

وكتب شوكروس: «ينبغي على الديمقراطيات الغربية أن يكونوا واثقين من أنفسهم وأقوياء بما يكفي للدفاع عن أنفسهم ضد قوى الطغيان».

والسؤال: «كيف؟».

يعتقد شوكروس أنه يمكن تعلم الكثير من الدروس من محاكمات نورمبرغ. في ذلك الوقت، أراد تشرشل شنق قادة النازية الذين أسروا دون محاكمة. فيما أصر ستالين على انتقاء ما يقرب من 50000 نازي، بشكل عشوائي، وإطلاق النار عليهم ليضع مثالا يحتذى.

يعتقد شوكروس أن اتباع نهج مماثل إزاء الجرائم التي ارتكبتها «القاعدة» يمكن أن يكتب له النجاح إذا اعتمد على تشريعات نورمبرغ.

بيد أن هذا الكتاب ليس مجرد أطروحة بشأن الإرهاب والقانون، بل يقدم مقدمة سريعة للآيديولوجية التي أنتجت «القاعدة» والمقلدين لها. ووفقا لشوكروس، تم تصميم تلك الآيديولوجية لوضع إرهابيي «القاعدة» في فئة مختلفة عن فئات إرهابية أخرى كثيرة بدءا من اليمين المتطرف إلى اليسار المتطرف والتي تسببت في القتل والفوضى في أكثر من 100 بلد في جميع أنحاء العالم.

النقاش بشأن ما يجب القيام به مع هذا النوع الجديد من العدو من المرجح أن يستمر لبعض الوقت. لكن ما يثير الدهشة هو أننا لم نشهد حتى الآن سوى القليل من الجهد لتعديل تلك الأجزاء من القانون الدولي التي يمكن أن تساعد على التعامل مع المشكلة بطريقة حازمة ونوع من الإنصاف. ولذا كتاب شوكروس يعد مساهمة مهمة في الوقت المناسب لإقناع الديمقراطيات الكبرى بتولي القضية.