رواية التحولات في السعودية

جماعة «حوار» تستأنف حواراتها النقدية في نادي جدة الأدبي

جماعة «حوار» خلال إعادة جلساتها في النادي الأدبي بجدة ويبدو النعمي وهو يقرأ ورقته
TT

بعد توقف استمر عاما كاملا أعادت جماعة «حوار» في النادي الأدبي بجدة جلساتها بتداول موضوع يتعلق بالتحولات في الرواية المحلية تحت عنوان: «رواية التحولات في السعودية». وقد أثارت ماهية العنوان وعلاماته جدلا بين المشاركين، خاصة فيما يتعلق بتحديد معالم التحول والأسماء التي قدمت أعمالا روائية رصدت التحولات. ورغم الجدل فقد احتلت أسماء روائية صدارتها في النقاش بينها: الراحل غازي القصيبي، وتركي الحمد وعبده خال. الدكتور حسن النعمي رئيس جماعة «حوار» استهل ورقته بسؤال حول المنعطفات التاريخية التي دعت إلى تشكل الرواية، ولاحظ أن «المنعطفات التاريخية» لعبت دورا حاسما في الرواية المحلية، سواء من حيث الشكل أو المضمون، موضحا أن الرواية ولدت مع تأسيس الدولة في فترة كانت فنا غائبا في ظل هيمنة الشعر، وحضرت في الستينات في ظل البدء في مشروع التحديث مع إقرار التعليم النظامي للفتاة ودخول التلفزيون. أما في الثمانينات فتشكلت في ظل تحول المجتمع من حد الكفاية إلى فيض الطفرة وما صاحبها من تغيرات اجتماعية عميقة. وفي منتصف التسعينات وبدء الألفية الثالثة تجاوبت الرواية مع الهزات العنيفة التي أصابت المجتمع كحرب تحرير الكويت وانفتاح المجتمع بفعل الفضائيات والإنترنت وحادثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) التي كان لها الـتأثير الخطير على تشكيل الرواية فنا وموضوعا ورؤية.

وكشف عن أن التحولات تنطلق من المرحلة التي قدم فيها د. غازي القصيبي وتركي الحمد وعبده خال في منتصف التسعينات مشروعهم الروائي الذي حرك الرواكد الأدبية واستثار حفيظة المجتمع، موضحا أن الجماعة ستتناول قراءة هذه المرحلة في ضوء التحولات الاجتماعية والتاريخية التي أحاطت بالتجارب التي أنتجها الروائيون الثلاثة.

وأضاف أن صعود الرواية في المنعطفات التاريخية نال حظا أوفر من العوامل الأخرى، موضحا أن أغلب تصنيفات الباحثين للرواية السعودية تقسم تطور الرواية لمراحل تحولاتها الفنية دون إجابة عن السؤال الجوهري: لماذا تطورت فنيا وتجددت موضوعيا؟

في جانب آخر، أقر الدكتور حسن النعمي بأن الرواية أقدر من الشعر على التشكل والتحول. وقال إن الرواية ابنة التحولات الاجتماعية، وليست نصا مغلقا على ذاتها، وهي بطبيعتها مواكبة لتحولات الستينات الميلادية خاصة مع منعطف التنمية الاجتماعية.

وقال إنه في الثمانينات رصدت الرواية تحولات المجتمع الروائي، وتحول الإلحاح من قضايا فردية إلى قضايا كليات اجتماعية مثل قضية العلاقة بين القرية والمدينة كما في تجربة عبد العزيز مشري بأدوات اقترب فيها من بسط إشكالية تبدل القيم في مجتمع يتناقض مع نفسه، فبينما يندمج المجتمع في تحولات المدينة شكلا يستبقي فكره وقيمه فيما قبل الطفرة وأن هذا التناقض أفرز توترا حادا بين مدينة متحولة في البيت والشارع والمستهلكات، وبين قناعات وسلوكيات لا تناسب الموضوعات الجديدة للمجتمع. ولعل أبرزها تبدلات شكل المدينة، لكن في جوهرها عبارة عن قرى متجاورة يفتقر فيها الناس للاندماج بروح الانتساب للمدينة، ففي رواية «الغيوم ومنابت الشجر» لعبد العزيز مشري يعكس رحيل الأبناء للمدينة في الوقت الذي يضعون فيه قدما في القرية وأخرى في المدينة تعبيرا عن حالة التشتت التي أصابت إنسان تلك المرحلة.

* من الهامش للمتن

* وذكر النعمي أنه في منتصف التسعينات واستجابة لعوامل حرب الخليج والانفتاح الإعلامي والاتساع النسبي لهوامش التعبير مع ظهور الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة بدا كل شيء يتغير أو يتفاعل بطريقة متسارعة مما أشعل موجة غير مسبوقة من الاستجابات التي غيرت موقف الرواية بالكامل ونقلتها من الهامش الأدبي إلى متن الاهتمام الكامل بها، من نشر، ومؤتمرات، ورسائل جامعية، ومتابعات استثنائية. حتى أنه في عام واحد ظهرت ثلاث روايات جريئة لثلاثة ممن لهم وزنهم الأدبي والاجتماعي وهم: غازي القصيبي، وتركي الحمد، وعبده خال وربما لكل واحد أسبابه في كتابة روايته، لكنهم جميعا استشعروا ملائمة المرحلة واستجابتها للمتغير الاجتماعي والتحول التاريخي الذي شكل منظورات مختلفة في سياق التنمية الفكرية والاجتماعية، مما دفعهم لإصدار رواياتهم: «شقة الحرية»، و«العدامة»، و«الموت يمر من هنا».

وبالنسبة للنعمي، كانت هذه هي البداية التي أحدثت هزة في السياقات الأدبية في المملكة. لقد استفادت روايات هذه المرحلة من هامش التعبير المتاح ومن إمكانية النشر في الخارج. فالأول؛ دفع الكتاب والكاتبات أيضا إلى الوصول إلى مناطق غير مألوفة في التعبير الأدبي، فناقشت الرواية مشكلات ذات حساسية اجتماعية، ولامست المحظورات بجرأة لم تكن معهودة. وحققت هذه المرحلة مسألتين؛ الأولى: زيادة التراكم الروائي، فمن شح في إصدار الروايات إلى غزارة في الإنتاج بشكل غير مسبوق، والثانية: تطور نوعي للرواية وظهور أنماط وأساليب روائية لافتة للانتباه. وقال: «إن دخول المرأة في المعترك الروائي شكل إضافة نوعية، فكتابات رجاء عالم، ونورة الغامدي، وليلى الجهني، ومها الجهني، ورجاء الصانع، وأميمة الخميس أسهمن بجرأة في تقديم خطاب متجاوز لواقع المرأة».

وأضاف أن الاستجابة للمتغيرات التاريخية كانت بليغة، بل حاسمة، معتبرا أن طبيعة الأسئلة التي طرحتها المرحلة لم تكن خيارا، بقدر ما فرضت معطياتها العبور بجرأة، وهذه مسألة حاسمة في التحولات التاريخية التي صنعت هذا المد الروائي بجرأته ومواضيعه وجمالياته، معتبرا أن سؤال الخيار أصبح واجبا في حالة القصيبي وتركي الحمد أكثر من عبده خال، ذلك أن القصيبي أحدث مفاجأة كونه شاعرا، وتركي الحمد أحدث المفاجأة أكثر منهما كونه لم يكتب أدبا إبداعيا من قبل، بينما عبده خال قاص توقعنا منه ومن جيل الثمانينات أن يقدم على خطوة مثل هذه منذ أوائل التسعينات. وأوضح أن كتابة القصيبي للرواية يمكن أن يبرر بتجاور الفنون، لكن ذلك لا يكفي عندما تصل اندفاعته إلى أن يتوقف تقريبا عن إصدار دواوين شعرية، ويتفرغ لإصدار روايات بالجملة تتفاوت قيمتها الفنية والموضوعية، الأمر الذي يؤكد على قدرة الرواية على الاستجابة للتقاطع مع الواقع بكل التمثيلات الرمزية والإسقاطات السياسية. ومن هنا أيضا يمكن القول إن فضاء الرواية أرحب وأكثر ملاءمة للمرحلة خاصة إذا ما قارناه بالشعر.

وأوضح المحاضر أن تجربتي القصيبي والحمد جاءتا في سياق الحاجة لبدائل تعبيرية. فكانت الرواية هي الاختيار الأنسب بالنسبة لهما. ذلك أنهما بذكاء استثنائي غامرا بكتابة سيرة روائية جريئة ولم يكتبا رواية حتى يتجنبا مقاييس النقد الروائي الجمالي فنجحت تجربتهما اجتماعيا أكثر منها فنيا، وكان المهم بالنسبة لهما هو الصدى الاجتماعي لأنهما أصحاب قضية أكثر من رسالة فنية وهذا عكس عبده خال تماما، الذي كان معنيا بالبعد الفني للرواية فكتب روايته بحس المغامرة الروائية وأقدم على ما لم يقدم عليه جيله حتى تلك اللحظة فهو صاحب مشروع روائي وليس نزعة إصلاحية بالمعنى المباشر.

إنها تجربة، كما يضيف، تحتفي بصوت الفن في مجابهة الواقع وفضلا عن ذلك فإن دوافع عبده خال تختلف عن القصيبي والحمد ولا ننسى مقولة القصيبي في حق عبده خال «أبعدوا هذا الموهوب عني»، فقد خشي القصيبي أن تقاس تجربته بتجربة عبده خال، غير أن القصيبي والحمد استعاضا عن الجانب الجمالي بالمغامرة بالمواضيع ذات الحساسية الاجتماعية، وهو ما التفت إليه عبده خال في تجاربه المتأخرة وخاصة: «فسوق، وترمي بشرر»، ومن يتابع صدى روايات عبده خال يجد أن هاتين الروايتين هما الأكثر استحضارا لردود الفعل الاجتماعي.

* مداخلات

* وفي مداخلة لها، ذكرت الناقدة د. فاطمة إلياس أن قراءة السياقات التاريخية والاجتماعية باتت ضرورة في ظل الانفجار الروائي في العالم العربي، في حين قالت الناقدة الدكتور لمياء باعشن إن المنهج الاجتماعي يتطلب ملاحقة النص الروائي، والأحوال الاجتماعية التي تأثر بها الروائي، وهو ما عد أمرا مهما وضروريا في النقد الثقافي للرواية، ومن هنا تكمن أهمية المحمر الذي تبنته جماعة «حوار».

وتساءل أحد المشاركين عن دور السياسة ومتغيراتها في تحول الرواية. وأضاف: «علينا ألا ننسى دور الإعلام الجديد في التعاطي مع هذه المعطيات بمختلف أشكالها.

وقالت هالة القوسي يجب ألا نغفل دور الترجمة وأهميتها خاصة أن هناك روايات ترجمت إلى الفرنسية دون التعرف على أي معايير تم اختيارها. وأضافت: «إن من الأهمية تسليط الضوء على هذه الإشكالية، في حين لاحظ الدكتور عائض سعيد القرني، ويوسف العارف رئيس جماعة (حوار)، إنهما كانا يتوقعان تخصيص الجلسة الأولى لمناقشة المحاور التي ستناقشها الجماعة خلال الموسم بدلا من إقرارها على أعضاء جماعة (حوار)».

وطالب عدد من المشاركين بضرورة توسيع عدد الروائيين بدلا من اختصارها على القصيبي والحمد وخال. غير أن الدكتور لمياء باعشن ردت بالقول: «إن هذا لا يضير الدراسات النقدية ما دامت السياقات التي تتناولها تتجدد بفعل المتغيرات والتحولات التي تطرأ على المجتمع»، وذكرت نجيب محفوظ مثالا.