الطفل في الأدب العربي

كتاب يبحث أسباب غياب أدب الطفل في الثقافة العربية

TT

ينطلق الناقد العراقي الدكتور علي حداد في كتابه (اليد والبرعم: دراسات في ادب الطفل) الصادر حديثا عن «مركز عبادي للنشر والتوزيع» من ان هذا الادب لم يأخذ عند العرب سماته البارزة ووضوح تشكله الابداعي الا في العصر الحديث.

ويرى في الفصل الاول ان حضور شخصية الطفل في الادب شعرا وقصة ومسرحية شأنها شأن حضور شخصية الرجل او المرأة او الشيخ او اصحاب المهن والحرف المختلفة وسواها من النماذج الانسانية من دون ان يكون وجود اي من تلك الشخصيات مدعاة للقول ان النص يتوجه الى هذه الفئة الانسانية او تلك.

ومن هنا، فإن تمثل الادب لبعض القيم والسمات المرتبطة بعالم الطفولة هو الذي يحدد خصوصيته مما يجعله «أدب طفل».

ويجد ان ابرز تلك القيم التي تصلح مقياسا لذلك الانتماء ان يقوم على قصدية في مخاطبة الطفل ووعيه اي ان من يكتب مثل هذا الادب يحمل القناعة بالمسار الذي يوجه فيه ادبه وينطلق من خصوصيات المجتمع المتلقي لذلك الادب في الادراك والفهم، كما انه يجب أن يعبر عن خصائص الطفل السلوكية والتربوية واحتياجاته الانسانية ويتمثل السمات العمرية لشخصية الطفل، مجسدا مشاعره ومنطلقاته الذهنية ويتوفر على قاموس الطفل بحدوده وصياغاته ويتمسك بالقيم الشكلية والصوتية والحركية التي تقوم شخصية الطفل عليها.

ويبين في الفصل الثاني وجود عناصر مضافة لادب الطفل، منها اللعب الذي هو نشاط فردي او جماعي دافعه الاستمتاع ثم الرسم والتصوير حيث يلتقي الابداع الادبي والفني في كونهما بناء جماليا ودلاليا صيغ بخصوصية تعبيرية ولا فرق بين انواعه المختلفة الا بالاداة المستخدمة لانجاز المشروع الابداعي.

الطفل في الأدب العربي اما في الفصل الثالث يبين انه لا نكاد نجد في الادب الغربي خلال العصور القديمة اية اهتمامات واضحة بالكتابة للطفل بمعزل عن الادب المكتوب واستمرت هذه الحال حتى القرن السابع عشر. وعلى الرغم من تداول بعض الحكايات والقصص الشعبية التي كتبت اصلا لغير الاطفال ومحاولة وضعها بمستوى لغوي وادائي مبسط يمكن لجميع الفئات، بمن فيهم الصغار ان يهتموا بها لم نلمس وجودا حقيقيا لادب الاطفال الا في مرحلة لاحقة شهدت وعيا مختلفا لمجمل القضايا العلمية والاجتماعية والفكرية والسياسية في أوروبا.

ويمكن القول ان ادب الطفل لم يأخذ مداه في الثقافة الغربية الا بفعل ثلاثة عوامل مؤثرة، الاول فكري وتمثل في تلك النظريات والافكار التحررية والانسانية والثاني اجتماعي حين لقيت الثقافة الشعبية (حكايات وقصصا وامثالا واشعارا) اهتماما كبيرا، تمثل في جمعها ودراستها واكتشاف ما نهضت عليه من قيم وافكار ودلالات تم استثمارها لاحقا في كتابة ادب الطفل.

اما العامل الثالث فهو متعلق باكتشاف الادباء والكتاب لمساحة خصبة لم تكن معروفة في الادب، وهي التوجه الى الاطفال وانتاج القصائد والاناشيد والحكايات التي تناسب وعيهم وخصوصيات اهتماماتهم.

وبالمقابل لا نكاد نجد في ادبنا العربي القديم وعبر عصوره المختلفة نماذج كافية تشير الى اهتمام الادباء بهذا المجال من الانشغال الادبي الذي يقدم الى الطفل، معبرا عن حدود مدركاته العقلية وافكاره وسياقاته التعبيرية فكل ما بين ايدينا اليوم من تراث ادبي هو في حقيقته ادب يحمل رؤية الكبار ومنطلقاتهم في التفكير والتعبير.. ومع ان الادب العربي لم يكن في ذلك الا مثل باقي الآداب العالمية الا ان امرا يثير الانتباه حين نعقد مقارنة بين تعامل الادب مع هذه المسألة وما كان عليه الواقع الاجتماعي ومنهجه الفكري الذي كان سائدا في سياقات تعامله مع الطفولة وانشغاله بما يوفر لها فرص النمو العقلي والجسدي والنفسي على نحو سليم ومعافى. وتوجد وقائع وامثلة واشارات مثيرة تدلل على عناية العرب الفائقة بالطفل، وقد استوعب كثير من علماء العربية ومفكريها القدامى تلك الافكار المتعلقة بخصوصية مرحلة الطفولة وما يناسبها من خطاب تعليمي وادبي ومعرفي ولكننا حين نغادر الواقع وقيمه التربوية والتعليمية الخاصة بالطفل ونبحث عن اصداء ذلك في الادب العربي القديم نفاجأ بعدم تمثل الادب لتلك الافكار والقيم وابتعاده عن التعبير عنها.

وفي الفصل الرابع يرى المؤلف ان شعر الطفل لم ينل اهتماما جادا ورغبة في تأكيد وجوده نوعا ابداعيا جديرا بالكتابة فيه، كما كان الامر مع الشاعر احمد شوقي الذي يعد شعره للاطفال المنطلق التأسيسي الذي وضع هذا الشعر في دائرة الانشغال به عند الشعراء العرب لاحقا. وكانت دوافع شوقي لكتابة شعر الطفل مرتبطة باطلاعه على حكايات لافونتين المنظومة في فترة ذهابه الى فرنسا، الا انه يرى ان شوقي لم يكن موفقا بالكامل في هذا المجال.

ويتفحص واحدة من حكايات شوقي المنظومة (ولد الغراب) حيث يؤكد ان مضمون هذه الحكاية لا يمكن له ان يندرج في ادب الطفل، فهي تتحدث عن الغراب الصغير لتتخذ منه رمزا تُخاطب من خلاله الكبار، والحكاية بذلك يمكن لها ان تكون ضمن الادب الذي يتخذ من الطفولة ستارا لغايات تربوية اجتماعية.

وفي الفصل الخامس يتطرق الى القصة والمسرحية ويشير الى ان القصة اذ اخذت هذا المدى من الفاعلية في وعي الكبار وترسخت قيمها في نسيج ثقافتهم، فانها تأخذ عند الطفل مساحة اكثر خصبا وتأثيرا في ما يميل اليه من ادب ويتداوله بمقدار يشغل وعيه وذاكرته وخياله ويمده بالمعرفة ويستجيب لطاقته في التأمل والتماهي مع ما يملأ مسامعه من وقائع وحركية.

اما المسرحية في ادب الطفل فإنها تأخذ خصوصية بنائية تختلف في كثير من جوانبها عن القصة.

الكتاب: اليد والبرعم دراسات في ادب الطفل.

المؤلف: الدكتور علي حداد.

الناشر: مركز عبادي للدراسات والنشر 2000 =