خميس «معهد العالم العربي» في شتاء باريس

تكريم الطيب صالح ومحمد أركون

الطيب صالح و محمد أركون
TT

إذا شاء الزائر لمعهد العالم الغربي في باريس أن يختصر ارتياده للمعهد فما عليه سوى حضور «خميس المعهد»، حيث ملتقى الثقافات والمعارف العربية أو التي لها علاقة بالعالم العربي الإسلامي.

وقد أراد الخميس، في شتاء 2013، فعلا، الإنصات لنبض الشارع العربي، فكان هذا البرنامج للشهور الثلاثة الأولى من سنة 2013. ولعل غزة كانت حاضرة ولا تزال في قلب الحدث. من هنا انتبه المعهد لأغنية فرقة «زبدة» عن هذه المدينة المنكوبة باستمرار. فقرر تنظيم نقاش عن «راهن غزة.. مستقبل فلسطين» (أي الضفة الغربية وقطاع غزة)، بمشاركة جان - بيير فيليو، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية، وبنجامين بارث، مراسل صحافي لجريدة «لوموند»، وصاحب كتاب «سفر في قلب السراب الفلسطيني».

كما أن الخميس سيتطرق لملف «الضواحي (الفرنسية) ورِهانَات قَطَر!» عن رغبة الدولة القطرية في ضخ أموال في الضواحي الفرنسية، والتي لاقت استحسان البعض في فرنسا (التخفيف من أزمة هذه المناطق)، ورفض البعض الآخر، خوفا من تداعياتها.

رغبة من الخميس في متابعة الربيع العربي، سينظم نقاشا تحت عنوان «إلى أين وصل الانتقال الديمقراطي في تونس؟»، في ظل عدم الاستقرار الظاهر في البلد، بعد سقوط بن علي. وغير بعيد عن الربيع العربي يتساءل خميس المعهد «مَنْ هُم السلفيون؟»، وهي محاولة للإجابة عن سؤال يُؤرق الباحثين وأصحاب القرار في الغرب، عن هؤلاء الذين سمعنا عنهم بقوة بعد انتفاضات تونس ومصر وليبيا ولا نزال نسمع عنهم في المغرب وسوريا ولبنان.

ضيف الخميس الكبير هو الباحث السياسي والاستراتيجي المرموق باسكال بونيفاس، وسيتحدث عن القضية الفلسطينية (التأثيرات الاستراتيجية للصراع العربي - الإسرائيلي) بعد 65 سنة من تقسيم فلسطين التاريخية وبُعيد اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين عضوا مُراقبا.

وعلى هامش صُدُور كتاب «تاريخ المغرب» للمؤرخ دانييل ريفي، المتخصص في تاريخ المغرب الغربي إبان الحقبة الكولونيالية، سيجري نقاش حول «المغرب في نظر المؤرخين»، وهو محاولة لدراسة تحولات المغرب من دولة المخزن الماضوية والقروسطوية إلى عصر الربيع العربي والثورات المحدقة. تساؤل عن عناصر الثبات ومقومات التأقلم الضرورية.

لسنا بعيدين عن الاحتفالية باستقلال بلد المليون ونصف المليون شهيد، ومن هنا سيعرض فيلم «الجزائر صيف 1962.. الاستقلال ذو الوجهين» من إعداد جان - ميشال موريس وبنجامين ستورا. ولأنه «لا يعرف الشوق إلا من يكابده» سيُعرض أيضا فيلم «فلسطين» من إخراج نذير دندون، وهو قصة مكابدة (تحتاج إلى عبقرية كافكا لكتابتها) فرنسي يزور فلسطين المحتلة خلال 12 يوما. قصة من قصص الاحتلال الصهيوني، الوقح والعنيف.

النساء حاضرات بقوة، من خلال «ربيع الشاعرات: صوت النساء»، بمشاركة الشاعرات عائشة أرناؤوط ونزند بيجيخاني وهالا محمد وأمينة سعيد ونهاد سلامة وسهام بوهلال وصفاء فتحي. وسيشارك الشاعر الفرنسي ليونيل راي في قراءة النصوص بلغة موليير.

ولعل الراحل الكبير الطيب صالح (ومن غيره؟!) يستحق أكثر من تكريم. فهو من رواد تفكيك العلاقة بين الأنا العربية والغرب. إن كتاب وروح رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» لن يفقدا أبدا من راهنيتهما وتأثيرهما. وسيكون اللقاء «حول الطيب صالح» محاولة للإمساك بجانب من جوانب عملاق الأدب السوداني والعربي.

في عصر الثورات العربية وربيعها، نستعيد الأندلس، الآن، بكمنجاتها، على حد تعبير محمود درويش الشاعر الفلسطيني الكبير. لكن الاستعادة هنا - ويبدو أن الأمر يتكرر باستمرار - تأتي بصفة تثير بعض الملل، هذه الأيام، حيث يتم إقحام اليهودي في كل مكان، وكأننا نحن في حالة دفاع عن النفس. عنوان الندوة: «أندلس الثقافات الثلاث». ولعل مجلة «آفاق مغاربية» (إذ الندوة ستناقش عددها السابع والستين بتاريخ 2012)، دأبت على المبالغة في رصد الحضور اليهودي في الثقافة العربية الإسلامية (ويمكن الرجوع إلى أعدادها السابقة للتأكد من هذا المنحى)، إلى درجة تدعو إلى السأم. ومما سيخفف من الأمر، لحسن الحظ، فرصة اللقاء مع الروائي والرحّالة الإسباني خوان غويتسولو الذي لا يألو جهدا في تصفية الحساب مع الإرث العنصري في تاريخ وثقافة إسبانيا، منذ توقف كمنجات درويش عن الغناء، وفي المناداة بأوروبا جديدة متسامحة.

تنتهي هذه الشهور الثلاثة بفيلم عن المفكر العربي الراحل محمد أركون، والذي نفتقده، فعلا، في هذا الزمن الذي بدأت فيه العنصريات تكشر عن أنيابها، وتظهر فيه بعض الأصوات (العربية والإسلامية) التي يسهم الغرب في صناعتها وفي إفساح المجال لانتشار رداءة تفكيرها، باسم العقلانية والعلمانية والإصلاح والتسامح وغيرها. ولعل الفيلم الذي أخرجته مريم عمراني سيعرف نقاشا دُعِي إليه أحد المتطفلين على الفكر الإسلامي، وهو عبد النور بيدار (يقدمه البرنامج باعتباره فيلسوفا، ولعل الفيلسوف الكبير الراحل جيل دولوز سينقلب في قبره لسماع هذا الوصف، وهو الذي جادل في وصف برنار هنري ليفي، وصف الفيلسوف «التفلسف هو اختراع المفاهيم»)، الذي لا يتورع عن نشر نصوص تدعو صراحة لتخريب العقيدة (تكفي قراءة عناوين كتبه التي يُطبَّل لها في الغرب: «كيف يمكن الخروج من الدين؟»، و«الإسلام بلا خضوع: نحو وجودية مسلمة»، و«الإسلام الفردي»، وغيرها من الكتب التي تبحث عن الإثارة في واقع مشحون، أصلا).