إشكالية الحوار والتعددية في ثقافات المتوسط

كتاب عرب وأجانب في الملتقى المغربي الدولي للفكر والإبداع «عتبات»

TT

شكلت الندوة الدولية «ثقافات المتوسط: التجانس والاختلاف» منطلقا أساسيا للدورة الثانية من الملتقى الدولي للفكر والإبداع «عتبات 2000» الذي تنظمه حالياً كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك إذ راهن منظمو هذا الملتقى الدولي كما في الدورة السابقة على استقطاب العديد من الفعاليات الثقافية والفكرية المغربية والعربية والأجنبية ولكن للأسف لم تستجب بعض الأسماء التي انتظرها المهتمون وتوقعوا منها اضافات أساسية في موضوع «ثقافات البحر الأبيض المتوسط» موضوع الساعة الذي بدأ يطرح بالحاح على الصعيد السياسي والأمني والثقافي والاقتصادي. وهذا الأمر جعل الندوة تقتصر على طرح بعض الاشكالات المرتبطة بالبحر الأبيض المتوسط كالهجرة السرية الضاغطة والمد الأصولي ومشكلة المواطنين الجدد بأوروبا، في حين قدم بعض المتدخلين أوراقا لا صلة لها بموضوع الندوة مما يجعل مسألة انتقاء المتدخلين والتزامهم بالموضوع المقترح أمرا ضروريا احتراما للمتلقي والبحث العلمي الرصين.

ولعل ما خفف من وطأة الخيبة في هذه الندوة التي تميزت بحضور العديد من الوزراء المغاربة والقنصل العام لأميركا بالمغرب هو ترؤسها من قبل الباحث المغربي علي أومليل والباحث الفرنسي جان لويس جوانو واضاءتهما للعديد من القضايا المثارة في محاورها الأربعة: ثقافات المتوسط التقاطعات والتباينات، وثقافات المتوسط وقضايا التفاعل والتمازج، وثقافات المتوسط ومجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وثقافات المتوسط وآفاق التعاون والشراكة. ركز علي أومليل على الدور الأساسي الذي لعبه البحر الأبيض المتوسط منذ فجر التاريخ، إذ كان همزة وصل بين العديد من الشعوب ومرتعا خصبا للتلاقح الثقافي والفكري بين شعوب المنطقة . وذكر أن الحوار الثقافي بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط أصبح ذا أهمية بالغة، فقد عادت فكرة المتوسطية من جديد لأسباب اقتصادية وسياسية وأمنية وبدأت مسألة الهوية تطرح بحدة في المجتمعين الأوروبي والأميركي اللذين يخشيان على تركيبة مجتمعهما وانسجامهما.

وفي محور «ثقافات المتوسط وقضايا التفاعل والتمازج» تحدث الكاتب والناقد المغربي محمد برادة عن التعددية والكونية وانعكاساتها على ثقافات المتوسط، واعتبر أن الكونية والتعددية يشكلان مدخلا لصوغ اشكالية ثقافات البحر الأبيض المتوسط والبحث عن الأفق المشترك فيها. وأشار الى أن المقترحات السياسية لاقامة المشروع المتوسطي تظل غير كافية لأنه بوسع الثقافة ـ كما ذكر برادة ـ أن ترسم حواشي هذا الحلم المتوسطي. وانطلاقا من العلاقة بالدين والحداثة ميز محمد برادة بين ثلاثة مناخات ثقافية في البحر الأبيض المتوسط: ثقافة الشمال المتوسطي ذات الاتجاه العلمي اللائكي وثقافة عربية اسلامية وثقافة يهودية اسرائيلية يغلب عليها الجانب الديني. وأشار الى أن هذه النمذجة تحيل على التعقيدات الكامنة في الواقع السياسي لدول البحر الأبيض المتوسط. وأن محاولة رسم أفق ممكن وحوار بين هذه الثقافات يجب أن يأخذ بالاعتبار هذه المتغيرات. ثم تساءل عن كيف يتسنى للتعددية المنغرسة في دول البحر الأبيض المتوسط أن تسهم في بلورة أفق كوني ورؤية للعالم يكون الحوار ضمنها ممكنا ودائما بين المواطنين أولا والشعوب ثانيا.

أما عز الدين ميهوبي رئيس اتحاد كتاب الجزائر فقد تحدث عن العقل الثقافي المتوسطي وذكر بأنه «عقل فاعل ومتفاعل يمنحك قليلا من الأمان وكثيرا من الخوف.آمن حينا ومتوجس أحيانا أخرى، عقل مفعم بالندية والتناقض. عقل خير وقادر على تجاوز منطق الإقصاء والأنا النفعي».

وخلص عز الدين ميهوبي الى أن العقل المتوسطي لم يكن كله عقلا ايجابيا بل كان عقلا عسكريا عنيفا ساهمت الصراعات في تأجيج جذوة الخلافات فيه وتصفية الحسابات.

واضافة الى هذه الندوة الدولية يتضمن برنامج الملتقى الدولي للفكر والإبداع «عتبات 2000» المهرجان الدولي الثاني عشر للمسرح الجامعي للدار البيضاء بمشاركة عدة فرق جامعية مغربية وأجنبية من: غينيا، كرواتيا، اسبانيا، فرنسا، ايطاليا، هولندا، البرتغال، ألمانيا، لتوانيا، مقدونيا، ايرلندا، سلوفينيا، العراق، فلسطين، مصر، البنين ودول أخرى. ومائدة مستديرة حول «مهن وحرف الخشبة» بمشاركة الطيب الصديقي وسالم اكويندي وجمال الدين الدخيسي وحسن النفالي والمسكيني الصغير وفوزية الأبيض .كما سيتم تكريم مجموعة من الفاعلين في المجال المسرحي من مثل: عبد السلام الشرايبي (ممثل مسرحي)، محمد ياسين (محافظ الخشبة لسنوات بالمسرح البلدي بالدار البيضاء)، ابراهيم وردة (مخرج مسرحي ومهتم بتقنيات الإنارة) ومريا الصديقي (مصممة ومعدة للملابس بفرقة مسرح الناس) ومائدة مستديرة في موضوع «الإبداع الطلابي: تجارب وآفاق». ويتميز هذا الملتقى أيضا بتخصيص ورشات للإبداع الطلابي في المجال الشعري والقصصي والروائي والمسرحي ومائدة مستديرة حول «الرواية والسينما».

=