من يتحمل مسؤولية تراجع المسرح السعودي؟

دراسة تبرئ الجمهور من أزمة المسرح وتصف بعض المسرحيين بـ«التعالي وعدم تقبل النقد»

مشهد من عرض مسرحي
TT

خلافا للأقاويل التي تحمل كلا من الجمهور والرقابة والمجتمع مسؤولية ما يؤول إليه واقع المسرح السعودي، كشفت دراسة أكاديمية حديثة عن أن أزمة المسرح السعودي يتحملها المسرحيون أنفسهم. وحملت الدراسة عنوان (العوامل المؤثرة على أداء القائمين بالاتصال في المسرح السعودي)، أعدتها الباحثة صفاء الزوري، وحصلت بموجبها على درجة الماجستير في الإعلام من جامعة الملك سعود بالرياض، بعد أن اجتازت مناقشة الرسالة قبل أيام قليلة.

ووصفت الدراسة، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، بعض العاملين في المسرح السعودي بأنهم يتسمون بـ«الغرور - الأنانية - عدم تقبل النقد - التعالي»، إلى جانب ما أظهرته الدراسة من اتسام الكثير من الممثلين العاملين في المسرح السعودي بعدم الالتزام بمواعيد العمل المسرحي، كحضور البروفات في وقتها المحدد، وكذلك ميل الكثير منهم إلى استسهال العمل المسرحي والاتجاه نحو المسرح الاستهلاكي.

وحددت الدراسة ثلاثة أنواع من الدراما المسرحية، على اعتبار أن لها الغلبة على خشبة المسرح السعودي، جاءت من حيث الأهمية كالتالي: المسرح التجريبي 34%، المسرح الاجتماعي الكوميدي 29.5%، المسرح الاجتماعي 27.3%، في حين أظهرت نتائج الدراسة أن الموهبة والتلقائية والحضور الفني والقدرة على العطاء والتعاون، هي من أبرز السمات الإيجابية للمسرحي السعودي.

وفي ما يتعلق بالعلاقة بين ثقافة المجتمع والمسرح السعودي، بينت الدراسة أن ثقافة المجتمع لا تقف عائقا أمام تطور الحركة المسرحية، وذلك خلافا لما هو متوقع، كما أظهرت الدراسة أن استنباط النصوص المسرحية إنما يكون نتاجا لثقافة المجتمع. أما عن دور المسرح في التأثير على قيم وعادات الجمهور السعودي، فقد بينت الدراسة أنه يحمل رسالة ذات تأثير كبير في عملية التغيير وإصلاح السيئ من العادات والتقاليد.

وحول تأثير الانتماءات الفكرية واتجاهات الفنان على أدائه المسرحي، فقد لوحظ تضارب آراء المبحوثين حولها، فمنهم من يرى أنه ليس لها تأثير وأن العمل المسرحي عمل محايد، وعليه يجب أن يتم تقديمه دون تحيز، وأنه فضاء آخر ينبغي ألا يتقاطع أو يؤثر على أداء الفنان المسرحي، ومنهم من يرى أن له تأثيرا كبيرا، حيث إنه حصيلة ثقافية للفنان دون تزمت، حسب ما أفادوا في الدراسة.

وأظهرت نتائج الدراسة أيضا وجود تأثير لسياسة المؤسسة التي ينتمي إليها الفنان المسرحي، في حين تباينت الآراء حول تصنيف الرقابة، فمن المبحوثين من يرى في ممارسة عملها أنه قد شابها كثير من الإجحاف، وأنها رقابة دينية وسياسية فقط، حيث لا تنظر للعمل من زاويته الفنية، أو أنها رقابة غير واعية، فهي تهتم بأمور وتجهل أمورا أخرى، حسب اعتقادهم.

وفي ما يتعلق بالعوامل المؤثرة على الأداء المسرحي، فلقد بينت الدراسة أن هناك إجماعا على أهميتها من حيث تأثيرها على الأداء المسرحي. ورأى بعض الباحثين الذين استشهدت بهم الدراسة أن العوامل الاقتصادية والسياسية تأتي في المرتبة الأولى من حيث الأهمية، بينما يرى آخرون أن المجتمع وعاداته والعوامل الذاتية والمعايير المهنية تحظى بالأولوية كعوامل مؤثرة أساسية على الأداء المسرحي.

بالإضافة إلى ذلك، تفحصت الدراسة تأثير الجمهور السعودي على الأداء المسرحي من جهة، وتأثير الفنان على الجمهور من جهة أخرى. فتأثير الفنان على الجمهور يأتي نتيجة لتمكنه من أدواته المختلفة كالموهبة والتحصيل العلمي والتمكن في أداء النص المسرحي، وفي ما يتعلق بحضور الجمهور السعودي وتفاعله مع المسرحيات العربية، أوضحت الدراسة أنه نتاج طبيعي لاكتمال العناصر المسرحية جميعها لهذه الأعمال، وقد يكون سبب الإقبال عليها حسب بعض الإفادات نتيجة لتراكم الخبرات التي يتمتعون بها، ممثلين وكتابا ومخرجين، ونتيجة لوجود نجوم كبار معروفين في الوسط الفني المسرحي يلعبون دورا أساسيا في أعمالها.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة تضمنت أسماء مجموعة من (المؤلفين والممثلين والمخرجين) في المسرح السعودي، ممن لديهم أعمال مسرحية، حيث تم حصر أسمائهم في جميع مناطق السعودية، وتم الاعتماد على اختيار عينة عمدية منهم، بينما اختارت الباحثة منهج المسح الوصفي والتحليلي، لمسح عينة من القائمين بالاتصال في المسرح السعودي، بهدف التعرف على العوامل الذاتية والمعايير المهنية والعوامل المجتمعية المؤثرة عليهم، علما أن هذه الدراسة تنتمي إلى الدراسات النوعية التي تعنى بالكيف، وذلك من خلال توظيف المناهج والأدوات توظيفا كيفيا واستخدام أداة المقابلة المعمقة كإحدى أدوات البحث النوعي.

وقد استندت هذه الدراسة إلى نظرية «حارس البوابة الإعلامية»، من خلال تحليل وتفسير العوامل المؤثرة على أداء القائمين بالاتصال في المسرح السعودي وفقا لمجموعة العوامل التي أشارت إليها النظرية متمثلة في العوامل الموضوعية الاجتماعية (ثقافة المجتمع - التقاليد - العادات - القيم)، والعوامل الذاتية متمثلة في (ثقافة القائم بالاتصال - التنشئة الاجتماعية والتعليم - والاتجاهات - الميول - الانتماءات - الجماعات المرجعية)، العوامل المهنية متمثلة في (سياسة الوسيلة الإعلامية، وعلاقات العمل وضغوطه، ومعايير الجمهور) وهي تلك العناصر التي ركزت عليها الباحثة في استمارة المقابلة المعمقة الفردية.

* المسرحيون يردون

* ويبدو أن هذه الدراسة قد أثارت شجون عدد من المسرحين السعوديين الذي أبدوا استياءهم من نتائجها، إذ يرى الناقد الدكتور مبارك الخالدي، أن هناك إجحافا في حق المسرحيين، بقوله: «بعيدا عن الدراسة المشار إليها والاستنتاجات والأحكام التي خلصت إليها الباحثة، فلو قلت أنا، في يوم من الأيام، إن المسرحيين السعوديين لا يتقبلون النقد، فإنه يجب علي أن أتقبل، وبصدر رحب، القول إن حكمي معطوب بالتعميم وبالتعالي، وبالقسوة المدمرة».

ويتابع الخالدي حديثه قائلا: «لكنني واثق بأنني لن أسمع مثل هذا الكلام، لأنني بصراحة لن أجازف ولن أتجرأ على إطلاق حكم كهذا، فمن الظلم أن نضع جميع المسرحيين السعوديين على منصة واحدة ونسدد إليهم هذا الاتهام الخطير»، وتساءل الخالدي بالقول: «كيف يمكن أن يعرف أن المسرحيين السعوديين، كلهم، يضربون بكل ما يكتب وينشر من نقد عرض الحائط؟».

من جهته، يرى الكاتب المسرحي محمد العثيم أن الدراسة «تناولت شخص المسرحي سواء كان الكاتب أو المخرج أو الممثل وبقية العاملين في المسرح، لكنها تجاهلت من يفرض رأيه في القضية المسرحية كلها، ومن يقرر طبيعة المنتج وما إذا كان عملا جيدا أو هزيلا أو رديئا»، مفيدا بأنه يقصد في حديثه هنا «المنتج».

وتابع العثيم قائلا: «تم التركيز على الذي ليس بيده القرار، فعندما يطلب المنتج كتابة نص ترفيهي لا يحمل أي مضامين نظير مقابل مادي، هنا سيقوم الكاتب المسرحي بكتابة النص!»، وأوضح العثيم أنه ما دام المسرحي لا يملك عملا آخر، فإنه ليس بالغريب أن يرتمي مجبرا في أحضان من يملي عليه الشروط.

وأردف العثيم بالقول: «لو كان المسرح قويا ومن يعملون فيه جميعهم من نخبة المسرحيين، وأقصد هنا المسرحي المثقف وليس المسرحي المهرج.. لكنا استطعنا أن نفرض الجودة على الأقل»، وكشف العثيم عن أن المثقفين الكبار من المسرحيين السعوديين باتوا يرون أن المسرح غير مشجع على الإطلاق للعمل فيه، وهو ما حمل مسؤوليته للمنتج الإداري، الذي وصفه بأنه لا يفقه في المسرح ويفرض رأيه بحكم سلطة المال، وهو ما جعل العثيم يقول: «العملة الرديئة في المسرح طردت العملة الجيدة.. مع الأسف».