الأردن وألمانيا.. علاقات محكومة بشروط

ألمانيا من أكبر الدول المانحة للمساعدات الاقتصادية للأردن غير أن العلاقات بينهما تتجاذبها عوامل خارجية

TT

في اطار «سلسلة أبحاث العلاقات الدولية للدول العربية» التي تصدرها دار نشر «شنيك» في مدينة اربد بالمملكة الأردنية الهاشمية، باشراف الباحث الدكتور غازي عبد الرحيم شنيك، صدر أخيراً كتاب جديد يتناول العلاقات بين المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية ألمانيا الاتحادية، يضم عدة أبحاث تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، شارك في كتابتها عدد من الاساتذة والبحاثة العرب والألمان، بينهم الدكتور علي محافظة والدكتور نسيم برهم من الجامعة الأردنية في عمان، والدكتور شفيق باهادير من جامعة «ارلنجن ـ نورنبرج» والدكتور كونراد شليبهاكه، من جامعة فورتسبورج، وعلي مصاروه من جامعة كولونيا، وماريو مور، والدكتور غازي شنيك.

وتتركز الدراسات والأبحاث التي وردت في كتاب «العلاقات بين المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية ألمانيا الاتحادية»، على وجهتي نظر اساسيتين، ترى الأولى ان هذه العلاقات «ممتازة وخالية من أي مشاكل»، وهي قابلة للتطور في الميادين الاقتصادية والعلمية والتقنية، بينما تربط الثانية هذه العلاقات بآفاق التطور السياسي والاقتصادي في الأردن، وما يواجهه من تأثير عوامل دولية واقليمية سلبية، والامكانيات والطاقات المحيطة بذلك، ثم العلاقات القائمة بين الأردن كدولة نامية، وألمانيا كدولة صناعية متقدمة ذات وزن دولي وأوروبي كبير، وابعادها التاريخية والسياسية والاقتصادية في المستقبل.

ويحتوي الكتاب على مقدمة طويلة بقلم شليبهاكه وبرهم وشنيك، حول ألمانيا وتاريخها ومناطقها الجغرافية والطبيعية واقتصادها وسكانها، وأهم القطاعات الانتاجية والصناعية فيها، مع لمحة عامة عن الولايات التي تتكون منها. ويعقب المقدمة بحث كتبه الدكتور علي محافظة، رئيس جامعتي مؤتة واليرموك سابقاً، واستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية بعمان حالياً، يتناول تاريخ العلاقات الأردنية ـ الألمانية منذ حصول الأردن على استقلاله الوطني عام 1946 حتى الآن، والسياسة المتوازنة التي اتبعتها ألمانيا تجاه النزاع العربي ـ الاسرائيلي، واعترافها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومدى تأثر السياسة الألمانية تجاه العالم العربي والشرق الأوسط بعلاقات ألمانيا الخاصة مع اسرائيل والولايات المتحدة، ثم موقف الاتحاد الأوروبي وسياسته الخارجية والدولية.

كذلك يتناول الدكتور علي محافظة موضوع العلاقات الاقتصادية الاردنية ـ الألمانية والمبادلات التجارية بين الجانبين والمساعدات الانمائية المالية والتقنية التي تقدمها ألمانيا الى الأردن منذ ما يزيد عن اربعين سنة وحتى الآن، الى جانب التعاون الثقافي والعلمي والمنح الدراسية والتدريبية والتأهيلية التي تقدمها المانيا الى الأردن، مشيراً الى ان التعاون الالماني ـ الأردني يعتبر من النماذج الناجحة للتعاون القائم بين الدول الصناعية والاقطار النامية في العالم على المستويات كافة.

أبعاد سياسية يتناول الباحث علي مصاروه في دراسته «العلاقات الالمانية ـ الاردنية في التسعينات: البعد السياسي»، الاهتمام الالماني بالأردن بسبب دوره المهم في نزاع الشرق الأوسط وتحقيق السلام مع اسرائيل، ومساعي المانيا لاحلال الاستقرار في المنطقة، مشيراً الى بعض الظلال التي انعكست على هذه العلاقات في بعض الاحيان، والتغيرات التي طرأت على السياسة الدولية في بداية التسعينات من القرن الماضي.

ويشير مصاروه الى التزام السياسة الالمانية الحذر الشديد تجاه الشرق الأوسط من دون ان تطرح دور الولايات المتحدة فيه على بساط التساؤل، الى جانب اهتمامها البالغ بعدم المساس بعلاقاتها مع اسرائيل، وتركيز اهتمامها على فتح اسواق جديدة لها في المنطقة، مما جعل البعض يصف هذه السياسة بانها عشوائية تفتقد الى الرؤية البعيدة، بل وبانها انتهازية، خاصة عند نشوب ازمات سياسية أو نزاعات مسلحة.

ويرى الباحث ان أهمية ألمانيا بالنسبة للأردن، تبدو بوضوح من كونها من أبرز الدول الغربية المانحة للمساعدات الاقتصادية والانمائية له، الأمر الذي يعكس تفهم الأردن للحدود التي تقف عندها امكانيات التدخل الألماني في قضايا الشرق الأوسط، مشيراً الى ان المانيا قد أثبتت بانها شريك موثوق به للأردن.

العلاقات الاقتصادية والتجارية أما الدكتور شفيق باهادير، استاذ أبحاث الشرق الأوسط المعاصر في جامعة نورنبرج الألمانية وهو من أصل تركي، فقد قدم في هذا الكتاب بحثاً مفصلاً حول «العلاقات الاقتصادية بين المانيا والاردن»، تناول فيه الاوضاع الاقتصادية الحالية في الأردن، انطلاقاً من الوضع الجغرافي وتأثير النزاع العربي ـ الاسرائيلي في اقتصاده، مشيراً الى المصاعب التي يواجهها هذا الاقتصاد، خاصة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، ومحاولة الحكومة الأردنية تنفيذ برنامج إصلاحي شامل، ونجاحها في اعادة النمو لهذا الاقتصاد خلال السنوات التي اعقبت حرب الخليج الثانية، قبل ان يعود الى الركود مرة أخرى، وما تواجهه هذه الحكومة من ضغط شديد يدعوها لضبط العجز في الميزانية العامة، ومساعيها لمواصلة اجراءات التكيف الهيكلي بتشجيع من صندوق النقد الدولي.

ويرى الدكتور شفيق باهادير امكانية توسيع العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية بين المانيا والأردن، والتعاون القائم بين الاتحاد الأوروبي والأردن، والتعاون الألماني ـ الأردني في مجال التمويل والاستثمار، ومشاريع التنمية الالمانية في الأردن، وانتفاعه بالتسوية السلمية ومنطقة التجارة الحرة المزمع انشاؤها بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط وشرقه، بحيث يمكن ان يصبح الاردن مركزاً اقتصادياً في منطقة الشرق الأوسط مستقبلاً.

السياحة في الأردن ويختتم الاستاذان الألمانيان كونراد شليبهاكه وماريو مور الكتاب بدراسة احصائية سياحية تحمل عنوان «السياحة في الأردن ـ السياح الألمان» تتناول المواقع السياحية الرئيسية في الأردن، والبنية الاساسية السياحية وعروض الفنادق واستيعابها في كل من عمان والعقبة والبتراء واربد والكرك والأزرق.

كما تتناول الخاتمة موضوع السياح الألمان في الأردن، مشيرة الى عدم وجود معلومات وافية ودقيقة عن أعداد السياح الألمان الذين يزورون الأردن، وانخفاض عددهم بعد حرب الخليج، اذ لا يزيد عددهم التقديري على 50 ألف شخص، من مجموع 1.2 مليون سائح بينهم 200 ألف سائح أوروبي.

وتشير الدراسة الى أهمية منطقة العقبة كمنطقة جذب سياحي للاجانب واهتمام المؤسسات السياحية الالمانية والأجنبية بها في المستقبل، بحيث يمكن ان توصف بانها «ريفيرا البحر الأحمر» ومدى أهمية القطاع السياحي في الاقتصاد الأردني ودوره المستقبلي.

«العلاقات بين المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية ألمانيا الاتحادية» مجموعة من المؤلفين الناشر: «شنيك»، أربد، الأردن