إياد الحكمي: الشعر أفيون الحياة

فاز ببردة «شباب عكاظ»

الأمير خالد الفيصل يقلد إياد الحكمي بردة «شاعر شباب عكاظ»
TT

رغم حداثة سنه وتجربته، فقد بدأ من القمة، فلم يعرفه الأدباء والمثقفون خارج مدينته إلا في اليوم الذي قلد فيه بردة «شاعر شباب عكاظ»، بعد أن فازت قصيدته بالمركز الأول من بين عشرات المتسابقين من الشباب. وقبلها حازت مجموعته الشعرية الأولى «على إيقاع الماء» جائزة الشارقة للإبداع العربي.

في بدايته الشعرية، يسابق الشاعر السعودي الشاب، إياد الحكمي، الخطى نحو الصدارة، فقد بدا في إطلالته «العكاظية» مثيرا للدهشة، يمتلك ناصية اللغة، ولديه إلمام ببناء القصيدة شكلا ومضمونا، وإثرائها فنا وشعورا، يصاحب ذلك ثقافة شعرية واسعة.

خلال مشاركته في مهرجان سوق عكاظ سبتمبر (أيلول) الماضي، خطف الأنظار لتجربته الوليدة، فقد كان مثالا ليس لجيله من الشباب فقط، بل لجيل أوسع ينتمي إلى القصيدة الحديثة، ويتعاطى مع مكونات الثقافة الحديثة التي ينتمي إليها جيل الشباب ويستوعبون مخرجاتها.

يبلغ الحكمي، واسمه إياد أبو شملة محمد حكمي، 24 عاما، وقد ولد في مدينة جازان في سبتمبر 1988، وأنهى مراحل تعليمه في مدارسها، وتخرج العام الماضي في قسم نظم المعلومات بكلية الحاسب الآلي ونظم المعلومات بجامعة جازان، وهو يستعد لإكمال دراساته العليا في الجامعة عينها.

في حديثه عن نشأته في جازان، المنطقة التي عرفت بإنبات الشعراء والأدباء، يلاحظ إياد الحكمي أن «البحث عن اختلاف في نشأة أي شاب في السعودية سيكون أمرا عبثيا في أغلبه.. سوى في حالات نادرة»، لكنه يستدرك في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بقوله: «رغم أن الحياة لدينا هنا تقليدية جدا»، لكن «من حسن حظ جيلي أنه فتح عينه مبكرا على بدايات ثورة الشبكة العنكبوتية.. فاتصالي بالعالم الافتراضي كان كبيرا جدا، ولا يمكن لي أن أغفل هذا الشيء في الجانب الثقافي».

تعرف جازان، وهي منطقة حدودية محاذية لليمن، بأنها تفتقر إلى الكثير من الخدمات بسبب موقعها النائي، ولذلك يهاجر شبابها نحو الفرص الواعدة في المناطق الأخرى، وخاصة «جدة» التي تتقاسم معها محاذاة البحر الأحمر. لكن إياد لم يترك فرصة للتزود بمنتجات الثقافة، ويقول: «أنا مهووس جدا بثقافة الصورة وأعتقد أنها ستحل بعد فترة بدلا عن الكتاب»، ويضيف: «أشاهد فيلما بدلا عن قراءة رواية، وأعايش تجارب حية، وأحاول إيجاد خطوط تجمعها مع نظريات وأفكار لم أتعرف عليها إلا في مذكرات مفكر ابن ثقافة أخرى ومجتمع بعيد، ولست مخلصا لمتابعة كل كتب الشعر المعاصر، فقد قرأت نماذج كثيرة ولكنني ما زلت أشعر بأنني أريد أن أقرأ وأقرأ».

يتحدث عن مدينته بالقول: «العبارة المعروفة (جازان مدينة الشعر والشعراء) تقول الكثير»، يضيف: «جازان تحتفي بالشعر كثيرا منذ زمن بعيد، وحتى الآن نجد الأجيال الحديثة ما زالت تعتبر الشعر شيئا كبيرا، وعندما نقول جازان لا يمكن لنا أن نحصر هذه المدينة بانطباع واحد..».

وجازان منطقة تجمع بين ملامح الساحل والجبل، وكل واحدة من هذه الملامح تعزف لحنا مختلفا، يقول: «الانطباع الذي يتولد لأي شخص في جبالها ليس نفس الانطباع الذي يتولد في ساحلها، فما بالك بشاعر يحاول إعادة كتابة الأشياء من حوله؟».

إياد، هو الابن التاسع لأب قروي مخلص للأرض، تتهادى على هامته أعذاق الدخن وتفوح من ساعده رائحة المطر، لكنه مخلص للعلم، يركض وراءه من مكان لآخر حتى حاز شهادته الجامعية، وانخرط في العمل الحكومي فسكن المدينة، وظلت روحه معلقة بالقرية حتى شطر وقته بينهما، ولأم من بيت علم، ولعائلته اهتمام بالأدب.

رغم ذلك، كان هناك في عائلته من نظم الشعر قبله، فخاله الشاعر عبد الصمد الحكمي، كان شاعرا، ويقول عنه: «كنت مأخوذا بوعيه الشعري والفكري، وعدم ركضه وراء الضوء، مفضلا التبتل في عتمة القصيدة، كان لا يكتب إلا حين يشعر بأنه سيموت لو لم يفعل»، يضيف: «كنت أقلد حتى مشيته! هو أول من آمن بي، حين قرأ نصي الأول لم يصفق ولم يهلل لئلا يتسلل إلي شعور الوصول السريع الذي يعني السقوط السريع، نطق بثلاث كلمات فقط: (يرجى منك الكثير).. ثم ناولني قصيدتي».

لا يرى إياد، أن ثمة عاملا اجتماعيا شديد الإيقاع في تأثيره على نشأته كشاعر، هو يقول: «منذ المهد، أحاول أن أرى الأشياء وأعبر عنها من زاوية تخصني وحدي».

لكن، كيف يمكن لشاب محاصر بتقاليد الأولين في الحياة والأدب والتطلع الثقافي أن ينتج شعرا حديثا ومتمردا، يقول: «ربما لم يكن ذلك متاحا في مجتمع منغلق على نفسه يعج بالتابوهات والخطوط الحمراء»، ويضيف: «ليس إلا الفن يتيح لنا فرصة التسلل إلى عمق هذه الأشياء دون المساس بقشورها وتشويهها في عيون من يرونها جميلة هكذا، ويجب أن تستمر كذلك!».

وبشأن اتجاهه للشعر، يقول إياد: «لم أفكر ولم أتوقع أن يكون الشعر سبيلي، كان من الممكن أن أستبدل بقلمي كمانا، أو فرشاة رسم، أو كاميرا فوتوغرافية، ولكن وجدتني أرثي صديقي بقصيدة، وألعن غربتي بأخرى، وأغازل تربتي بثالثة، وانعتق من قيد ما برابعة وهكذا..».

تجربة الحكمي في الشعر قصيرة، لا تتعدى ثلاث سنوات، ولكنه يقول إن الأمر لا يشبه بزوغ «عبقرية» «فلا يمكن لنا أن نقيس تجربة بمقدار حضورها في الصحف أو بعدد الجوائز التي حصلت عليها، لكن العبقرية صفة كبيرة ولم يحظ بها إلا شعراء قلة.. كرامبو، والمتنبي، ومحمود درويش وغيرهم».

ورغم حداثة تجربته، فقد تعلق الحكمي بتجارب شعرية رائدة، يقول: «استفدت كثيرا من تجارب الشعراء العرب كالبردوني ودرويش والسياب، وفي بداياتي كنت مهووسا بعمر أبو ريشة.. قرأت محمد الثبيتي وتوحدت به».

وهو لا يعترف بأن ثمة شاعرا كان ملهما له، يقول: «شخصيا، لدي موقف سلبي من التقديس الزائد لدرجة الأبوة الشعرية لنموذج معين.. هذا خطأ فادح، وعدم تقديسي لشاعر معين لن يكون انتقاصا منه».

وهو أيضا يشكو من أن الشعر في هذا العصر لا يلقى ما يليق به، «لن يختلف معي اثنان على غربة الشعر في هذا العصر»، أما الشعراء فهم يواجهون الانقراض، يضيف: «كل ما يقال في معظم الأعمال النقدية المعاصرة يشير إلى ذلك، علاوة على الإحصاءات التي تشير إلى أن الشاعر في طريقه إلى أن يصبح عملة نادرة جدا».

يضيف: «رغم كل هذا، فإن شيئا غامضا لا ندركه سيظل يسحبنا إلى الشعر، هذا الشيء الذي لا أعرف كيف يجيء وكيف يكون!».

على خلاف زملائه الأدباء، فإياد الحكمي «راض» عن المؤسسات الثقافية، خاصة أن نادي جازان الأدبي تلقف تجربته فور ولادتها، يقول: «علاقتي ممتازة جدا مع أدبي جازان، فأول منصة ألقى عليها كانت منصة هذا النادي ممثلا في مركزه الثقافي بصامطة، وكان عمري حينها أربعة أشهر من الكتابة وقصيدتين»، يضيف: «من يومها وأدبي جازان لا ينساني من فعالياته ضيفا أو مكرما أو محتفى به، ولا أنساه من وقتي - رغم تقصيري - مواكبا لكل خطواته ونشاطاته».

وردا على سؤال عن قدرة الشعر على التعبير عن هموم الشباب اليوم، يقول إياد الحكمي: «يجب أن يعبر الشعر عن مضمون الإنسان في أي مكان بهذا العالم.. فالشعر الذي لا يخدم الإنسان سيكون عبئا لا أكثر ولا أقل». ويضيف: «الشعر أفيون الحياة، سواء اختبأ في قصيدة أو في أغنية أو رواية، أو في لحظة ما».

ولكن، هل يمكن للشعر أن يستوعب كل هذا الحراك الذي يستعر في الساحات؟ يجيب: «ما الحراك الذي يراد للشعر أن يستوعبه؟»، يكمل: «الشعر ليس بحاجة لأن يستوعب أشياء طارئة على عصب الحياة، ليس مطالبا بأن يكون موجها بشكل آيديولوجي أو بأي شكل آخر لخدمة فكرة محددة أو منهج معين.. الشعر ليس عصا نضرب بها ما نريد، وإنما سماء تؤدي إلى سماء أخرى وأفق يتكشف عن أفق، هذا هو الشعر في وعيي».