السخرية من المسلمين تشتد ضراوة.. فلنقاومها!

الباحث المغربي حسن نرايس صاحب «الضحك والآخر» لـ «الشرق الأوسط»:

حسن نرايس
TT

منذ كتابه اللافت «الضحك والآخر»، لا يتوقف الباحث المغربي حسن نرايس عن البحث والحفر في موضوع السخرية الفرنسية وعلاقتها مع الآخر في تعدده: العربي والمسلم والأسود. وقد لقي الكتاب صدى كبيرا، وأشاد به المفكر عبد السلام بن عبد العالي، في حين قرصنته مجلة «روزاليوسف» المصرية في عملية «بلاجيا» كبيرة.

وليس هذا الانشغال غريبا عن هذا الكاتب الذي يعيش بين الضفتين، المغرب وفرنسا. وقد ساعدته إقامته الطويلة في فرنسا وتتلمذه على أيدي أساتذة ألمعيين منهم الراحل جمال الدين بن الشيخ ومحمود أمين العالم وعبد الفتاح كيليطو، على تتبع الظواهر بدقة ورصدها وعدم التسرع في إصدار الأحكام (يعتبر هؤلاء الكتاب مقلين مقارنة مع كثيرين!). ومن هنا جاء اهتمامه بموضوع الفكاهة الفرنسية ورصد سقوطها، أحيانا، في العنصرية واجترار الكليشيهات والستيريوتيبات القروسطوية المقيتة، القادمة توا، من الحروب الصليبية ومن سنة 1453 (أي فتح القسطنطينية) كما تجرأ الكاتب رولاند جاكارد على التصريح بذلك، ردا على مظاهرات نصرة النبي الأعظم.

«ليست الفكاهة شكلا واحدا، بل ثمة فكاهيون موضوعيون، وآخرون يستخدمونها سلاحا سريا لإظهار حقدهم على الحضارة العربية الإسلامية وعلى المهاجرين».. صحيح أن ثمة فكاهيين من أصول مغاربية وأفريقية سوداء، ولكنهم في غالب الأحيان، وكي يفرضوا أنفسهم في وسط معاد وقاس، يمارسون على أنفسهم ما مارسه يوما أبو دلامة من هجو نفسه وأهله. أتحدث عن «السخرية من الذات»، أي إعادة إنتاج ما أسفرت عنه ماكينة الغرب من تحقير وعنصرية.

وقد صدر، هذه الأيام، للكاتب حسن نرايس كتاب «محطات باريسية»، ولعل في العنوان تشابها مقصودا مع كتاب يحمل نفس العنوان للمفكر الألماني اليساري والتر بنيامين. ويستعرض فيه الكاتب محطات توقف عندها في باريس وأحب أن يقترحها على القارئ الزائر لهذه المدينة الاستثنائية. «نعم قرأت كثيرا للمفكر الألماني، ولكني لم أتقصد مطلقا إطلاق نفس العنوان على كتابي».

«هل يستطيع الإنسان، فعلا، أن يمسك بأسرار باريس؟! لا أتصور ألبتة. والأمر، بالنسبة لي، ترويض للذاكرة على التذكر. وأتصور أن هذه (المحطات) كانت مهمة في حياتي في باريس، وأريد أن أتبادل سحرها وتأثيرها على القارئ».

«ولعل بائع الساندويتش الإغريقي العجوز، وقد علمت أنه فارقنا، قبل أشهر، كان مهما في حياتي. لقد تناولنا عنده ألذ ساندويتش إغريقي في باريس (ونحن ننتهي من دروسنا الجامعية)، وهذا باعتراف وكالات السفر ودليل المسافر الباريسي الأنيق. وعلى الرغم من ولوج المغاربيين إلى ميدان الساندويتشات الإغريقية، فإن الطباخ الإغريقي المحبوب، في مطعمه الصغير القابع بين جامعة السوربون الجديدة وجامعتي باريس السادسة والسابعة والقريب من مسجد باريس الكبير، ومن حديقة الأزهار، يبقى هو الأفضل. هل يستطيع طباخ فنلندي، مثلا، بين عشية وضحاها، أن يبز المغاربيين في إعداد الكسكسي الملكي؟! لا أتصور!».

«كنت حزينا، وأنا أتلقى خبر رحيل هذا الطباخ الطيب والكريم، وأنت شخصيا، تتذكر ما حدث للشاعر السوري نوري الجراح باليونانية معه مرة، حين حدثه بكلمات إغريقية تلقاها حين كان منفيا في قبرص، فأغدق علينا ساندويتشات رائعة!».

يمارس حسن نرايس، أيضا، النقد السينمائي (هو مفتون بالسينما!)، ويعبر، بقوة، عن رؤاه وانتقاداته، وأحيانا عن مدائحه، في صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» أو في القنوات التلفزيونية والمهرجانات. «السينما المغربية تحتاج إلى إعادة بناء شاملة، لا من حيث البنية التحتية ولا من حيث السيناريو ولا من حيث تناول المواضيع.. وإذا تأملنا ثقافتنا، التي لا تعتبر قوية ولا استثنائية، أمكن لنا القول إن لنا السينما التي نستحق!».

يستعد حسن نرايس، حاليا، لإصدار كتاب جديد عن واقع الفكاهة الفرنسية الجديدة في فرنسا. من خلال رصد ما استجد في الساحة.. خصوصا أن الكثيرين من الفكاهيين الذين ضمنهم في كتابه الأول توقفوا أو رحلوا عن عالمنا.

لقد ظهر جيل جديد من هؤلاء، وبالطبع يوجد من بينهم ذوو أصول مغاربية وأفريقية، لعل على رأسهم جمال دبوز (مواقفه ملتبسة غالبا!).

«تحدثت في كتابي الأول عن غي بودوس، ولكن هذا الفارس يوشك أن يترجل. وقد تلقف منه الراية ابنه نيكولا بودوس (بودوس الابن) ولكن هذا الأخير يحرص، في كل مرة، على التصريح: (لست يساريا!) وقد أبان عن الأمر من خلال كثير من التصريحات التي يلامس فيها العنصرية وكره الأجنبي. فقد صرح بعيد انتصار الاشتراكي فرانسوا هولاند: (الآن، سيعاود العرب ممارسة السرقة!) أليس في الأمر تشابه مع سكيتش للفكاهي إسماعيل، وهو من أصول جزائرية، يقول فيه، في نوع من جلد الذات (بصورة فجة!) هل في قاعة المسرح فرنسيون؟ إذن ليرفعوا أيديهم إلى السماء.. ما على العرب الحاضرين في المسرح إلا أن يزوروا جيوبهم (جيوب الفرنسيين)».

يدافع الباحث حسن نرايس عن الحق في السخرية وفي الضحك فيقول: «ليس فقط الضحك من المظهر والأجسام ولكن الضحك حتى من غياب أو تقاعس السياسي والرياضي عن أداء مهماته.. ولكن ليس لنا حق مطلق في الضحك والسخرية. فالمشاهد والمستمع يريد أن يضحك من واقعه، حتى ينسى همومه أو يترفع على مشاكله، لا أن تهينه في معتقداته ومقدساته!».

وحين نسأل حسن نرايس عن صحيفة «شارلي إبدو» يجيب في نوع من الغضب: «لقد توقفت المجلة عن أن تكون ساخرة منذ فترة طويلة. وأصبح شغلها الشاغل مناوشة المسلمين والقلق من عزوف القراء. وأنت تعرف أن المجلات عموما في فرنسا حين تلاحظ نضوب قرائها، تقترح مواضيع إثارة، كالجنس والهجرة وأخطار الإسلام.. و(شارلي إبدو) لا تشذ عن القاعدة. ولكن هذا النوع من الفكاهة سيزداد، مع الأسف، ضراوة وما علينا إلا التعود عليه ومقاومته، بشكل حضاري، إن أمكن!».

وماذا عن السخرية والفكاهة في بلاد العرب؟

«كانت موجودة، بقوة، في السابق السحيق. الجاحظ ضحك من نفسه وهو يحكي قصة السيدة التي شبهته بالشيطان أمام صائغ ذهب. والأمل في أن تعود بقوة في زمن الربيع العربي! الفكاهة والسخرية شكلان من أشكال الديمقراطية، لا يمكن الاستغناء عنهما!».