حين يتلاعب الخطاب بالجماهير

المثال الكلاسيكي على «ديمقراطية صناديق الاقتراع» صعود هتلر

TT

في ختام نقاش حاد مع أستاذ القانون الدستوري جابر نصار حول مواد القضاء العسكري في الدستور المصري المقترح، قال المتحدث باسم حزب النور السلفي نادر بكار وبنبرة حاسمة: «هناك آلية اتفق عليها البشر منذ فجر التاريخ اسمها آلية التصويت.. اقنع حضرتك الشعب المصري وبعد كدا الناس تقول نعم أو لا».

كان هذا النقاش جزءا من الجدل الحاد الدائر بين الإسلاميين من جهة، والقوى الليبرالية واليسارية والأقباط من جهة أخرى، حول آلية إقرار الدستور في النظام السياسي الجديد. كانت حجة الإسلاميين المتكررة حول من يطلب منهم عدم تمرير دستور لم يحصل التوافق عليه بين القوى السياسية، هي أن الحكم بيننا هو صناديق الاقتراع وما ترتضيه الأكثرية.

ولم يتوان حتى الرئيس محمد مرسي، الذي أكد سابقا اشتراطه التوافق السياسي لأي دستور يمرر، عن استخدام هذه الحجة في تعليقه على الاشتباكات أمام قصر «الاتحادية»، متسائلا في خطابه الذي بثه التلفزيون المصري: «لا بد وأن ننزل جميعا على إرادة الشعب، وهذه الإرادة لا تعبر عنها التجمعات الغاضبة، ولكن بالحوار والسكينة التي تنزل فيها الأقلية على رأي الأغلبية، وهذه هي الديمقراطية»، ولم تمض أيام قليلة حتى كان مرشد الإخوان محمد بديع ورجل التنظيم القوي خيرت الشاطر يكرران الحجة ذاتها. بينما كان محمد البرادعي القيادي في الجبهة الوطنية المعارضة يكتب في موقعه على تويتر: «في وجود رئيس محصن له صلاحيات مطلقة وغياب سلطة قضائية، ومشروع دستور يؤسس للاستبداد، يكون الاحتكام إلى الصندوق خديعة فاقدة للشرعية وديمقراطية زائفة».

فهل الديمقراطية، التي قامت من أجلها ثورة يناير (كانون الثاني)، تعني بالفعل خضوع الأقلية للأكثرية عبر صناديق الانتخاب، هكذا بالمطلق كما يحاجج الإسلاميون؟ إن عودتنا إلى تاريخ تطور الحريات والديمقراطية تكشف لنا أن الانتخاب لم يكن يوما مساويا للحرية، وأن الحريات كثيرا ما ترعرعت بعيدا عن جلبة الانتخابات، بل إن الاستبداد كثيرا ما داهم البشر عبر صناديق الاقتراع.

إحدى أهم اللحظات التي كرست الديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة الأميركية هي الحرب الأهلية الأميركية، وهي لحظة تاريخية تكشف كيف تنمو حقوق الإنسان والحريات الفردية أحيانا ليس بالتصويت والانتخابات ولكن على الرغم منهما. كانت العبودية والتفرقة العنصرية قد تجذرتا في الجنوب الأميركي من خلال النظام الديمقراطي، وواجه الذين حاربوا العبودية مشكلة أن أغلبية الناخبين الجنوبيين دافعت عنها بشراسة، ولم يمكن التخلص منها إلا بعد أن سحقت قوات الشمال الجنوب. ولاحقا، حصل التقدم - الذي سبق قانون الحقوق المدنية عام 1964 التي أنهت نظام التمييز العنصري الذي خلف العبودية - بفعل تدخل السلطة التنفيذية أو عبر قرارات المحكمة العليا، كدمج السود مع البيض في المدارس على سبيل المثال.

الديمقراطية الليبرالية تعني أن النظام السياسي محكوم ليس فقط بواسطة الانتخابات الحرة ولكن أيضا بحكم القانون وفصل السلطات، وحماية الحريات الأساسية للحياة والتعبير والتجمع والدين والملكية وحرية الصحافة، انطلاقا من التأكيد على أن للبشر حقوقا طبيعية تولد مع خروجهم للحياة. ويشرح الكاتب الأميركي فريد زكريا في كتابه المهم «مستقبل الحرية» بأن هذه الحزمة من الحريات والحقوق ليس لها رابط جوهري بالديمقراطية «إذا اقتصر معناها على الانتخابات الحرة ورأي الأكثرية»، فلطالما تطور نمو الحريات الفردية تحت أنظمة حكم غير منتخبة، وتحولت لاحقا إلى نظام ديمقراطي تقوم فيه الانتخابات على احترام مكتسبات الأفراد من حقوق وحريات.

يجدر ببواكي الديمقراطية الجدد، الذين يترافعون حول أحقية أكثرية صندوق الانتخاب في صياغة مجمل النظام السياسي، يجدر بهم أن يتعرفوا إلى ما حصل «لإخوانهم» المسلمين في الهند على أيدي الأغلبية الهندوسية المنتخبة. بعد تزايد المد القومي والطائفي في الهند وصل حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي الأصولي إلى السلطة عبر انتخابات شارك فيها ما يزيد على نصف السكان، استخدم الحزب خطابا قويا للقومية الهندوسية ويعادي الإسلام والمسيحية، ونظم حملة وطنية هائلة لتحطيم مسجد في شمال الهند، وشرع في إعادة كتابة تاريخ الهند لإضافة طابع هندوسي وتقليل الإشارات إلى المسلمين والأقليات الأخرى، وحينما وجد الحزب نفسه في خضم مشكلة سياسية أذكى مزيدا من النزاع الديني، فقامت حكومته المحلية بدعم مذبحة في غوجارات عام 2002، راح ضحيتها آلاف الرجال والنساء والأطفال المسلمين، وسمحت بالتطهير العرقي لعشرات الآلاف من أحيائها وبلداتها. المثير جدا أن كل الدلائل تشير إلى أن ذلك ساعد في تمتين القاعدة الانتخابية الهندوسية لحزب «بهاراتيا». لم يكن ذلك العنف المدعوم حكوميا موجها ضد المسلمين فقط، فبين عامي 1989 - 1999 قتل مسيحيون وأحرقت الأناجيل ونهبت الكنائس واغتصبت الراهبات في هجمات مدفوعة دينيا، وأعاقت الحكومة المنتخبة التحقيق في هذه الجرائم. كان جيمس ماديسون أوضح في الأوراق الفيدرالية أن «الخطر من الظلم في الديمقراطية يأتي من أغلبية المجتمع».

في تفسيره لآلية استبداد الأغلبية إن لم تردع بضمانات دستورية تحمي كل مواطن وكل أقلية، يقول فريد زكريا: «السبب بسيط: بينما المجتمع ينفتح والسياسيون يتدافعون للوصول إلى مراكز القوة، يناشدون الجمهور باستعمال الأصوات واللغة الأكثر فاعلية، أي لغة تبني تماسكا للمجموعة في مواجهة المجموعة الأخرى. في أغلب الأحيان هذا يذكي نيران النزاع العرقي أو الديني. وأحيانا يتحول النزاع إلى حرب شاملة».

المثال الكلاسيكي على الفاشية المترتبة على تصويت انتخابي ضمن ديمقراطية غير ليبرالية هو صعود أدولف هتلر إلى السلطة. في عام 1932 أجرت ألمانيا انتخابين وطنيين، وحل الحزب النازي في المرتبة الأولى في كلا الانتخابين، وحصد 37 و33 في المائة من الأصوات، وفي انتخابات 1933 فاز بـ44 في المائة من الأصوات وطلب منه تشكيل الحكومة، واستفاد الحزب النازي من العملية الديمقراطية لتنظيم صفوفه والانتشار إلى البلدات والمدن الصغيرة. وتحت تأثير الكساد الاقتصادي تعلقت الجماهير الألمانية بوعود القيادة الجريئة في استعادة قوة الأمة. وكلما ازداد تطرف خطابات هتلر، ازدادت شعبيته أكثر، باقي القصة معروف وبشع. يقول أحد دارسي الدمقرطة جاك سنايدر: «إن القومية الاستبدادية العنصرية انتصرت في نهاية جمهورية فيمار (تأسست في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى) لا رغما عن دمقرطة الحياة السياسية، لكن بسببها».. يعني بسبب توسع القاعدة الانتخابية دون أي ضمانات لفصل السلطات وحكم القانون وحماية الحريات الفردية.

وفي مثال صارخ على ما يمكن أن تفعله الأكثرية بالأقليات حين تطلق يدها لتفعل ما تشاء هو ما حصل للبوسنيين على أيدي القوات الصربية باسم التطهير العرقي وتحقيق تجانس الأمة ثقافيا، فميلوسوفيتش - المنتخب عام 1990 - والقوميون الذين هم أشد تطرفا منه يمثلون أكثرية مرموقة من الرأي العام الصربي.. «إن ما جرى في البوسنة يبرهن على أن الديمقراطية لا تتعرف بالمشاركة، بل باحترام الحريات والتنوع»، كما يقول ألان تورين في كتابه: «ما الديمقراطية.. حكم الأكثرية أم ضمانات الأقلية؟».

في المقطع الشهير بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر في مارس 2011، يجلس الشيخ السلفي المهيب محمد حسين يعقوب وسط طلابه في مسجد «الهدى» بإمبابة في أحد مساءات الأحد، مكبرا تكبيرات العيد مع الحضور بترديد يملأ جنبات المسجد، وبابتسامته العريضة يبشرهم: «لقد كانت هذه غزوة.. اسمها غزوة الصناديق، ولقد قالت الصناديق للدين (نعم)»، مشيرا لقبول التعديلات الدستورية في ذلك الاستفتاء، ثم يوجه كلامه للقوى المدنية: «الدين هيدخل في كل حاجة، مش دي الديمقراطية بتاعتكم؟ الشعب قال نعم للدين، واللي يقول البلد ما نعرفش نعيش فيه، أنت حر، ألف سلامة، عندهم تأشيرات كندا وأميركا»، ثم عقب موضحا رؤيته لطبيعة الاستفتاء الذي تم: «القضية ليست قضية دستور.. انقسم الناس إلى فسطاطين، فسطاط دين، فيه كل أهل الدين والمشايخ، كل أهل الدين بلا استثناء كانوا بيقولوا نعم»، واختتم كلمته مطمئنا أنصاره: «ما تخافوش.. خلاص البلد بلدنا».

السؤال الأهم تجاه هذه «الفاشية الصريحة» هو معرفة مواقف الجماعة الإسلامية الأهم، التي تقدم نفسها تيارا إسلاميا أكثر اعتدالا من التيار السلفي، وهي جماعة الإخوان المسلمين، من حكم الدستور، وفصل السلطات، وحماية حقوق الإنسان، والحريات الفردية، والسماح بمعارضة نشطة ومجتمع مدني حيوي.

بالعودة إلى نصوص مؤسس الجماعة حسن البنا (1906 - 1949) نلاحظ اضطرابا بين خطاب الإصلاحية الإسلامية مطلع القرن العشرين، التي قبلت الدولة الدستورية والتعددية السياسية، وبين إحيائية إسلامية، تكرست مع المنظّر اللاحق للإخوان المسلمين وهو سيد قطب، التي رفضت نموذج الدولة الغربية بتحكيمها الشعب بوصفه مصدرا للسلطات واحترامها الدستور وتشديدها على التعددية السياسية.

البنا، وفي نصوص عامة، قبل الدستور المصري - دستور 1923 - إلا أنه نبه إلى قصور في عبارات الدستور، وسوء في التطبيق، وتقصير في حماية القواعد الأساسية التي جاء بها الإسلام وقام عليها الدستور، وشكا من أن كثيرا من القوانين التي تسير عليها المحاكم تتنافى صراحة مع الإسلام (الرسائل 237). وتساءل البنا: «إننا نقلنا هذا النظام النيابي عن أوروبا، فإلى أي مدى ينطبق على الإسلام؟» وكإجابة عن ذلك، رأى أن النظام النيابي لا يتعارض مع الإسلام، لكنه رفض بشدة وبتكرار التعددية الحزبية. وبخلاف ما يبرر به هذا الرفض من أنه رفض للحزبية القائمة وقتها في مصر، فإن نصوص البنا كانت صريحة في اعتبار أن النظام الحزبي مخالف للإسلام وإلى ما يدعو إليه من توحد الأمة. خاطب البنا أحد مؤتمرات طلبة «الإخوان» قائلا: «أعتقد أيها السادة أن الإسلام، وهو دين الوحدة في كل شيء..لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه، والقرآن الكريم يقول (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)» (الرسائل 338). وبعد أن ذم الحزبية في موطنها الأوروبي لأنها سببت الفرقة، فإنه يشير إلى أن ما دعا أوروبا إلى تبني الحزبية هو تباين المشارب واختلاف الآراء، وأن الأمم الإسلامية قد حماها الله من ذلك كله، وعصمها بوحدة الإسلام؛ إذ لون الحياة الاجتماعية فيها واحد في أصوله واتجاهاته العامة، ولذلك يرى أنه «لا مناص بعد الآن من جمع قوى الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها»، ثم يُنظم المجتمع في ظل الوحدة التي يفرضها الإسلام.

ومن ناحية أخرى، اشترط البنا أن من يتقدم للبرلمان يجب أن يكون من أهل الحل والعقد بصفاتهم المحددة سلفا، وعدم السماح لغيرهم بالترشح للبرلمان (الرسائل 242). وبلا شك أن هذه الوحدة التي يتصورها البنا للدول في النظام الاجتماعي وفي المصالح المفترضة وفي الرؤى المتداولة لوجهة أي بلد اقتصاديا وسياسيا، هي وحدة متوهمة، كل وظيفة التشديد عليها هو نزع شرعية التعددية السياسية التي لا تقوم ديمقراطية إلا بها.

ولم يدع حديثه المطنب عن الوحدة على أساس الإسلام، التي ربطها في إحدى رسائله باجتماع الكلمة والجماعة والتي يستحق من يفارقها القتل، عائما وقابلا لتفسيرات متناقضة؛ بل فصله في مطالب محددة تعرف بالمطالب الخمسين، أشار لها ابتداء في المؤتمر السادس لجماعته عام 1941، ثم كان أكثر تحديدا لها في «رسالة النور»، التي أرسلها للقيادات السياسية وأهل الرأي في العالم الإسلامي في شهر مايو (أيار) عام 1947 (قبل اغتياله بـ18 شهرا) وروح مطالبه، التي تكشف عن تصوره لدولة شمولية، مسكونة بحدة لا تستر نفسها تجاه ما اعتبره تغريبا وعادات أجنبية ضارة انتشرت في بيوت الطبقة الراقية خصوصا (وهي حدة - تجاه الغرب المفلس في نظر البنا والتغريب والإلحاد الذي جاء به - تملأ رسائل البنا خاصة رسالة «بين الأمس واليوم» وهي تضعف موقف من يصنف البنا امتدادا للإصلاحية العربية)، وهذه المطالب تكشف، بالإضافة لنوع الوحدة الاجتماعية والسياسية التي كان البنا يطالب بها وينظر لها كثيرا في رسائله، أيضا موقفه من الحريات الفردية في مجتمع يعج بالتنوع كالمجتمع المصري.

فبالإضافة لتكرار مطلبه حول توجيه قوى الأمة في وجهة واحدة ووصف واحد، فهو يطالب بالتفكير في توحيد أزياء الأمة تدريجيا، وتوجيه الصحافة وتشجيع الكتاب على طرق المواضيع الإسلامية الشرقية، والقضاء على الروح الأجنبية في البيوت من حيث اللغة والعادات والأزياء والمربيات، خاصة في بيوت الطبقة الراقية، واعتبار دعوة الحسبة، ومراقبة سلوك الموظفين الشخصي، ومراقبة دور التمثيل وأفلام السينما والروايات والأشرطة، ومراقبة ما يشتغل به رواد المقاهي وإرشادهم لما ينفعهم، وعدم السماح لها بالفتح لوقت طويل، وتنظيم المصايف بما يقضي على الفوضى والإباحية، وغير ذلك من مطالب تعبر عن نوع العلاقة بين الدولة والمواطن كما يتصوره البنا، واحتوت الرسالة على مطالب سياسية واقتصادية أخرى.

أفكار سيد قطب - المنظّر الأهم لـ«الإخوان» بعد البنا - بعد ثورة يوليو (تموز) 1952 حين كان قريبا من الضباط الأحرار كانت أكثر وضوحا في الشعبوية التي تدعو لتجاوز الدستور وتوحيد قوى الأمة والتبرير للديكتاتورية باسم التطهير. يقول قطب في مقال له بجريدة «الأخبار» بتاريخ 8 أغسطس (آب) 1952 تحت عنوان: «استجواب إلى البطل محمد نجيب»: «إن الرجعية اليوم تتستر بالدستور، وهذا الدستور لا يستطيع حمايتنا من الفساد إن لم تمضوا أنتم في التطهير الشامل الذي يحرم الملوثين من كل نشاط دستوري ولا يبيح الحرية إلا للشرفاء.. قد احتمل هذا الشعب ديكتاتورية طاغية باغية شريرة خمسة عشر عاما أو تزيد.. أفلا يحتمل ديكتاتورية عادلة نظيفة ستة أشهر!». وفي وقت لاحق وبعد سجنه وتعذيبه على يد الضباط الأحرار، كتب قطب رافضا أي شكل لدولة حديثة دستورا وبرلمانا وتشريعا.

واقع الحال، أن ثورة الضباط الأحرار وحدت قوى الأمة في حزب واحد كما تمنى البنا، وسعت لديكتاتورية عادلة كما طالب سيد قطب، ولكنها إذ فعلت ذلك بدأت بـ«الإخوان» أولا فعلقتهم على المشانق وأودعتهم غياهب السجون.

ضمن التأريخ الكلاسيكي لتطور الفكر الديمقراطي لـ«الإخوان» في مصر، يشار لمشاركتهم المحدودة في الانتخابات البرلمانية طوال عقد الثمانينات، وبيانهم عام 1994، الذي قبلوا فيه التعددية السياسية إذا كانت في إطار دستور إسلامي، إلا أن الأكثر مصداقية هو تتبع سلوكهم وخطابهم السياسي بعد انفتاح المجال السياسي أمامهم عقب ثورة «25 يناير»، وتتابع الإشارات المقلقة حول عدم احترامهم الديمقراطية باعتبارها حماية للتنوع والاختلاف لا سبيلا للهيمنة والاستئثار، أو اهتمامهم بالحريات الفردية وفصل السلطات وحرية الصحافة.

ردا على الاتهامات المتكررة لـ«الإخوان» بأخونة الدولة المصرية، أبدى سعد الحسيني، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين اندهاشه قائلا: «الرئيس محمد مرسي نجح في الانتخابات بالشرعية وأصوات الناخبين، ومن الطبيعي أن يحكم مصر مستعينا بـ(الإخوان) وهذه هي الديمقراطية، مما يعني أن أخونة الدولة هي الديمقراطية»،

تحت عنوان: «إنها معركة عقيدة: مستقبل الصراع بين الإسلام وأعدائه» كتب محمد الخطيب عضو مكتب الإرشاد السابق في مقال منشور بموقع حزب الحرية والعدالة الإخواني مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي - أثناء الصراع السياسي حول الإعلان الدستوري – قائلا: «وما يدور الآن في بلاد الإسلام، وعلى رأسها مصر، ما هو إلا امتداد لهذه الأحقاد يحملها كل مَنْ بَعُدَ عن الله ووقع في قبضة الشيطان الذي يحركه اتجاه لمحاربة الإسلام، والكيد للمسلمين، والحرص على التخريب والإيذاء المتعمد لأمة مسلمة تريد أن تعيش للبناء والتعمير والسعي في الأرض لعمارتها، لكن هؤلاء لا يريدون إلا الفساد والتخريب وإهلاك الحرث والنسل والصد عن سبيل الله، ونقول لهم: إن سعيكم باطل ومردود عليكم، وإن أكاذيبكم مكشوفة، وإن إعلامكم مفضوح».

ويمتلئ خطاب القيادات الإخوانية بلغة التخوين للمعارضة السياسية منذ أن اشتد الصراع السياسي بعد الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي، وقبل ذلك بنحو سنة تعرض عضو مكتب الإرشاد السابق عبد المنعم أبو الفتوح للتخوين والتشهير حين اختلف مع الجماعة وخرج منها، فحذر محيي الزايط مسؤول شرق القاهرة داخل «الإخوان» وعضو مجلس شورى الجماعة من أن أبو الفتوح «ممكن يضعنا في السجون كما فعل عبد الناصر»، بينما أقسم مجدي فتحي أحد قيادات «الإخوان» بالبحيرة في لقاء توضيح رؤية لشباب الجماعة، على أن أبو الفتوح «سيضع من يدخل الجامع ويقرأ القرآن في السجن وسيمنع النساء من لبس الحجاب». نجد أنفسنا أمام خطاب لا يحتمل أية معارضة جادة له؛ بل يندفع إلى تخوينها؛ وهي إحدى أهم خصائص الفاشية.

* ينشر محررا بالتزامن

مع مجلة «المجلة»