أخطبوط الحرس الثوري الإيراني

ضابط الاستخبارات العسكرية السابق أوهيرن يكتب عن الحرب الطويلة بين إيران وأميركا

«الحرس الثوري الإيراني» المؤلف: ستيفن أوهيرن دار النشر: «بوتوماك بوكس»، الولايات المتحدة، 2013. 271 صفحة
TT

على مدى أكثر من 30 عاما، استمرت الجمهورية الإسلامية في إيران في شن حرب متدنية الحدة ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط. وقد حصدت هذه الحرب غير المعلنة أرواح مئات الأميركيين، من بينهم كثير من جنود البحرية والجيش الذين لقوا مصرعهم جراء تفجيرات على جانب الطريق في العراق وأفغانستان.

وقد تمثل سلاح إيران الرئيسي في هذه الحرب في قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وهي منظمة شبه عسكرية تأسست في عام 1979 بمساعدة جماعات مسلحة فلسطينية.

منذ ذلك الحين، تحولت قوات الحرس الثوري إلى جيش بديل له أسطوله وقواته الجوية ووحداته الخاصة. وبعد أن أوكلت إلى آية الله الخميني الراحل مهمة «تصدير» الثورة، شكل وحدة خاصة تعرف باسم فيلق القدس لتنفيذ عمليات مختلفة ضد أعداء النظام الخميني بمختلف أنحاء العالم.

يتناول كتاب ستيفن أوهيرن الجديد دراسة لقوات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس مع تركيز خاص على عملياتهم الموجهة ضد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان. ولدى ضابط الاستخبارات العسكرية المتقاعد، أوهيرن، قدر من الثقل يكفل له الكتابة عن هذا الموضوع، لمجرد أنه له تجربة شخصية مع محاولة تتبع قوات الحرس الثوري في العراق.

يعرض أوهيرن ثلاثة ادعاءات. أولها أن التهديد الموجه من قوات الحرس الثوري الإيراني، رغم الجدل المثار حول حجمه ودرجة فاعليته، حقيقة واقعة قد يتجاهلها العالم الخارجي على نحو يعرضه لمخاطر. فقادة إيران الحاليون، بدافع من إصرارهم على زعزعة الاستقرار والمساعدة في إسقاط الأنظمة الموالية للغرب، لا يتورعون، إن استطاعوا، عن استغلال قوات الحرس الثوري بأسلوب شديد العدوانية.

ثانيا، يؤكد أوهيرن على أن الولايات المتحدة، الهدف الأساسي ولكن ليس الوحيد، للحملة الإيرانية، عاجزة عن أو غير مستعدة لتقدير حجم التهديد. وفي واقع الأمر، لكتاب أوهيرن عنوان فرعي هو: «التهديد المتنامي بينما تغط أميركا في سبات». يذكر العنوان الفرعي بكتاب ألفه الرئيس الأسبق جون كنيدي عن صعود التهديد النازي، بينما كانت أوروبا تغط في سبات قبيل الحرب العالمية الثانية.

ويعتبر ادعاء أوهيرن الثالث مثيرا بالمثل. فهو ينبذ الاعتقاد التقليدي القائل إن الانقسامات التقليدية بين الشيعة والسنة في الإسلام تمنع النظام الخميني من تشكيل تحالفات ضد الخصوم المشتركين.

بعدها، يتجه إلى التلميح بأن إيران كانت تساعد تنظيم القاعدة في نواحي التدريب والتكتيكات الحربية والإمداد بالأسلحة لعدة سنوات، وربما ضلعت بدور غير مباشر في الهجمات على نيويورك وواشنطن يوم 9 سبتمبر (أيلول) 2001.

بحسب أوهيرن، استخدمت إيران الفرع اللبناني من حزب الله في إقامة رابط بتنظيم القاعدة.

كتب: «فتح حزب الله دورات لأعضاء بتنظيم القاعدة سافروا إلى لبنان لتلقي التدريب. وقام تنظيم القاعدة بشراء دار ضيافة في وادي البقاع، حيث عاش أعضاء التنظيم أثناء تلقيهم التدريب على يد خبراء في حزب الله على استخدام المتفجرات في تدمير هياكل ضخمة».

ربما يبدو مفاجئا أن يساعد حزب الله الشيعي في تدريب الجهاديين السنة. ورغم ذلك، فإن قوات الحرس الثوري الإيراني قد تلقت جزءا من التدريب على يد جماعات فلسطينية من السنة أو المسيحيين أو الماركسيين اللينينيين. وبدافع من كراهيتهم المشتركة للولايات المتحدة، واجهوا صعوبات محدودة في تجاهل الانقسامات الدينية أو الآيديولوجية.

وفقا لأوهيرن، فإن عماد مغنية، الذي كان أحد كبار القادة العسكريين بالفرع اللبناني لحزب الله، زار مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في الفترة التي عاش فيها في السودان. كذلك، لعب صهر مغنية، مصطفى بدر الدين، دورا في ذلك. يشير أوهيرن إلى أن أحد مقاتلي تنظيم القاعدة المعتقلين الذي كان في السودان في تلك الفترة قد شهد الاجتماعات الحاسمة.

وبحسب الكتاب، فإن أفرع حزب الله اللبنانية، على غرار أفرعه في دول أخرى، تعد جزءا لا يتجزأ من الهيكل العسكري الأمني للحكومة الإيرانية. وقد تم تعيين مغنية من قبل جهاز الاستخبارات الإيراني في عام 1982 وظل على قوائم موظفيه حتى وفاته في دمشق بعد أكثر من ربع قرن. وهو يعتبر زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله أيضا موظفا بالحكومة الإيرانية، ويخضع لسيطرة مباشرة من قوات الحرس الثوري الإيراني.

وبينما يلمح أوهيرن إلى الجذور الآيديولوجية لقوات الحرس الثوري الإيراني، إلا أنه لا يدرسها تفصيليا. ولو كان قد فعل ذلك، لأولى مزيدا من الاهتمام إلى الدوافع التي يمكن أن توحد صفوف أناس من ديانات وخلفيات عرقية وسياسية مختلفة في معركة مشتركة ضد «الشيطان الأعظم» الأميركي. في حقيقة الأمر، من بين الأحد عشر شخصا الذين يشير إليهم أوهيرن باعتبارهم المؤسسين الأصليين لقوات الحرس الثوري الإيراني، كان ستة على الأقل قد تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، فيما كان أربعة على الأقل، من بينهم مصطفى شمران وإبراهيم يازدي، مواطنين متجنسين بالجنسية الأميركية.

لقد فازت طهران بفضل رسالتها المعادية للأميركيين بعدد من الحلفاء في أميركا اللاتينية، حيث ساعد عدد من الأنظمة الجديدة يسارية النزعة قوات الحرس الثوري الإيراني في إنشاء رؤوس جسور فيما اعتاد أن يكون ساحة خلفية لواشنطن. وتمتلك قوات الحرس الثوري الإيراني الآن «أصولا تشغيلية» في فنزويلا والإكوادور ونيكاراغوا وبوليفيا، وتحتفظ بوجود سياسي في الأرجنتين وفنزويلا وكوبا. في معظم الحالات، وظفت قوات الحرس الثوري الإيراني جماعات عرقية لبنانية وسوريا في تلك الدول كمخلب قط.

على نحو يتوافق وموقف الولايات المتحدة الباهت في هذه الحرب، تجئ لهجة أوهيرن تشاؤمية. ورغم ذلك، فإنه يخصص في نهاية الكتاب، فصلا للحديث عن السبل التي تستطيع من خلالها الولايات المتحدة تحقيق النصر. تتمثل الخطوة الأولى، بحسب أوهيرن، في توضيح التهديد الذي يمثله النظام الخميني في طهران بالنسبة للولايات المتحدة لعموم الأميركيين، وهو يقترح ذلك لاستبعاده أن تشن الولايات المتحدة حربا فورية ضد الجمهورية الإسلامية، وكذلك لتشكيكه في قدرة العقوبات الاقتصادية وغيرها من أنواع العقوبات الأخرى على تغيير سلوك طهران.

ومع ذلك، هو يقترح أيضا أن تذيق الولايات المتحدة إيران كأسا صغيرا من انتقامها، أي أن تشن ضدها حربا متدنية الحدة. وهكذا يبدو، أن هذا الصراع هو صراع طويل الأمد لن ينتهي، أو بالأحرى لا يمكن أن ينتهي، من دون حدوث تغيير في النظام في طهران.