اللاجئون الفلسطينيون والتسوية الناقصة

كاتبان فلسطيني ولبناني يناقشان قضية اللاجئين وتشابكاتها الإقليمية والعربية خاصة في الدول المضيفة (الاردن، سورية، لبنان)

TT

اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة، كتاب جديد في سلسلة اصدارات دار التقدم العربي/ في بيروت، وهي السلسلة التي بدأت تتوالى في الصدور منذ عام 1991 راصدة التحولات السياسية في مجرى العملية التفاوضية بين العرب والدولة العبرية الاسرائيلية على مختلف مساراتها. وخصت الدار قضايا المسار الفلسطيني/ الاسرائيلي باهمية اضافية، نظرا لحجم التشابكات والتعقيدات التي تعترض عملية التسوية على هذا المسار فضلا عن ان قضايا: (القدس واللاجئين والاستيطان..) تحتاج إلى جهد كبير عربي وفلسطيني في سياق العملية التفاوضية القاسية والجارية راهنا.

ويحاول الكاتبان قراءة المشهد الراهن لقضية اللاجئين وحقهم في العودة، عبر المراحل المختلفة، وصولاً إلى تحديد النقطة التي وصلت اليها القضية الفلسطينية.

اهمية الكتاب تعود ايضا إلى مؤلفيه اللذين يعملان في الوسط الفلسطيني الشعبي والرسمي منذ سنوات طويلة. فرمزي رباح الخبير بشؤون وقضايا اللاجئين يكتب من قطاع غزة حيث اكثر من 800 الف لاجئ فلسطيني، وعلي فيصل يكتب من لبنان حيث استعصاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وبقاؤها الملف المفتوح في الصراع بين لبنان والعدو الاسرائيلي بعد اكتمال الانسحاب إلى الخط الازرق بين فلسطين المحتلة وجنوب لبنان.

حق العودة تقع مادة الكتاب في خمسة فصول متكاملة تبدأ بمناقشة قضية اللاجئين في دائرة المفاوضات، وتنتقل في الفصل الثاني لمناقشة قضية اللاجئين في الدائرة الاقليمية وتشابكاتها العربية، خاصة في الدول المضيفة للاجئين (الاردن، سورية، لبنان). وفي الفصل الثالث يتركز النقاش حول دور وكالة الاونروا والتحول الذي طرأ ويجري إلى اليوم في وظيفتها من هيئة دولية مسؤولة عن اغاثة وتشغيل اللاجئين وفق قرار تأسيسها إلى محاولة تغيير طابع عملها وتحويلها إلى هيئة تخدم عملية توطين اللاجئين حيث هم وتهجير اجزاء منهم إلى دول اسكندنافيا واستراليا وكندا وغيرها.

وفي الفصل الرابع يناقش المؤلفان مبادرات النخب الفلسطينية، خاصة المهاجرة منها، في بلدان الاغتراب لخدمة قضية اللاجئين واعادة الاعتبار لحق العودة الذي يتعرض للخدش اليومي على يد الدولة الاستيطانية التوسعية العبرية وعلى يد الادارة الاميركية.

وفي الفصل الاخير يدور النقاش حول حماية حقوق اللاجئين مع ضرورة توفير الروافع العربية والفلسطينية وبالتالي الاقليمية والدولية لصيانة حق العودة لاكثر من 65% من ابناء الشعب الفلسطيني في ظل تسوية تتسم باللاتوازن والاختلال، وفي ظل مشاريع وسيناريوهات لم تتوقف إلى الآن لشطب حق العودة واعتباره «قد مات بالتقادم» وفقا للموقفين الاميركي والاسرائيلي.

في الفصل الاول يتم تناول قضية اللاجئين وحق العودة على ضوء العملية التفاوضية على مسارها الفلسطيني/ الاسرائيلي تحت سقف اتفاقات اوسلو وملحقاتها حيث تم اغفال القرار 194 الصادر عن الامم المتحدة عام 1948، وهو القرار الذي يكفل للاجئين الفلسطينيين حقهم في العودة وتفتح الباب للمشاريع البديلة والمناقضة لهذا الحق.

وينبه المؤلفان ان مثل هذا الخطر يتهدد في الوقت نفسه حق النازحين ايضا في العودة، وهم الفلسطينيون الذين تركوا ارض القدس والضفة والقطاع اثر عدوان يونيو (حزيران) 1967 او كانوا خارجها بقصد العمل او الدراسة لحظة وقوع العدوان. فملف النازحين ينتمي في العملية التفاوضية إلى ما يسمى بالمرحلة الانتقالية من اتفاق اوسلو، وهي انتهت رسمياً في 4/5/1999من دون ان تنفذ شيئاً يتعلق بحق النازحين في العودة. وقد وقع الطرفان، الفلسطيني والاسرائيلي، بروتوكول «واي ريفر»، ثم «شرم الشيخ»، لانجاز ما تبقى من هذه المرحلة. وفي المرتين تجاهل الطرفان قضية النازحين وحقهم في العودة، الامر الذي سيقود في الواقع العملي إلى الربط بين النازحين واللاجئين، ليس على قاعدة حق العودة، بل وفي السياق العام للمشروع الاسرائيلي (المدعوم اميركياً) على قاعدة اعادة التشريد والتأهيل والتوطين.

اما الفصل الثاني فيبحث قضية اللاجئين وتداخلاتها وتشابكاتها في اطارها الاقليمي، انطلاقاً من واقع توزع اللاجئين في الاقطار العربية المضيفة، ودخول هذه الاقطار على خط الحل من دون موقف موحد يرتكز على القرار 194 وحق الانسان فوق ارض وطنه. يلاحظ في هذا القسم ان البحث، يطرق باب الحدث اللبناني المتمثل في الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي لقراءة ما سوف يعكسه من متغيرات في الموقف اللبناني، الرسمي والشعبي، من الوجود الفلسطيني في لبنان حيث ملف اللاجئين الفلسطينيين اصبح الان بمثابة الملف الوحيد الساخن بين لبنان ودولة الاحتلال.

النخب في المهاجر الأجنبية الفصل الثالث يسلط الضوء على عمل ودور وكالة هيئة الاغاثة الدولية التابعة للامم المتحدة (الاونروا) في واقعها الراهن، لقراءة ما طرأ على وظيفتها من متغيرات رئيسية وهي تنتقل من منظمة لاغاثة اللاجئين وتشغيلهم إلى منظمة للتنمية الاجتماعية، تطرح مشاريع في سياقها تقدم خدمات الاغاثة. وهي بذلك تتجاوز التفويض المعطى لها من الجمعية العامة للامم المتحدة نحو دور جديد ينسجم مع توجهات لجنة اللاجئين في المفاوضات المتعددة الاطراف ووفقا للرغبة الاميركية والاسرائيلية والدور الخفي للدبلوماسية الاميركية السرية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين. وعلى وقع هذا التطور الخطير، تمهد الوكالة لانسحابها التدريجي من مجالات العمل ونقل خدماتها إلى الدول المضيفة وبالتالي شطب وكالة الاونروا، وهذا الامر كان احد المطالب الرئيسية لايهود باراك في مفاوضات كامب ديفيد ـ 2 حيث طالب بانهاء عمل وكالة الاونروا بعد لم شمل عدة آلاف من اللاجئين وتوطين الباقي وتهجير البعض منهم وانشاء صندوق دولي للتوطين.

الفصل الرابع من الكتاب يسلط الضوء على الوجه الاخر لقضية اللاجئين، اي اللاجئين انفسهم عبر مبادرات نخبهم السياسية والثقافية والاجتماعية وتحركاتهم الشعبية التي باتت تنبئ بحتمية ولادة حركة مستقلة وديمقراطية للاجئين الفلسطينيين، خاصة حركة النخب في المهاجر الاجنبية. وهي نخب تسعى، حسب المؤلف، لتملأ فراغا احدثه غياب منظمة التحرير الفلسطينية وتقاعسها عن اداء دورها باعتبارها الممثل لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، في ظل حال الانقسام الذي اصابها بفعل توقيع اتفاقيات اوسلو. ويوضح المؤلفان ان تحركات اللاجئين لا تهدف إلى تجاوز المنظمة نحو خيار بديل بقدر ما هي تشكل عاملاً يسهم من موقعه في الضغط لصالح استعادة المنظمة لدورها ممثلاً شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ومرجعية وطنية لكل فئاته وتياراته السياسية. مما يتطلب اعادة بناء مؤسساتها على اسس ديمقراطية وائتلافية واعادة الاعتبار لبرنامجها الوطني (العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس). وهو ما تؤكده مجمل مواقف اطراف الحركة الشعبية ومبادرات النخب. والكتاب على كل حال مليء بالامثلة المؤكدة لذلك.

اما الفصل الخامس والاخير فيأتي تلبية لضرورات بحثية فهو يعيد تلخيص ما ورد في الاقسام السابقة في موضوعات تبرز العناصر الرئيسية للبحث في محاولة تلمس الطريق نحو السبل الكفيلة بصون حق اللاجئين في العودة. ويؤكد هذا القسم على اهمية تمسك اللاجئين بحقهم في العودة وتأكيد عدم اعترافهم باي اتفاقات او معاهدات تتنازل عن حقهم في العودة او تساوم عليه او تقايض بينه وبين اي من الحقوق الوطنية الاخرى. فحق العودة إلى جانب كونه حقا جماعيا، هو في الوقت نفسه حق فردي لا يسقط بالتقادم ولا يلغيه تجبر ظالم او اتفاق جائر.

اللاجئون وحق العودة ـ بين المناورات التفاوضية ومقدمات النهوض الجماهيري.

المؤلفان: رمزي رباح ـ علي فيصل.

دار النشر: دار التقدم العربي ـ بيروت.

يوليو (تموز) 2000