حمد العيسى: العرب يعتبرون المترجم «مبدعا من الدرجة الثانية»

ترجم عددا من الكتب الأجنبية آخرها «حتى لا يعود جهيمان»

غلاف «حتى لا يعود جهيمان»
TT

على الرغم من تجربته القصيرة نسبيا في الترجمة، التي تقل عن عشر سنوات، فإن الكتاب والمترجم السعودي الدكتور حمد العيسى يمتلك سجلا من المؤلفات والتراجم يبلغ نحو ثمانية كتب، متنوعة الاتجاهات والمشارب، وهو يضفي عليها روحا جديدة، كما في كتابه الأخير «حتى لا يعود جهيمان»، الذي كان كتابا مشتركا من بحثين، الأول حمل عنوان «تمرد مكة: قصة جهيمان - قراءة جديدة» للباحث النرويجي توماس هيغهامر، والثاني «تأثير الشيخ الألباني في تشكيل السلفية المعاصرة» للفرنسي ستيفان لاكروا، لكنه أضاف سبعة ملاحق وثائقية مهمة عن حادثة الحرم المكي عام 1979، مما أدى إلى مضاعفة حجم الكتاب ثلاث مرات.

يعيش العيسى في المغرب بعد تقاعده من العمل في شركة «أرامكو السعودية» حين أصيب بجلطة في الدماغ. وخلال فترة نقاهته الصحية عكف عن التأليف والترجمة. والحوار التالي أجري معه عبر التواصل الإلكتروني من مقر إقامته في المغرب.

* كيف تختار المواضيع التي تترجمها.. لقد لاحظنا تنوعا بين الأعمال السياسية مثل كتاب «حتى لا يعود جهيمان»، والاجتماعية مثل «قصص لا ترويها هوليوود مطلقا»، ومواضيع الثقافة والتنمية البشرية؟

- بالنسبة إلي، هناك عاملان يحددان المادة المختارة.. أولا: ذوقي الشخصي.. وثانيا: وجود فكرة مبتكرة أو رسالة سامية في المادة أجدها مناسبة (أي مفيدة) للقراء العرب. وهكذا دأبي في انتقاء موادي لأنني مترجم مستقل وأترجم بمبادرة شخصية ولست أجيرا لدى صحيفة أو ناشر ليفرض علي ما يريده.

* هل تفرغك للترجمة له علاقة بإقامتك الراهنة في المغرب.. هل له علاقة أيضا بالتجربة الصحية التي مررت بها؟

- كلا، بعد إصابتي المؤسفة بجلطة في المخ قبل بضع سنوات، سافرت وأقمت في المغرب وما زلت أقيم هناك مؤقتا للراحة والنقاهة والاستجمام وممارسة العلاج الطبيعي بعد هول الجلطة. لكنني في الواقع بدأت العمل في الترجمة منذ عام 2002، أي قبل سفري إلى المغرب بعدة أعوام. وكنت قد بدأت قبلها بكتابة القصة القصيرة.

* ماذا تعني الترجمة بالنسبة إليك، لم اخترت أن تترجم أعمالا أجنبية للغة العربية؟

- بصراحة لقد أغوتني وسحرتني الترجمة تماما لأنها أولا مهنة نادرة لا يتقنها إلا القلة (وبالمناسبة ليس كل من يتقن لغة غير لغته يستطيع أن يتقن الترجمة من وإلى، لأن الترجمة في الأساس موهبة ومن ثم يأتي التخصص العلمي).. وثانيا لأنه يمكن للمترجم الجاد والمجتهد تقديم روائع معرفية عبرها بصورة قد لا يتيحها التأليف المباشر. وساعدتني إصابتي بجلطة في المخ على تفرغي وزيادة إنتاجي في الترجمة حيث قلت حركتي خارج المنزل لأنني أصبحت لا أقود السيارة مطلقا وبالتالي زادت ساعات قراءتي وعملي.

* كانت لديك بداية في التأليف عبر كتاب «أسبوع رديء آخر»، وتناولت فيه قضية حساسة وتمس آلاف الموظفين في شركة «أرامكو» النفطية، لكنك اتجهت إلى الترجمة.. هل ثمة سبب معين؟

- في الحقيقة وبالمعيار الثقافي المتداول، فقد نجح كتابي القصصي الأول «أسبوع رديء آخر» الذي صدر عام 2006 بصورة تفوق توقعاتي؛ إذ طبع ثلاث مرات حتى الآن وذلك يعود في ظني - وبحسب ما وصلني ويصلني حتى الآن أي بعد 7 سنوات من صدوره – إلى ردود الفعل الإيجابية من الموظفين والموظفات للقصة الأخيرة التي تحمل عنوان الكتاب نفسه. واتجاهي للترجمة بعد ذلك جاء باقتراح من القراء وعدد من الزملاء المثقفين ولاقتناعي بأهمية الترجمة أكثر من كتابة القصة أو غيرها من فنون الكتابة.

* لكنك حتى في موضوع الترجمة لا تقوم بالعمل بشكله الفني، أحيانا يبدو وكأنه كتاب تأليف جديد، فكتاب «حتى لا يعود جهيمان» هو في الأصل كتاب مشترك من بحثين، الأول حمل عنوان «تمرد مكة: قصة جهيمان – قراءة جديدة» للباحث النرويجي توماس هيغهامر، والثاني «تأثير الشيخ الألباني في تشكيل السلفية المعاصرة» للفرنسي ستيفان لاكروا، قمت بإضافة سبعة ملاحق وثائقية مهمة عن حادثة الحرم المكي عام 1979، مما أدى إلى مضاعفة حجم الكتاب ثلاث مرات.. ما هي الطريقة التي تعتمدها في عملية الترجمة؟

- من الناحية العلمية فإن المترجم يعتبر - للأسف - في عالمنا العربي «مبدعا من الدرجة الثانية»، ومثل هذا التفكير المغلوط يعتبر من أبرز مظاهر التخلف الثقافي عند العرب. فبسبب هذه النظرة الدونية للمترجم حرصت على أن أجعل من يقرأ ترجماتي يشعر بأن هناك جهدا «بحثيا» واضحا يتجاوز الترجمة المباشرة للنص الأصلي، وذلك عبر وضع إضافات نوعية مثل هوامش فيها معلومات مركزة. كما أن هناك استراتجيات ومناهج علمية في مجال الترجمة مثل «التوطين» و«التغريب»، وهناك من ينتقد الترجمة التي لا يظهر فيها المترجم للقارئ مثل البروفسور لورنس فينوتي أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة تمبل الأميركية، والذي يعتبر أهم عالم ومنظر معاصر في حقل الترجمة (ولد عام 1953). نشر فينوتي عام 1995 كتاب «اختفاء المترجم: تاريخ الترجمة»، الذي درس فيه تاريخ ممارسة الترجمة إلى الإنجليزية في الغرب من القرن السابع عشر حتى وقتنا الحاضر، ونقد فيه الممارسة السائدة في الترجمة والتي تجعل المترجم شخصية «غير مرئية» و«غير محسوسة» بحيث لا يشعر بها القارئ وبالتالي وجود شبهة لتغييرات غير مقصودة في النص من عمل المترجم الماهر لأن النص المترجم - يقول فينوتي - يتأثر كثيرا بصورة مباشرة أو غير مباشرة بثقافة وخلفية ومعرفة وأسلوب هذا المترجم مهما حاول ألا يتدخل في النص أو بالأصح ادعى ذلك. وعبر وضوح شخصية المترجم يستطيع القارئ معرفة ماهية وسياق وفكرة النص الأصلي بالضبط.

* هل الإصدار الجديد يأتي بالاتفاق مع أصحاب الحق الأدبي في الإصدار الأصلي؟

- بالطبع، هذا أمر بديهي، وقد حصلنا على حقوق النشر بالعربية من الناشر الأصلي، وزدنا بعرض النص العربي «كتاب حتى لا يعود جهيمان»، على المؤلِفين الاثنين لأنهما يتقنان العربية ولم تصلنا أي ملاحظة مطلقا.

* حتى لا يعود جهيمان

* في كتاب «حتى لا يعود جهيمان» ترجمت أيضا بعض الوثائق المفرج عنها من وزارة الخارجية الأميركية، وبخاصة ما يتعلق منها بحادثة الهجوم على الحرم.. كيف حصلت عليها، وهل تأكدت فعلا من مصدر الوثائق وصدقيتها؟

- كما ذكرت في مقدمة الملحق السادس للكتاب المذكور، هذه الوثائق أو البرقيات الدبلوماسية وعددها 35 صادرة عن السفارات الأميركية لدى السعودية ومصر والأردن والمغرب والكويت، وهي ليست مسربة مثل وثائق «ويكيليكس»، بل كانت وزارة الخارجية الأميركية قد رفعت السرية (Declassified) عنها بعد مرور المدة القانونية بحسب قانون حرية الحصول على المعلومات الأميركية (Freedom of Information Act)، بطلب من بعض الهيئات المهتمة بدراسة حركات الإسلام السياسي الراديكالي. وقمت بالتأكد من صحتها عبر مقارنتها (CROSS-CHECK) بدراسات منشورة عنها في كتب ومواقع مؤسسات بحثية ووجدت تطابقا وتماثلا في المعلومات بنسبة 100 في المائة.

* هل ترى فعلا أن المؤلفين النرويجي والفرنسي في كتاب «حتى لا يعود جهيمان» قاما بعمليات «حفر» آيديولوجية.. أم أن البحثين الأصليين «لامسا» الحدث بشيء من السطحية؟

- لقد غيرت عنوان الكتاب من «قراءة جديدة لتمرد مكة وقصة جهيمان»، إلى «حتى لا يعود جهيمان: حفريات آيديولوجية وملاحق وثائقية نادرة» ليكون أكثر تعبيرا عن النص العربي مع هوامشه وملاحقه، وهذا أمر مشروع وممارس في الترجمة، لكن عناوين فصول الكتاب لم تتغير بل بقيت كما كانت. ولذلك فإن مصطلح «الحفر» الذي سألت عنه هو من اختياري وقصدت به أن البحث - على الرغم من قصره - يعتبر من وجهة نظري أفضل ما كتب - حتى الآن - عن «الجذور» الآيديولوجية للتمرد إذا أخذنا في الاعتبار ظروف المكان والزمان، ومن المؤكد - كما يقول المثل - أنه ليس كل ما يعرف يقال لأن هناك حدودا لكل شيء.

* ناقل الكفر

* في المجمل كمتابع لما ينشر في الغرب عن القضايا العربية، هل ترى أن هناك «جدية» في الأبحاث التي يقومون بها أم هي استطلاعات صحافية؟

- الأمر نسبي ولا يمكن التعميم، لكنه في نظري يعتمد على المصدر؛ فالمصادر الصحافية حتى أكبر وأهم الصحف الغربية مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، تعتبر تقاريرها عن قضايانا شبه سطحية بالنسبة إلي شخصيا ولا تكاد تضيف لي شيئا، لكننا يجب ألا ننسى أنها موجهة للقارئ الأجنبي. أما المصادر البحثية، أي مراكز الدراسات والمعاهد العلمية وخزانات التفكير، فهي أكثر جدية بالطبع رغم أنها موجهة لصانع القرار الأجنبي.

* في ترجمتك «عندما تقود المرأة: كابتن هولي غراف أنموذجا» تقول إن «ناقل الكفر ليس بكافر»، كأنك كنت تخشى أن تصنف عدوا للمرأة..

- بالطبع أخشى مثل هذا التصنيف المحرج وغير الصحيح بالنسبة لي، لكن هذا الموضوع كان عبارة عن مشاغبة بريئة مع النساء بمناسبة دخولهن مجلس الشورى. وبالمناسبة فقد رزقني الله بخمس بنات ذكيات وجميلات، وأنا فخور بهن وأعتقد أن المستقبل سيكون لهن.

* هذا يقودنا إلى السؤال: هل تختار المواضيع التي لا تسبب حرجا، علما بأن بعضا مما ترجمته يمكن أن يثير ذلك؟

- كما أسلفت، أترجم ما يفيد الناس من وجهة نظري، وقد أصيب أو أخطئ، وموضوع الحرج أمر نسبي ومتغير من زمن إلى زمن، وبالطبع غير مقصود بل يفرضه اختيار المادة.

* ترجمة المقالات، وبخاصة الحوارات لمفكرين غربيين، تناولوا علاقة الغرب بالعالم العربي والحروب في أفغانستان والعراق، هل تسهم في فهم موضوعي بين الطرفين..؟

- طبعا تسهم، وترجمتي - مثلا - لكتاب هوارد زن «قصص لا ترويها هوليوود مطلقا» خير مثال، حيث تعجب الكثير من القراء كما قرأت في منتديات الإنترنت - وبخاصة الشباب الذين في العشرينات - من وجود مفكر ومؤرخ أميركي كبير مثل هوارد زن يعارض فكرة الحرب ويناهض سياسات أميركا وينقدها بقسوة. وهذا يزيد من فهم كل طرف للآخر ويقضي على الصور الكاريكاتيرية النمطية التي يروجها بعض الغوغاء من دعاة صدام الثقافات والحضارات.

* كيف تقيّم استجابة الجمهور لكتبك وترجماتك..؟

- الحمد لله الاستجابة أكثر من رائعة، لدرجة أن هناك من يطالبني بمواصلة الترجمة وعدم الاستجابة لغواية التأليف والكتابة (مقالة، قصة، رواية، إلخ). وقد نفدت الطبعة الأولى من كتاب «حتى لا يعود جهيمان» خلال أقل من شهر من صدورها حيث تم بيعها خلال معرض الرياض للكتاب لعام 2013، ونحن ننقح الكتاب الآن استعدادا للطبعة الثانية. وكذلك كان الإقبال رائعا على كتاب «قصص لا ترويها هوليوود مطلقا».