الخليج في ضوء الجغرافيا السياسية

كتاب يركز على النظم الادارية والمشكلة السكانية والمستقبل السياسي لدول مجلس التعاون الخليجي

TT

يرى الدكتور فهد بن عبد الرحمن آل ثاني في كتابه «دراسات في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا.. تطبيقات على دول مجلس التعاون الخليجي» الصادر عن دار وائل للنشر والتوزيع بعمان ان الجغرافيا السياسية تلعب دورا مهما في تقييم مقومات القوى العالمية او الاقليمية او قوة دولة معينة وفي ضوء ذلك تستطيع هذه الدولة او دول تحالف دولي معين ان ترسم سياساتها بما يتواءم وامكاناتها من جهة والظروف الدولية السائدة من جهة ثانية. ومن الطبيعي اذا ان تعمل الجغرافيا السياسية على توجيه السياسة الجغرافية «الجيوبوليتيكا» بما يتناسب مع الاهمية للمكان.

ويضيف ان منطقة الخليج تمثل اغنى بقاع الارض في العالم بحيث لو احسن استثمار الموارد المتوافرة فيها واعيد توزيعها على مواطني المنطقة لاصبح نصيب الفرد يزيد على 30 الف دولار من الدخل القومي سنويا حيث يشير الى انه في عام 1997 بلغ انتاج النفط الخام بدول مجلس التعاون حوالي (4937) مليون برميل، صدّر منها نحو (10.6) مليون برميل يوميا او ما قيمته نحو (90) بليون دولار أميركي. ويقدر الاحتياطي المؤكد من النفط الخام بحوالي (465) بليون برميل لعام 1997 وبلغ انتاج هذه الدول من الغاز الطبيعي نحو (184) مليون متر مكعب عام 1997 وقدر الاحتياطي المؤكد منه نحو 23 بليون متر مكعب في العام نفسه.

واعتبر المشكلة الحقيقية الكبرى في الخليج هي التنظيم الاداري بحيث لو استطاع النظام الاداري خلق تناسق وتناغم بين الجوانب الطبيعية والبشرية والاقتصادية المذكورة لاصبحنا من افضل شعوب العالم على مستوى قطاعاتنا الاقتصادية الثلاثة الاولية والثانوية والثالثة.

كما اننا، كما يرى، «لا نمتلك الشجاعة الكافية لمواجهة اسباب المشكلة الادارية المتمثلة بعدم وضوح ايديولوجيتنا سواء كانت السياسية او الاقتصادية وهذه الايديولوجيا هي التي تعطي المفكر او المخطط او المستثمر او المواطن العادي التفكير في الطريق السليم لدراسة امكانياته وحصرها واسلوب تطويرها ونوع الالية التي تحتاج لتفعيلها والهدف الذي يريد الوصول اليه ضمن الايديولوجية السياسية والاقتصادية التي رسمها النظام العام.

وبين الدكتور آل ثاني ان الخليج قبل النفط لم يكن فاقدا للهوية بل كان نظاما سياسيا واقتصاديا وحضاريا قائما بحد ذاته ويستمد حضارته من دستورنا العظيم القرآن الكريم وما اتى به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

والدليل الثاني على ان الخليج لم يأت من قاعدة بدائية بحتة مثل الهنود الحمر في الولايات المتحدة بل اتى من قاعدة حضارية عظيمة هو ما اعترف به اصحاب الحضارات الحديثة والذين كانوا يمارسون دور المستعمرين وشبه المستعمرين بطريقة مباشرة انذاك عندما بدأوا مفاوضاتهم من اجل النفط مع المغفور له الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الحديثة والمغفور له الشيخ عبدالله بن جاسم حاكم قطر من 1913ـ 1949.

وتتبع المؤلف المناطق الجغرافية الزمنية للدخل النفطي في منطقة الخليج ويقسمها الى ثلاث هي: المنطقة الاولى وتضم دولة البحرين والمملكة العربية السعودية والمنطقة الثانية وتضم الكويت وقطر والمنطقة الثالثة وتضم دولة الامارات العربية وسلطنة عمان.

ويقول انه منذ بداية السبعينات بدأ الخليج في التفكير بمواكبة التنمية الحديثة التي حدثت في العالم فوجد الخليجيون انفسهم محاصرين بعدة اسئلة بعد الاستقلال منها:

ـ هل يتحدون ويشكلون دولة الوحدة المركبة (فيدرالية)؟

ـ ما نوع المنهج السياسي الحديث الذي سوف تتبعه الدولة الجديدة؟

ـ ما مدى امكانية هذه الدول في حماية نفسها؟

ـ ما امكانيات هذه الدول في ادارة مواردها البشرية والطبيعية؟

ويضيف ان الخليجيين انطلقوا من خلال هذه المحاور الاربعة في ركاب التنمية الحديثة وحاولوا ان يبتكروا منهجا سياسيا اقتصاديا يحافظ على الايديولوجية الخاصة بهم وهو يمثل خلطة من ثلاثة مناهج «علماني وديني وقبلي».

وهو لا ينكر ان النظام السياسي المختلط لدول الخليج العربية حقق نجاحا في العديد من المجالات لكنه تخلف في مجالات كثيرة ايضا.

ويرى ان دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بميزة تكاد تكون فريدة بالنسبة لبقية العالم من ناحية حضارية وهي ممثلة بالاندماج القومي والديني والنضج السلالي ولكن المشكلة في بعض دول المجلس هي وجود اقليات غير ذات جنسية محددة وهذه الاقليات في حالة عدم سعي المجتمع لايجاد اليات مناسبة لاتحاد مناسب بالنسبة لها سوف تكون مصدراً للقلاقل في المستقبل في دول الخليج وخاصة ان هذه الاقليات يصل اعداد بعضها الى 30 الف نسمة وعادة ما تكون من الفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض والقليلة التعليم والتزاوج عادة يتم فيما بينهم وان النمو الطبيعي لهذه الاقليات يكون مرتفعا بشكل كبير جدا وهو يعادل 3.5 في المائة سنويا اي سوف يتضاعف عددهم كل عشرين سنة.

ويرى الدكتور آل ثاني أن حل مشكلة الأقليات غير المتجنسة يتمثل في حالة دول مجلس التعاون من خلال إذابتهم في المجتمع من حيث الثقافة والتعليم والعمل والحس الوطني.

ويشير الى المشكلة السكانية في دول المجلس حيث يقدر مجموع عدد سكان دول المجلس بحوالي (27.3) مليون نسمة ويمثل الأجانب أكثر من النصف تقريباً وتصل كثافتهم الى عشرة أشخاص للكيلو الواحد.

لكن الكثافة السكانية منخفضة بشكل كبير في دول المجلس حيث تعتبر من الدول التي تعاني من فقر سكاني وبالتالي لجأت لتغطية العجز السكاني الكبير من خلال استقدام الأيدي العاملة الأجنبية.

ويقول ان دول الخليج جميعها من الدول المستوردة للغذاء بأشكاله المختلفة، وربما أفضلها حالاً تلك الدول التي يصل فيها نمو الطلب على الغذاء الى 6 في المائة سنوياً ومعدل النمو للإنتاج المحلي 2 في المائة سنوياً تقريباً. فلا بد لهذه الدول من وضع استراتيجية لتنمية وتعبئة جميع الموارد المحلية الغذائية الى أقصى حد ممكن وذلك لحفظ التوازن الاستراتيجي في حالة الضرورة.

ويرى الدكتور آل ثاني انه لا بد من علاقة في المستقبل مع العراق وخاصة بعد أن يستجيب لقرارات الأمم المتحدة وكذلك مع اليمن حيث يمكن أن يتم هذا التعاون في المستقبل من خلال تبادل العمالة والاستثمارات المشتركة في القطاعات الاقتصادية وتبادل البحوث والمعلومات لتصبح المنطقة ذات كتلة عربية تشكل ما يقارب (60) مليون نسمة.

لكن هل يمكن في ضوء الاضطرابات والتقلبات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وانعدام التوازن بين القوى وعدم وجود نظام اقليمي جديد لتوزيع الأدوار بين الدول قيام حرب في المنطقة أم لا؟ ويجيب أن أقوى الاحتمالات قيام حرب شرق أوسطية وذلك لخلق نظام إقليمي جديد للمنطقة وخاصة أن فكرة الحزام الأخضر الإسلامي التي تؤرق الغرب والشرق ما زالت موجودة.

فوجود حلف تركي اسرائيلي وضع احتمالاً قوياً أن يواجهه حلف سوري إيراني وجميع هذه الدول تعتبر من أكثر دول الشرق الأوسط تكديساً لترسانات الموت.

ويقول انه لتنفيذ استراتيجيات المستقبل بالنسبة للقوى العالمية لا بد من تقنين الأدوار لهذه الأقطاب وإضعاف قوتها ولتحقيق هذا السيناريو لا بد من حرب تستهلك كل المخزون الاستراتيجي الموجود في المنطقة.