ساشا جيفري بمعرض استعادي في سابقة فنية بلندن

أعماله تعرض قريبا في السعودية وقطر

ساشا جيفري
TT

احتضنت صالة «آرت سبيس» اللندنية، مؤخرا، معرضا استعاديا للفنان البريطاني ساشا جيفري، عبر عرض 16 عملا فنيا تم اختيارها بعناية فائقة. وتأتي هذه الاختيارات بمثابة فرصة للتعرف على اشتغالات هذا الفنان الواعد، الذي خطف الأضواء الفنية والنقدية، وفي سوق فنية من الصعب اختراق ساحتها. فأن يحتفى بفنان، لم يتجاوز الأربعين عاما من عمره، وعلى شكل معرض استعادي عالمي لاشتغالاته على مدى 15 عاما والمحصورة بين 1997 ولغاية 2012 - يعد سابقة فنية. صحيح أن غاية هذا المعرض تعريفية في الأساس، خصوصا للمتلقي والزائر العربي، لكنها بكل تأكيد ستكتمل حين تحط سلسلة هذه الأعمال رحالها في 14 بلدا وعاصمة، منها: سويسرا، والصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية، وقطر، على مدار عام 2013.

وبقدر ما تمنح هذه المختارات، المنتقاة من مجاميعه السبعة، فرصة الاقتراب من عالم هذا الفنان الشاب وهواجسه، فإنها، في الوقت عينه، تتيح للمتلقي الإطلال على عوالم تبدو لا جامع بينها، أقله على سطح اللوحة الواحدة، ذلك أن ما تقترحه هذه الأعمال الفنية، نجد مراجع ومصادر لها في الأدب الروائي مثلما في الشعر والسينما. فهو يستعير من الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز «واقعيته السحرية»، ومن اللبناني - الأميركي جبران خليل جبران «تأملاته»، ومن النمساوي - التشيكي فرانز كافكا «كوابيسه ومنولوغاته الداخلية»، ومن البرازيلي باولو كويلو «روحانياته»، ومن المخرج الأميركي ستانلي كوبريك «عمق اللقطة السينمائية وثرائها الفني». أما نتائج تلك التأثيرات، فنجد تحققاتها منثورة على سطوح هذه الأعمال المعروضة في هذه الصالة الأنيقة.

ولو أضفنا إلى تلك التأثيرات المعرفية شيئا، فإن أول ما يستوقف المتأمل في هذه الاشتغالات هو عناية الفنان بفكرة أو بـ«ثيمة» المكان، إذ فضلا عن كونها دالة حضور بشري، فهو فضاء رحب وفي مدينة كوزموبوليتانية مثل لندن في آن. ومثل هذه الـ«ثيمة»، في المقابل، تبدو، كأنها تراهن على ما يستحضره المكان من معان. ولربما تذكرنا بإعادة النظر في ما حولنا من مشاهد رتيبة ألفتها أعيننا من فرط عاديتها. كيف نعيد النظر في ما يحيط بنا من بناء وعمران ومناظر طبيعية؟ وما شكل علاقة البشر في ما بينهم في مدينة نساء مثل لندن؟ مثل هذه الأسئلة، وغيرها، تظل تشغل مخيلة الزائر وتستوقفه وهو يطالع هذه الأعمال.

ولعل عمله المهم «قاعة ألبرت الملكية» (رويال ألبرت هول)، المنفذ بالزيت على القماش، يمنح الزائر مفاتيح أولية لهواجس الفنان، إذ يتحول هذا المكان، كملتقى لمحبي الموسيقى والغناء، إلى وظيفة أخرى، وعبر تأثيث طابقه الأرضي بحلبة للعبة التنس المضرب. ومثل هذه المفارقة تبدو كأنها دعوة إلى تجاوز ما يظهر على سطح اللوحة، بل تقترح أن متابع عالم الموسيقى أو الرياضة، في لحظة ما، يمتلكه إحساس بأن المعروض أمامه هو له وحده والأقرب إلى عالمه الداخلي. في حين نتابع في سلسلة اختفاء الفضاء الطبيعي، والمخصصة أساسا لمنطقة باتيرسي، جنوب غربي العاصمة لندن، أجواءها الليلية أو المقمرة. ففي «باتيرسي في ليلة مقمرة»، ومثله «باتيرسي في الليل»، يظهر جسر باتيرسي الشهير على يمين العملين، بينما تتموج انعكاسات معالم بناية محطة توليد الطاقة الكهربائية المهجورة على سطح نهر التيمس.

ورغم أن الفنان استعمل الألوان التكميلية الأقرب إلى الصفرة في «لوحة الليل»، بينما طغت الألوان الحارة على لوحة «الليلة المقمرة»، فإن البعد الدرامي لمعنى اختفاء معالم لندن القديمة فيزيائيا والتنبيه إليه كان غاية الفنان. وعلى المنوال ذاته، خصوصا في عمله «لندن في الليل»، زيت على القماش، والآخر «تحت عجلة عين لندن»، زيت ومواد أخرى على القماش، و«الطريق إلى العمل»، زيت على القماش، نتابع سحر مدينة لندن ومعالمها التاريخية الأثيرة عند ساشا. في حين تقتفي سلسلة ألواح عالم الطفولة «رحلة 2» و«رحلة 3» و«مثل أحلام الطفولة الداخلية»، والمنفذة جميعها بالزيت والإكليريك على القماش، ما يمكن إدراجه ضمن مسعى الفنان إلى استرجاع عوالم الطفولة الخصبة «هبة نرثها عند الولادة، وللأسف ننساها مع تقدم العمر».

إلا أن عمله «عالم الطفولة - فلسطين»، والمدرج ضمن السلسلة أعلاه، يقف وحده. فقد نفذ بطريقة تحاكي رسومات الأطفال، أكثر ما فيها دربة الفنان الأكاديمية. أما عناصرها، كيكة عيد الميلاد وجهازا الهاتف والتلفزيون وفضاء الملاعب المفتوحة والبنايات العالية وطائرة جاثمة في مكان ما وغيرها، والمنثورة على سطح اللوحة - تشي بعالم سعيد ومرغوب على الورق، لكن الواقع الشحيح يقول العكس.