أعمال سعودية بلغات عالمية.. استحقاق أم ضربة حظ؟

نقاد وأدباء: مشاريع الترجمة ما زالت متعثرة

TT

خلال السنوات الأخيرة تم تقديم أعمال روائية وشعرية سعودية وخليجية بلغات أجنبية، غير أن هذه الخطوة ليست كافية للتدليل على جودة الأعمال المترجمة، فلا شيء، كما يذهب البعض، عزز اختيار بعض هذه الأعمال سوى «الحظ»، أو مهارة أصحابها في العلاقات العامة، أو الوفرة المالية، بينما يرى آخرون العكس، وأن ترجمة هذه الأعمال تمت لأسباب أدبية وجمالية، بالإضافة إلى كونها تعكس جوانب اجتماعية وثقافية للبيئة التي أنتجتها، يتوق لمعرفتها الآخر المختلف.

هنا تحقيق عن هذا الموضوع يساهم فيه شعراء وكتاب وباحثون معينون بالترجمة.

* أشجان هندي: الترجمة لا تصنع مبدعا

* في البدء، تقول الشاعرة والناقدة السعودية الدكتورة أشجان هندي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الترجمة وحدها لا تصنع مبدعا، شاعرا أو روائيا أو غير ذلك، غير أنها بالتأكيد تضيف إلى المبدع، بمساهمتها في إيصاله إلى آخر لا يستطيع قراءته إلا عن طريق الترجمة».

وبشكل عام فإن الترجمة، برأي هندي، تقوم مقام قناة التوصيل، التي تثبت منذ بداية التاريخ إلى الآن أننا جميعا كبشر نحتاج إلى فهم بعضنا بعضا حتى نتواصل، والأهم أن بعضنا يشكل للبعض الآخر امتدادا إنسانيا ومعرفيا.

وعن تجربتها مع الترجمة، أوضحت هندي أنه تمت ترجمة بعض أشعارها إلى بعض اللغات الأجنبية، ومن بينها الإنجليزية والألمانية والفرنسية، مبينة أنه تم مؤخرا ترجمة مجموعة من قصائدها إلى الإسبانية، التي مهدت لمشاركتها في مهرجان شعري دولي في كوستاريكا.

ولا تخشى هندي من انعكاسات سلبية لترجمة الأعمال السعودية أو الخليجية، مبينة أن ثمة فرقا بين الفضائحية الهشة والجسارة الفجة، موضحة أنه مطلوب منها أن تتجاوز الغاية التي تستهدف التسويق العابر. وقالت: «الأدب السعودي، كغيره من الآداب الخليجية، يستمد مادته الأولية من محيطه وواقعه وينم عن شجونه الخاصة، وعوالمه، وتطلعات مجتمعه وأمته، بالإضافة إلى المشترك الإنساني العام، وهنا يمكن أن تلعب الترجمة دور المعين في هذه الحالة».

وخلصت إلى أن للترجمة دورا كبيرا يمكن أن يتم توظيفه واستغلاله في خلق أرضية للحوار الفكري، وترسيخ نهج المثاقفة والتآخي بين الحضارات والأمم والمنطلقات الفكرية المتباينة.

* المطروشي: الترجمة ما زالت ضعيفة

* من ناحيته قال الشاعر العماني محمد المطروشي، المدير التنفيذي للنادي الثقافي بسلطنة عمان: «إن دور الترجمة لمنتجاتنا الأدبية والثقافية والحضارية ضعيف جدا إذا ما قورن بنظيراتها الأوروبية أو الغربية بشكل عام، ولذلك أعتقد أن الصورة الحقيقية المشرقة لمشاركتنا في بناء الحضارة الإنسانية على مستوى العالم من خلال هذه المنتجات باهتة جدا، ويتقاسم في مسؤوليتها عدد من الجهات، أولها مؤسساتنا الحكومية».

وأضاف المطروشي: «للأسف هذا واقع اهتمامنا بالترجمة، مع أننا نعيش الآن تقنية المعلومات وثورة التواصل بالاتصالات الحديثة. للأسف، ثانية، لم نستطع أن نجعل الترجمة طريقا لمخاطبة الآخر والوصول إليه عبرها، ومخاطبته بلغة العصر وبلغة ثورة وتقنية المعلومات».

وكانت عمان قد استضافت مؤخرا المؤتمر العربي الرابع للترجمة، بمشاركة النادي واتحاد المترجمين العرب والمنظمة العربية للترجمة ومعهد الترجمة في مسقط وبدعم المعهد البحثي العلمي، وهو ثاني مؤتمر عربي للترجمة تستضيفه عمان ويشرف عليه النادي الثقافي بمشاركة 30 خبيرا عربيا.

وعن معوقات ترجمة الأعمال الخليجية والعربية للغات الحية، قال المطروشي: «المعوقات كبيرة، فالمثقف في العالم العربي يعيش في الهامش لا يحظى بما يحظى به الفنان أو الممثل أو الراقصة».

أما الشاعر السعودي عيد الحجيلي فيقول إن «الترجمة عنصر مهم في حركة الإبداع والنشر لأي جنس من أجناس العلوم والثقافة والفكر والإبداع، فضلا عما يحققه على الجانب العام على صعيد التلاقح الثقافي والفكري وتسويق الثقافة المجتمع وتراثه إلى الآخر، ناهيك بما يحققه على الجانب الشخصي من الشهرة».

وهو يعتقد أن انتقاء ما يستحق ترجمته من أدب سعودي من الأهمية بمكان، ذلك أنه لا بد أن يتسم الأدب بمقومات الإبداع الحق والأصالة الفنية، وينطوي على دواعي بقائه، والإقبال عليه. الترجمة في ذاتها، برأي الحجيلي، هي خطوة مساندة ولاحقة، فعلى الرغم من أهميتها في خدمة الأدب، وثقافة الأمة، فإنها لن تجدي شيئا إن كان المنتج الأدبي ضعيفا خاويا، ولا ينم عن خلفيته الحضارية ومنطلقه وحمولاته الثقافية والوجدانية.

وتابع: «هذا ما ينطبق على الأدب السعودي وسواه، أما الترجمة في السعودية فليس ثمة اهتمام كبير بها، فلا توجد مراكز أو مؤسسات تعنى بترجمة الأدب من وإلى اللغة العربية، بل لا توجد مؤسسة لتوزيع الكتاب بطريقة مهنية محترفة تسهم في انتشار أدبنا وإيصاله، أولا، إلى قارئه المحلي فالعربي».

لكن الحجيلي يستدرك بقوله إن الترجمة لعبت دورا في تعريف الآخر بالمنجز السعودي، الذي عكس ثقافة المجتمع وتراثه وعاداته وتقاليده، مبينا أن المشهد الأدبي في السعودية يسير بخطى حثيثة، وتنامٍ في الكم والكيفية، وبأسماء مميزة لفتت إليها الأنظار في أكثر من جنس أدبي.