نساء يكرسن «الذكورية» ويشتكين منها

حققن حضورا لافتا في الساحة الأدبية العربية

سعدية مفرح
TT

إنها قضية قديمة - جديدة. هل يمكن تصنيف الجنس الأدبي تصنيفا «جنسيا» بين نسوي وذكوري؟ أم أن تلك التصنيفات مجرد «فقاعات» لا معنى لها ولا مضمون؟

ترفض الشاعرة والناقدة السعودية الدكتورة أشجان هندي التقسيمات الأدبية القائمة على أساس الجنس، مبينة أنها تدخل في سياق الدعاوى الجندرية البحتة: «لأن البوح الإبداعي يقوم على المخزون الإبداعي وليس التصنيف الجنسي». وهي ترى أن المبدعة السعودية حاضرة في مختلف أصناف الإبداع، وتعيش مناخا إبداعيا صحيا لا يعرف الفواصل النسوية عن الذكورية، بقدر ما يخضع للحالة الإبداعية المجردة والظروف المحيطة بها.

هندي سبق أن أعدت رسالة ماجستير عن توظيف التراث في الشعر السعودي المعاصر، بعيدا عما سمته التقسيمات والدعاوى (الجندرية) البحتة، مشيرة إلى أن الكون كله يقوم على صنفين (ذكر وأنثى) «بعيدا عن انشغالاتنا بتحديده وتصنيفه وفقا لأمزجتنا».

أما الشاعرة الكويتية سعدية مفرح، فقالت: «لفترات طويلة، كنت أتضايق من تصنيف الأدب لنسوي وذكوري، وأرى فيه نوعا من الدونية للمرأة في المجتمع، ولكن الآن علينا أن ننظر إلى هذا الأمر بشكل أكثر منطقية، فإن كان المقصود بهذا المصطلح هو حمل هم المرأة فهو موجود بيننا».

وأضافت: «كثير من الشاعرات والكاتبات تميزن عن نظرائهن من الرجال في هذا المنحى، بالتركيز على القضية الأنثوية أحيانا بشكل مفتعل، وأحيانا تبدو القضية كأنها طرحت دفاعا عن المرأة، فالأدب شعرا أو نثرا لا يحتمل الافتعال ولا التصنع. عندما أريد أن أدافع عن قضية معينة وأدواتي لا تسعفني، حينها تتحول تعبيراتي إلى نظريات، لا داعي لأن توضع في كتب الإبداع، ولذلك أستطيع أن أقول: نعم، هناك أدب أنثوي، ولكن أحيانا هذا النوع من الأدب يكتبه رجل، عندما يكون همه فقط الدفاع عن المرأة على اختلاف الصعد. وأعترف بأن الكثير من الرجال أجادوا الكتابة عن المرأة».

في ذات السياق، ترى الشاعرة والكاتبة الإماراتية صالحة غابش أن مضمون الإبداع لا يحتمل التصنيف، مبينة أن المرأة جزء مهم في البناء الإبداعي، وأنها موجودة في كل مجال، وحضورها في الساحة الثقافية الإبداعي مشرف ومشجع. وقالت: «ليس من الإنصاف أن ينظر إلى المبدعة وكتاباتها كصنف مختلف عن الأدب الذكوري، فهي عضو فعال ومؤثر في الإبداع الذي يمثل المجتمع وثقافته وتساهم في خدمة الفكر الإنساني».

وتحدثت غابش عن تجربة الإنتاج النسوي في الإمارات، فقالت: «إن المبدعة الإماراتية حققت حضورا نوعيا في الأوساط الأدبية العربية، وأصبحت مشاركة فاعلة في صنع القرار من خلال وجودها في (المجلس الوطني الاتحادي) ووصولها إلى مقاعد وزارية، وهي تشارك في التنمية الثقافية والفكرية عبر برامج موجهة لكافة قطاعات المجتمع، وتمثل الجانب الإبداعي، خصوصا في أشكال كثيرة في الآداب والفنون كالقصة القصيرة والشعر الفصيح والشعبي والرواية والتشكيل».

أما الدكتور محمد الصفراني، أستاذ النقد الحديث في جامعة طيبة، فأوضح أن هناك فرقا بين مصطلحي النسوية والنسائية، فالأول يعني ما يتعلق بقضايا المرأة في الثقافة سواء أكتبه الرجال أم النساء، أما الآخر فيعني ما تكتبه النساء تحديدا، وعلى هذا الأساس فهو يعتقد أن أكثر القضايا الثقافية النسوية الملحة لدى العنصر النسائي، بشكل عام، تكاد تتركز في قضية واحدة هي قضية ترسيخ الهوية النسائية في واقع ثقافي ذكوري.

ويرى الصفراني أن قضية ترسيخ الهوية النسائية في واقع ثقافي ذكوري تجسدت في قضايا كثيرة، هدفت المرأة من خلالها إلى ترسيخ هويتها الثقافية الأنثوية، مثل قضية الكتابة بحد ذاتها، وقضايا التابوهات وفي مقدمتها الجنس، الذي يعد من أكثر مناطق البوح المباشر وغير المباشر في الرواية النسائية، وفي الواقع غلب على توظيف الجنس في الرواية النسائية طابع الجرأة. وبالطبع، كما يضيف: «هناك فرق كبير بين طرح الجنس من أجل الإثارة ولفت الأنظار، وتوظيفه توظيفا فنيا يخدم السرد الروائي وتنامي الأحداث وصيرورتها». أما في ميدان القصة القصيرة لدى القاصات السعوديات الحديثات، فإن الصفراني يعتقد أن أبرز ما يردن الإفصاح عنه من القضايا الثقافية النسائية لا يكاد يخرج عن قضايا الروائيات، ولكن في أطر زمانية أقصر ومساحات مكانية أضيق وشخصيات أقل.

ويختتم الصفراني بقوله: «عموما، لا يعني تركيز النساء على هذه القضايا غياب تركيزهن عن القضايا الأخرى التي تخص الذكورية، في معظم الخطابات السردية النسائية، إذا ما فحصت من خلال منهجية النقد الثقافي، سنلاحظ ترسيخ المرأة الكاتبة للسلطوية الذكورية في كتاباتها بصور غير مباشرة أو واعية في معظم الأحايين».