الثقافة السعودية ترسخ حضورها في ظل انشغال العرب بالأحداث السياسية

معرض الرياض الدولي للكتاب و«ملتقى المثقفين» وجوائز لكتاب سعوديين

جانب من معرض الرياض الدولي للكتاب عام 2012
TT

مع تراجع دور المؤسسات الثقافية العربية، التي اشتغلت بالأحداث السياسية الساخنة، بدت دول الخليج، وخاصة السعودية، مصدر إشعاع ثقافي في العالم العربي، كما يقول بعض المساهمين في هذا الملف، بينما يرى آخرون أن لا شيء جديدا هناك، وإنما تكرار بلا نوعية لنشاطات كثيرة، وللإنتاج الثقافي عموما.

في التحقيق التالي حاولت «الشرق الأوسط»، استطلاع آراء مثقفين وكتاب عن أهم أحداث عام 2012 الثقافية في السعودية:

يقول الناقد والكاتب د. سلطان القحطاني لـ«الشرق الأوسط»: «مر علينا عام 2012، ولم يكن هناك حدث ثقافي مهم للغاية، فكل الأحداث التي مرت تقليدية مكررة، ما عدا بعض البحوث والمقالات التي تستحق التقدير، وهي قليلة بالطبع، وأهمها ملتقى الباحة الأدبي حول الرواية التاريخية».

ووفق القحطاني، فإن القائمين على هذه الملتقى، وفقوا بباحثين مميزين من العالم العربي على تعبيره، منوها بمشاركات مهمة في مجال الرواية والبحث النقدي الأدبي، شملت مشاركات عبد الرحيم الكردي، من مصر، وزهور كرام من المغرب، وأحمد محمد السماوي من تونس، ومحمد الخبو من تونس، وصالح بن رمضان التونسي المقيم في السعودية، بالإضافة إلى فخري صالح من الأردن، كذلك كان هناك ملتقى نادي القصيم الأدبي السنوي، حول التحولات الفكرية في السعودية، مبينا أنه كان جيدا بما طرح فيه من مناقشات، غير أنه، كما يضيف القحطاني، ليس هناك محطات تستحق الوقوف عندها كثيرا، حيث لم يقدم شيئا جديدا في عالم النقد والأدب.

* الصفراني: «مقاربات حوارية» الأهم

* الشاعر والناقد الدكتور محمد الصفراني قال لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لما يتعلق بأهم الأحداث الثقافية لعام 2012، فكتاب الدكتور معجب الزهراني الموسوم بمقاربات حوارية الصادر عن مؤسسة الانتشار العربي ونادي مكة الأدبي، من أهم الكتب التي قرأتها نظرا لما يحويه الكتاب من دراسات نقدية على قدر كبير من الأهمية والعمق لباحث وناقد وأكاديمي طالما انتظرنا أن نقرأ له كتابا على مر عقدين من الزمن».

وأضاف: «جاء الكتاب جامعا عصارة الفكر النقدي لمؤلفه، ومعطيا بعدا ثقافيا وحواريا للنقد بصفة عامة، وللنقد الأدبي على وجه الخصوص، وقد لقي الكتاب حفاوة في الوسط الأدبي السعودي، تمثلت في فوزه بجائزة كتاب العام في عام 2012، التي يطرحها نادي الرياض الأدبي كل عام».

وعلى الصعيد المؤسسي، يعتقد الصفراني أن أبرز حدث يتمثل في إعلان مؤسسة «الفكر العربي»، من خلال مشروع «عربي 21» نظام تصنيف كتب أدب الأطفال، الذي يشمل عدة معايير منها ما يخص جودة الكتاب، ومنها ما يخص تصنيف كتب أدب الطفل العربي، ما يسهل على رواد مجال أدب الأطفال من مبدعين وناشرين، استخدام معايير علمية دقيقة في كتابة وتقييم ونشر أدب الطفل، لما لهذا الأدب من أهمية بالغة، في تكوين الذهنية الواعية لدى الطفل العربي.

* خالد اليوسف: عام الشعر بامتياز

* أما الباحث والقاص السعودي خالد اليوسف فقال لـ«الشرق الأوسط»: «من إيجابيات عن واقعنا الثقافي المحلي، نجاح معرض الرياض الدولي للكتاب، النهوض بعدد من الجوائز الأدبية والثقافية المحلية، ومن المؤسسات والأفراد، نجاح الصفحات التي أعددتها في (فيس بوك) باسم نادي القصة السعودي، إذ أصبحت منارا ومنبرا للقصة القصيرة نصا وأخبارا ودراسات، وتواصلا اجتماعيا مع كل الكتاب».

وفي المقابل يعتقد اليوسف أنه من سلبيات عام 2012، تأثير واقع الأندية الأدبية غير المستقر على حركة النشر الأدبي، مبينا أنها تراجعت وانخفضت إلى درجة سيئة.

وأما على مستوى الإنتاج الشعري والروائي والقصصي، فإن اليوسف يعتقد أن 2012 هو عام الشعر الذي ارتقى في نظره بنسبة 40 في المائة، في الوقت الذي انخفض بالمنتوج الروائي بنسبة 50 في المائة، ولذلك فإن «عام 2012 هو عام شعري بامتياز، أي إن الشعر استطاع أن يكتسح السرد بنوعيه القصة القصيرة والرواية».

* المحيميد: عام استقلال الإعلام

* ويرى الروائي يوسف المحيميد أن «طغيان الحالة السياسية على المشهد العربي، خلال عامي 2011 و2012 أفرزت حالة مختلفة، سحبت البساط من جميع الأنشطة والمنجزات الثقافية، حتى في السعودية».

ولكن مع ذلك يعتقد أن الإعلان عن فصل الإعلام المرئي والمسموع في السعودية عن وزارة الثقافة والإعلام، في هيئة مستقلة، هو من أبرز الأحداث الثقافية، التي من المنتظر أن تنتقل بالإعلام من تخندقه بشكله الرسمي الحالي، إلى إعلام أكثر حرية ورحابة.

ومن بين الأحداث الثقافية المهمة وفق المحيميد، تألق الفيلم الروائي الأول «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، وفوزه بجائزة أفضل فيلم روائي عربي في مهرجان دبي، ما يكشف برأيه عن أن هذه الأرض لا تكف عن ولادة الإبداع رغم محاصرته.

ويضيف: «كما نعرف أن السينما محاربة بشكل شرس، لكن هيفاء ورفقتها من الشباب من مجموعة (تلاشي) وغيرها، ينتجون أفلامهم في أصعب الظروف، ويخطفون إعجاب العالم بهم».

وبرأي المحيميد، أن أهم خسائر العام فقدان الأغنية السعودية ثلاثة ملحنين عمالقة هم رائد الأغنية السعودية طارق عبد الحكيم، ومجدد الأغنية السعودية ومطورها الملحن سامي إحسان، و«منجم الألحان» صالح الشهري، منوها بأنه بفقدان الأغنية السعودية لهذه القامات، خلال أشهر متتالية لهو خسارة حقيقة للفن السعودي.

وقال: «عموما أظن أن أهم منجز ثقافي في السعودية، انتظرناه لأعوام طويلة، وما زلنا ننتظره، هو عودة ثقافتنا المنفية ما وراء الحدود، عودتها إلى الداخل، حينما نتخفف من التطرف الذي حارب، وما زال يحارب، الإبداع الأدبي والفني، حينما تطبع كتبنا في الداخل، وتزدهر حركة الطباعة هنا، وتنتج السينما وتعرض في الداخل، وتدشن المهرجانات والحفلات والجوائز في الداخل، نكون فعلا قد حققنا منجزنا الثقافي الحقيقي».

* الشمري: معرض الكتاب أهم أحداث عام 2012

* الروائي والكاتب عبد الحفيظ الشمري قال لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن أن نحدد أن هناك حدثا ثقافيا بعينه يمكن أن نقول عنه إنه متميز في عام 2012، إنما هناك بعض الأعمال والإنجازات الثقافية والمعرفية لكنها تتسم بالشخصية، وربما تبرز التجربة الروائية التي باتت هي الحلقة القوية في ذلك العام من حيث النشر والإصدار».

وهو يرى أن الرواية حققت حضورا متميزا، وعادت إلى وضعها الطبيعي، أي أن هناك انحسارا واضحا في حجم المجربين والمجربات الذين هجموا على الرواية عام 2011 و2010.

يقول: «الرواية عادت إلى طور التعافي، بعد أن عصفت بها تيارات من التجارب الطارئة والسريعة مثل الخواطر والكتابات الآنية والهذيانات والحكايات، التي تأتي دون أي معيار فني. لقد عادت الرواية إلى وضعها الطبيعي المحتكم إلى الجدة والتميز وبناء التجربة بشكل سليم».

ووصف الشمري إنجازات 2012 الثقافية عموما بأنها دون التطلعات، مبينا أن ما كان يؤمل في المشاريع الثقافية والأدبية لم يتحقق، ولم يرتفع حتى إلى نصف المطلوب، بالإضافة إلى أن هناك «انهيارا في منظومات العمل الثقافي على نحو الأندية الأدبية والصالونات والأنشطة الثقافية المختلفة»، كما يقول. ويضيف الشمري: «أنا هنا أظل على تمام الحياد حينما أقول إننا على المستوى الشخصي أو الفردي قادرون على الرهان على العطاء الأدبي والفني الجميل، أما ما يخذلنا في هذا العام وكل عام هو هواجس الجهات الرسمية التي لا تعلم أنت أهي معك وتجد لها العذر، أم أنها ضد المشروع الجمالي وأنت لا تدرك عواقب هذا الأمر، وذلك من قبيل الروتين والتباطؤ وجمود اللوائح والأنظمة».

وعن أبرز المحطات الثقافية، يقول: «أبرز المحطات التي مرت فيها الثقافة لدينا، أنها استطاعت أن تجمع الآلاف من المشاهدين والمرتادين لمعرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2012، وهو المحطة المتميزة في مسيرة العطاء الثقافي والمعرفي في بلادنا، وأنا هنا أراهن على نجاح التجربة وفاعليتها في مجال الثقافة الاجتماعية، حينما يكون للأسرة والأديب والمثقف والمثقفة دور في بناء مشروع هذا الالتقاء من أجل أن يحقق المعرض أهدافه المعنوية والمعرفية، لا سيما في حضور دور نشر عربية وعالمية متميزة».

* عائشة الحكمي: أحداث ثقافية خجولة

* الناقدة والكاتبة الدكتورة عائشة الحكمي قالت لـ«الشرق الأوسط»: «لم ألحظ أحداثا ثقافية مميزة في عام 2012 سواء على المستوى المحلي أو العربي.. لا شي قرأت أو رأيت يلفت الانتباه، فأكثر ما نراه هو الخمول الفكري والإبداعي في هذا العام، ربما لانشغال العالم العربي بسوريا، وتداعيات الثورات العربية، وغموض الأحوال في مصر زعيمة وراعية الانطلاقات الثقافية». لكنها أبدت فرحها بفوز الدكتور معجب الزهراني بجائزة وزارة الثقافة للكتاب المتميز.

أما بالنسبة للنتاج الروائي، فلا تتفق الحكمي مع الرأي القائل إن هناك تراجعا عن السنوات السابقة، كما يشير بعض الكتاب، وكذلك وسائل الاتصال الاجتماعي، فهي ترى أن هناك انطلاقة طردية للنتاج الروائي السعودي، بحيث إن الباحثين لا يزالون يتساءلون حول النتاج الروائي السعودي، فتارة يطلقون عليه ظاهرة وأخرى طفرة، كما أن أدراج الشباب الجديد تكتظ بعشرات التجارب.

* ملاك الخالدي: ملتقى المثقفين

الشاعرة ملاك الخالدي قالت لـ«الشرق الأوسط»: «عام 2012 كان حافلا بالأحداث الثقافية على الصعيد المحلي، ومن أبرز هذه الأحداث هو ملتقى المثقفين الذي أخذ مساحة عريضة من التناول النخبوي والشعبي، رغم التنوع الثقافي، الذي اكتنف الملتقى كما وكيفا، فإن النقاش المجتمعي حول بعض التفاصيل تمدد بشكل أكبر من المتوقع».

الحدث الآخر، وفق الخالدي، هو ملتقى المرأة السعودية، الذي أثار، كما تقول، جدلا بين مؤيد ومعارض، معتقدة أن أي خطوة تتناول قضايا المرأة ستكون إيجابية فيما لو تمتعت بمشاركة من كافة أطياف المجتمع للخروج برؤية توافقية تتسع للجميع.

وبالنسبة للنتاج الإبداعي، ترى ملاك الخالدي أن النتاجات السياسية والفكرية، هي الأوفر حظا في العام الماضي، نظرا للثورات التي حدثت في عدد من الدول العربية، ما أفرز واقعا إقليميا جديدا انسحب على الرؤى الفكرية والثقافية.

* الزهراني: حراك ثقافي

* ويرى الشاعر حسن الزهراني رئيس نادي الباحة الأدبي أن الساحة الثقافية في السعودية شهدا خلال عام 2012 حراكا ثقافيا كبيرا ولافتا، فجميع أيام العام لا تكاد تخلو من نشاط ثقافي على المستوى السعودي سواء في المناطق أو في المدن الكبيرة، وعلى مستوى التنظيم الدولي أو على مستوى الجهات والمؤسسات الثقافية من أندية أدبية أو جمعيات ثقافة وفنون أو صالونات أدبية أو مجالس ثقافية.

ويضرب مثلا على ذلك بمعرض الرياض الدولي للكتاب، الذي شهد حضورا وإقبالا كان الأبرز على مستوى العالم العربي ثم مهرجان الجنادرية وسوق عكاظ، إضافة إلى ملتقيات الأندية الأدبية في معظم مناطق السعودية: «قس بن ساعدة» بنجران، و«نقد النقد» بالرياض، و«الرواية العربية» بالباحة وجواثي بالأحساء وحائل وتبوك والقصيم وغيرها.

ويضيف الزهراني: «إن هذا الزخم الثقافي، كذلك احتفالات الجوائز الأدبية، التي بدأت بجائزة (حسن عواد) للشعر في جدة، وذهبت للشاعر عبد الله الزيد، وجائزة كتاب الرياض للناقد الدكتور معجب الزهراني، إضافة إلى الكثير من المسابقات والمهرجانات، التي حفل بها المشهد الثقافي في المناطق والمحافظات في جميع أنحاء السعودية.. كل هذا يجعلنا نستبشر ونتفاءل بمستوى ومستقبل الثقافة في وطننا، فبعد أن كان المشهد يقتصر على مناسبة أو مناسبتين، أصبحنا نرى مئات المناسبات العربية والعالمية داخل السعودية أو خارجها بمشاركة فاعلة من مثقفيها».