الرواية السعودية.. هل تراجعت؟

ميرزا الخويلدي

TT

الرواية كانت العنوان الأبرز الذي تصدر حركة الإبداع في المشهد الثقافي السعودي، منذ عام 2001. لكنها اليوم تتراجع. وتراجعها ليس ضاراً بالمطلق، فقد شهدت الساحة طفرة روائية لا سابق لها. فمنذ عام 2001 الذي شهد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ولمدة خمس سنوات تالية أصدر السعوديون تقريباً ما معدله نصف ما أنتجوه في تاريخهم. فمنذ صدور رواية «التوأمان» لعبد القدوس الأنصاري، وهو أول عمل روائي في المملكة عام 1349 - 1930. حتى نهاية عام 2009 بلغ عدد الروايات نحو 574 رواية. وكانت الفترة من 1991 حتى 2000، قد وصل الإنتاج الروائي فيها إلى 98 رواية فقط. لكن خلال خمس سنوات شهدت الفترة بين عامي 2001 حتى 2006 صدور نحو 206 روايات. ودائما بحسب الدراسة الهامة التي وضعها في ثلاثة أجزاء الباحث والقاص السعودي خالد اليوسف تحت اسم (معجم الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية: دراسة تاريخية ببلوجرافية ببلومترية).

اليوسف لاحظ في دراسة أخيرة، أن الرواية تتراجع، وأن حجم الإنتاج الروائي في السعودية انخفض إلى النصف تقريباً في عام 2012 مقارنة بالعام الذي سبقه، فقد تراجع العدد من 100 رواية عام 2011 إلى 66 رواية فقط عام 2012، فهل كان الأمر مجرد تصحيح لظاهرة (الفقاعة) التي شهدتها الرواية السعودية، حتى أصبحت فن من لا فن له، وشغل من لا شغل له؟، أم أن الحكاية الشعبية أخذت مداها، ولم يعد هناك ما يمكن أن يكتب في السيرة العامة للمجتمع؟.

من المعلوم أن الرواية تعكس حيوية وحراك المجتمع. وكثرة الروايات ظاهرة صحية، مهما اجتذبت من أعمال سطحية. أو أثارت من زوابع نتيجة تجديفها في المياه الآسنة، أو كسرها للتابوهات الاجتماعية.

هي مرآة تعكس أعمق وأوسع وأكثر شمولاً مما يحيط به غيرها من الفنون. والرواية السعودية واكبت حركة المجتمع منذ قيام الدولة، وتأثرت طردياً بكل الانعطافات الهامة التي شكلت تاريخ المملكة، وكانت شاهداً على توثيق وتسجيل المراحل التي مر بها المجتمع والدولة، وشهدت نهضة حقيقية في التسعينات، لكنها أصبحت أكثر تأثيراً حين تمكن عدد كبير من الشباب والشابات السعوديين التعبير بصوت مرتفع عن رأيهم في القضايا التي تخصهم وتخص مجتمعاتهم.

شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر «خضة» عنيفة للمجتمع، أعقبها بروز تيارات فكرية تسعى للتعبير عن تمايزها، كما ظهرت أصوات في الغالب شبابية هالها أن يجري مصادرتها، ولذلك فإن الأعمال الروائية التي اشتهرت تناولت السجالات الفكرية بطريقة أو بأخرى، وكانت على نحو كبير قريبة جداً من توثيق مرحلة اكتظت بالتنازع بين التيارات. وشكلت تمرداً على كثير من المحرمات التي ألفها المجتمع، وأمام الفوضى التي اشتكى منها كثير، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة والجنس والجرأة على نقد المؤسسة الدينية، فإن الرواية اقتربت من الهموم العامة للمجتمع واستطاعت أن تبني جسوراً نحو الآخر، واتسمت بحس إنساني. وستبقى تلك الروايات واحدة من الوثائق لقراءة مرحلة هامة في تاريخ المجتمع.

وبرأي الناقد الدكتور حسن النعمي فإن «الرواية السعودية من أجرأ الخطابات التي ناهضت أشكال التمييز والتصنيفات القبلية والمذهبية الموجودة في المجتمع». وأن الرواية أدت دوراً تنويرياً في كشف إشكالية التصنيف العنصري.

من الطبيعي أن تستقر حركة الإنتاج الروائي، وخلال الأعوام التالية لمرحلة الطفرة صدرت فعلاً أعمال جادة وقوية وأكثر التزاما بتقنيات العمل الروائي، لكن الرواية باعتبارها سيرة مجتمع لا يمكن أن تخبو في مجتمع متحرك.