الجزائر تتذكر شهادة الأدباء المؤسسين على يد الفرنسيين

في الذكرى الخمسين لاستقلالها

غلاف الأعمال الكاملة لأحمد رضا حوحو التي صدرت عن منشورات الاختلاف
TT

تزامن «معرض الجزائر الدولي للكتاب» هذه السنة الذي انطلق يوم 20 سبتمبر (أيلول) الحالي مع الاحتفالات بالذكرى الخمسين لاستقلال البلاد، واختار المنظمون للمعرض تكريم كاتبين مؤسسين اغتالتهما سلطات الاحتلال الفرنسي هما، مولود فرعون وأحمد رضا حوحو. ولئن كتب أحدهما باللغة العربية والآخر باللغة الفرنسية وفرقت بينهما السبل إلا أن كثيرا من الأشياء جمعت بينهما قبل أن تجتمع ذكراهما في خمسينية استقلال الجزائر.

يوم 29 مارس (آذار) 1962، أعلن عن اغتيال محافظ الشرطة الفرنسية بمدينة قسنطينة الجزائرية، فشرعت سلطات الاحتلال آنذاك في اعتقال مجموعة من المشتبه فيهم، منهم أحمد رضا حوحو الذي اقتيد إلى سجن الكدية الشهير عند الجبل على مشارف المدينة وهناك نفذوا فيه حكم الإعدام. وانتظرت جثته سنين بعد ذلك ليكشف عنها بعيد الاستقلال عندما عثر على مقابر جماعية منها جثة حوحو التي أعيد دفنها بمقبرة الشهداء. ولم يكن القتيل شخصا عاديا، فهو المؤسس الفعلي للأدب الجزائري المكتوب بالعربية. ويعتبر رائد القصة القصيرة، حيث نشر مجموعته القصصية «صاحبة الوحي» سنة 1955، وصاحب المحاولة الجادة في كتابة الرواية. ونشر في هذا الشأن قصته الطويلة «غادة أم القرى» سنة 1947، قبل أن ينضج هذا الفن على يدي الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة بداية سبعينات القرن الماضي.

ولم يكن مصير رائد الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية أحسن من مصير رائد الأدب المكتوب بالعربية. ففي آخر عهد الاحتلال وقبل أربعة أيام فقط من إعلان وقف إطلاق النار بين جيش التحرير وسلطات الاحتلال يوم 19 مارس 1962 بموجب «اتفاقيات إيفيان»، سقط الروائي الجزائري مولود فرعون قتيلا برصاص عصابات منظمة الجيش السري الفرنسية الشهيرة اختصارا بـOAS التي تأسست خصيصا من أجل إفساد الاتفاق. ففي يوم 15 مارس 1962 اقتحمت مجموعة من تلك الجماعة مقر عمل مولود فرعون بالجزائر العاصمة وأطلقوا عليه النار رفقة بعض زملائه، وكان بالفعل شهيد الأيام الأخيرة من الاحتلال، ملتحقا بزميله الذي كان يكتب بالعربية أحمد رضا حوحو الذي استشهد قبله بست سنوات وهو الذي كان يكبره بثلاث سنين (ولد حوحو سنة 1913، وولد فرعون سنة 1910).

ورغم الجدل الذي صاحب نشأة الأدب الجزائري باللغتين العربية والفرنسية والذي ما زال مستمرا إلى اليوم إلا أن الاحتلال ساوى بين من يكتبون باللغتين.

ولئن ركز معرض الجزائر للكتاب على نموذجين كبيرين مؤسسين للأدب الجزائري الجديد، إلا أن الأدباء الشهداء شكلوا ظاهرة في تاريخ الجزائر، منهم الشاعر عبد لكريم العقون الذي ألقي عليه القبض سنة 1959 وعذب أشد العذاب ولقي حتفه على يد جنود الاحتلال يوم 15 مارس 1959، والكاتب الحبيب بناسي الذي أستشهد أثناء معركة بين جيش التحرير الجزائري وجيش الاحتلال الفرنسي سنة 1956 وقيل إنه مات حرقا، والشاعر الربيع بوشامة الذي أعدمته سلطات الاحتلال من دون محاكمة يوم 13 مايو (أيار) 1959، والكاتب محمد الأمين العمودي الذي اغتالته سلطات الاحتلال سنة 1957.

إنه الأدب الذي لم يولد بشكل طبيعي واستمر كذلك تكتنفه القطيعة داخل التجربة الواحدة مع انقطاع بعضها بشكل مفاجئ أو قطيعة خارجية، حيث لم يحدث تراكم طبيعي وفي كل مرة يبدأ جيل جديد من نقطة الصفر.

لم تكن ظاهرة الأدباء الشهداء حكرا على أعوام الثورة التحريرية، بل كانت كذلك واستمرت إلى ما بعد الاستقلال وشهدت عشرية التسعينات من القرن الماضي ظاهرة مشابهة كانت حصيلتها الكثير من الشهداء منهم الروائي الطاهر جاووت الذي كان يكتب بالفرنسية وأصدر بعض الأعمال بين شعر ورواية وقصة قصيرة قبل أن يغتال على يد الجماعات المسلحة يوم 2 يونيو (حزيران) 1993، والشاعر المفكر بختي بن عودة الذي اغتالته الجماعات المسلحة يوم 22 مايو 1995 في أحد الأحياء الشعبية لمدينة وهران، وكان يومها في أحد الملاعب في إطار منافسة كروية محلية. ولم تنقض تلك العشرية حتى أتت على الكثير من الأدباء والشعراء الآخرين، ليضطر الكثير من زملائهم إلى الهجرة القسرية خوفا من الموت ويتشكل وسط ذلك الفراغ اتجاه أدبي آخر تماما، كما تأسست الأجيال السابقة بعد قطيعة أيضا.