مي زيادة في مسلسل تلفزيوني يكشف أسرارها

بعد أن ظلمت في حياتها

مشهد من المسلسل («الشرق الأوسط»)
TT

في غرفة صغيرة أشبه بالزنزانة جلست مي وهي في الخمسين من عمرها، بشعرها الأشعث الأسود، تزرع سيجارة جديدة في المنفضة الممتلئة بأعقاب السجائر، تمسك بالقلم وتهم بالكتابة على غلاف دفتر «ليالي العصفورية». بهذا المشهد الذي استعرنا نصه، تبدأ الحلقة الأولى من المسلسل التلفزيوني «الآنسة مي»، الذي يصور سيرة الأديبة اللبنانية مي زيادة، وبوشر بتصويره بين لبنان ومصر ليكون جاهزا للعرض في رمضان المقبل.

المسلسل الذي كتبه سمير مراد تنتجه شركة «سيدر أوف أرابيا» اللبنانية، ويخرجه يوسف الخوري، ويضم مجموعة كبيرة من الممثلين اللبنانيين والعرب. وهو دراما تاريخية تروي حياة امرأة عشقت الحرية وآمنت بالكلمة فتألق نجمها كأديبة ومناضلة في زمن كانت فيه سماء الأدب والنضال حكرا على الرجال.

ورُصد لإنتاج المسلسل نحو خمسة ملايين دولار، وتستخدم في تنفيذه واحدة من أجدد التقنيات في الشرق (ديجيتال سينماتوغرافي - لوغ آر جي بي 444) التي تنعكس إيجابا على الصورة فيشعر مشاهدها بأنه يتابع فيلما سينمائيا لا سيما أن الصوت تتم معالجته في استوديوهات «360 ميديا» في لبنان. وهي الوحيدة المرخص لها العمل من مختبرات «دولبي»، مما أضفى على الجو العام للمسلسل مشهدية مميزة بجودة عالية.

أما المشاهد الخارجية فيتم تصويرھا في مواقع تشبه إلى حدّ كبير تلك التاريخية الأصلية، كما تتم إعادة بناء أجزاء من المواقع الأخرى بعملية الـ«فيزيوال إفكتس» التي تتولى تنفيذها استوديوهات «راجتارو» العالمية المتفوقة في هذا المضمار والتي عملت في أفلام شهيرة مثل «ثري هاندريد» و«شارلوك هولمز»، بحيث لا يمكنك التفريق بينها وبين المواقع الأصلية المعتمدة في مجريات القصة. أما لماذا اختيرت شخصية مي زيادة ليتم تناولها في مسلسل تلفزيوني في أيامنا الحالية، فلأن واقعنا العربي اليوم كما يقول مخرج المسلسل يوسف الخوري لـ«الشرق الأوسط» يشبه تلك الفترة، رغم مرور أكثر من خمسين عاما عليها. ويضيف الخوري «المسلسل يتناول حقبات عدة منذ الاحتلال البريطاني لمصر، مرورا بالحرب العالمية الأولى، ووصولا إلى ثورة سعد زغلول التي شهدت فيها مصر أولى التظاهرات الجماهيرية المطالبة بالوحدة الوطنية ضد المحتل». ويوضح الخوري أن الأديبة مي زيادة ومن خلال كتابتها لمقالات سياسية في صحيفة «المحروسة» تميزت بالجرأة والوطنية، وسطع نجمها، وذاع صيتها، مما دفع بالمتطرفين إلى احتلال صحيفتها كونها في نظرهم بمثابة الشوكة التي تنخز ضمائرهم.

سيتم تسليط الضوء على محاور ثلاثة في حياة مي، أولها أنها لبنانية كانت تعيش في مصر، وثانيا أنها مسيحية مستقرة في بيئة إسلامية، وأخيرا كونها «آنسة» في مجتمع ذكوري. كل ذلك جعل منها امرأة استثنائية. ويكشف المسلسل عن تفاصيل من حياتها، كانت وما زالت مجهولة حتى بالنسبة لأقاربها الذين ما زالوا موجودين في لبنان.

المسلسل تلعب دور البطولة فيه الممثلة اللبنانية نور المشهورة بأدوارها الرئيسية في عدد من الأفلام، واللهجة هي المصرية التي اعتمدتها الأديبة اللبنانية في صالوناتها الأدبية وفي علاقاتها مع الناس، إذ كانت تتحدث اللبنانية فقط مع والديها. ويؤكد مخرج المسلسل أن القيمين على العمل اعتمدوا هذه اللهجة ليس بهدف الترويج التجاري (كون اللهجة المصرية محببة لدى المشاهد العربي) بل لأنهم وبعد اطلاعهم على كتاب الأديب اللبناني أمين الريحاني «قصتي مع مي» لفتهم المقطع الذي يتحدث فيه عن هذه المرأة المناضلة التي زارته في منزله وهي تتكلم المصرية. الأمر الذي دحر كل الشكوك حول اللهجة التي يجب اتباعها. ويقول الخوري «أن تتحدث مي زيادة المصرية مع أديب لبناني مثلها فهذا يعني أنه كان علينا احترام شخصيتها وتقديمها كما هي».

لكن ما هي المصادر التي اعتمدت لكتابة مسلسل «الآنسة مي»؟ يوضح المخرج يوسف الخوري «تطلّب الأمر بحثا وتنقيبا دقيقين من قبل كاتب الرواية سمير مراد في أرشيف الصحف الصادرة أوائل القرن العشرين، خاصة تلك المستخرجة من الصحيفة المصرية «المحروسة» التي كان يملك امتيازها والدها إلياس زيادة، إضافة إلى معلومات محسوسة جمعها من رسائل مي لعدد من رجال الفكر المعروفين في تلك الحقبة والتي كانت تربطها بهم علاقات وطيدة وأحيانا عاطفية مثل جبران خليل جبران وعباس محمود العقاد وشبلي الشميّل والبرنس جورج لطف الله وولي الدين يكن.

كما أجرى الكاتب سلسلة من الأبحاث الميدانية في لبنان ومصر ليتعرّف عن كثب على ماري زيادة (اسمها الحقيقي) الطالبة في مدارس لبنانية والتي تجيد التحدث بست لغات والمرأة المتحررة، إذ كانت الأولى في زمنها التي اعتلت المنابر متخلية عن غطاء رأسها. وتم التحري أيضا عن قصة حبها الأولى مع قريبها الطبيب يوسف زيادة التي لم تستطع أن تتجاوزها طيلة عمرها، إضافة إلى معاناتها في مستشفى الأمراض العقلية في لبنان والذي بقيت فيه لعشرة أشهر متتالية، بعدما اتفق أقرباؤها وحبيبها (يوسف زيادة) على وضعها فيه للاستيلاء على ثروتها التي كانت تقدر في تلك الحقبة بـ400 ألف ليرة، وصولا إلى المرحلة التي قررت فيها العودة إلى منزلها في القاهرة حيث فارقت الحياة عن عمر يناهز 55 عاما.

ويسلّط المسلسل الضوء على اللقاء الأسبوعي الذي كانت تقيمه الأديبة كل ثلاثاء في منزلها تحت عنوان «الصالون الأدبي»، جامعة فيه أبرز رجالات الفكر والأدب في تلك الفترة.