عبد الوهاب الحمادي: سئمنا المؤسسات الثقافية.. وهناك جيل شبابي يريد التغيير

الروائي الكويتي يرى أنها أصيبت بأمراض مجتمعها كالقبلية والفئوية والطائفية

عبد الوهاب الحمادي
TT

يتميز الروائي والكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي، بأنه واحد من الأصوات الشبابية التي تعبر عن تجربة متميزة وصاعدة، وسط فضاء يجهد فيه الشباب للتعبير عن همومهم الثقافية والمعرفية.

الحمادي الذي بدأ كاتبا للقصة القصيرة، قدم تجربة هامة في أدب الرحلات، حين كتب «دروب أندلسية» التي تحاول المزاوجة بين هذا النوع من الأدب والتحقيق التاريخي عبر استنطاق شخصيات أندلسية لتكشف سر سقوط الأندلس، في قراءة مختلفة وغير تقليدية. أما عمله الأبرز، فكان روايته «الطير الأبابيل» عن «دار مدارك»، وهي رواية تتبع أحداثا مرت بها الكويت والمنطقة العربية، شهدت صعود الحركات الدينية، ونشأة التيارات الجهادية، وصولا لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). أهمية هذه الرواية أنها تقدم لواحد من هذا الجيل طريقة تقييمه لصعود هذه الموجة وأثرها على تكوين الوعي لديه ولدى جيله.

في هذا الحوار، يعكس الحمادي ضيق الشباب من تسيد المؤسسات الثقافية الرسمية، وتطلعات هذا الجيل لكسر الطوق والتعبير بعيدا عن سطوة هذه المؤسسات التي يرى أنها نجحت في تكوين أجندات «تطغى عليها الشخصانية، وهي مبتلاة بأمراض مجتمعية كالقبلية والفئوية والطائفية». هنا حوار معه:

* ماذا يشغل المثقفين الشباب في الكويت اليوم؟

- أعتقد أن مشاغل المثقفين الشباب في الكويت تتعدد بتعدد انتماءاتهم، وللأسف لا يجمعها جامع؛ إذ لا نرى لهم حضورا فاعلا في القضايا التي يمر بها الوطن. ويتوارون في الغالب بمواقف ضبابية، هل هو حرص على مصالح؟ لا أدري. في الآونة الأخيرة بدأت تتبلور رؤية لدى قلة منهم سنجد انعكاساتها لا شك في أعمالهم.

* لماذا تراجع الاهتمام بالثقافة والأدب، فلم نعد نلحظ حضورا كويتيا وخاصة من الأسماء الشابة في المحافل العربية والدولية، خلافا لما كان عليه الوضع في الماضي؟

- يجوز أن هذا الأمر ساد لفترة مع تسيد المؤسسات الحكومية والرسمية للساحة الثقافية، وما جرت على الشباب من ويلات التبعية للتحزبات والتكتلات المؤثرة فيها. لكن الحسابات اختلفت مع قدوم جيل شبابي يريد التغيير، وكان من علاماته ذلك الحضور المميز لسعود السنعوسي وأيضا تواصل المخضرم إسماعيل فهد إسماعيل مع جيل الكتاب والقراء الشباب مما أضفى حيوية على المشهد الثقافي.

* هل أثرت الحرية النسبية والوفرة الاقتصادية التي تتمتع بها البلاد في دفع الناس للاسترخاء بعيدا عن الثقافة والأدب؟

- لا أظن ذلك، بل على العكس، هذه الوفرة وحتى اتباع الموضة (وهذا الأمر الطريف) دفعت الجمهور نحو القراءة وإنشاء أندية قراءة صارت تتكاثر، وتزايد عدد الكتاب، وظهرت موجة الإصدارات القصصية والروائية الهابطة المستوى لكنها لم تخل من مواهب ستجد طريقها لا شك.

كنت أتمنى انعكاس هذه الوفرة على الدولة بدعم الثقافة والكتاب الجديرين بالدعم لا الإنفاق على شكليات ستنتهي ولن يذكرها أحد.

* رغم أجواء الانفتاح الثقافي التي تتميز بها الكويت، فإن ظهور تجارب جديدة ما زال محدودا، أيضا حركة الإنتاج لا تتوافق مع المناخات الواسعة.. ما رأيك؟

- في الآونة الأخيرة بدأت التجارب الجديدة بالظهور والإقبال على دورات تقنيات الكتابة القصصية والرواية بازدياد ملحوظ. والآن سينحو الكتاب نحو النوعية خاصة بعد ما صاحب البوكر من تسليط الأنظار على التجارب الكويتية الشابة وحتى المخضرمة.

* هل تشعر أن الهم الثقافي ما زال جاذبا للشباب؟

- ربما مع ظهور الإنترنت تبدل الحال قليلا مع اتجاه الشباب الثقافي، ولا لوم، خاصة سهولة الوصول للمعلومة عبره. لذا أظن أن من واجب وزارة التربية العناية بأنشطة القراءة التي خرجت أجيالا تعشق الكتب.

* بالنسبة لجيلكم، كيف تجدون دور المؤسسات الثقافية وبينها «رابطة الأدباء»، في احتضان تجارب الشباب وفتح القنوات أمامهم؟

- لها دور بالطبع هام، لكن عملها وفق أجندات تطغى عليها الشخصانية حجم أهميتها. وهي ككل جمعيات النفع العام تسرب لها ما تسرب للجمعيات الأخرى من أمراض مجتمعية كالقبلية والفئوية والطائفية، لأن هم الانتخابات والحصول على مراكز في مجلس الإدارات هو الهم الأساسي. لكن يظل هناك بصيص أمل عندما أرى زملائي الشباب لا يستسلمون لليأس ويحاولون التغلب على هكذا عقليات بطرق كثيرة ومتنوعة.

* لديك كتابات ثقافية ونقدية كثيرة في مدونتك، فهل تواجه صعوبات في النشر التقليدي، عبر الصحف في الكويت حتى تلجأ للمدونة؟

- لم أواجه صعوبات كثيرة في النشر، خاصة وأنا أنشر في الجريدة التي أرتبط بها عاطفيا منذ بدايات القراءة وهي «القبس»، وقد وجدت تشجيعا أحسد عليه من الشاعرة سعدية مفرح. لكن وأنت تعلم أن الصفحات الثقافية هي أول من يضحى بها على مذابح الإعلانات التجارية وما يصاحب ذلك من تأجيل للمقالات، مما ولد يأسا تلاشى مع انفتاحي على فضاء الإنترنت والمدونات.

* كيف هو الإقبال على الفضاء الإلكتروني للنشر الثقافي؟

- إقبال جيد جدا، وقبل أن أنشغل في روايتي الجديدة كنت أولي الموقع اهتماما كبيرا، وكان عدد القراء اليومي في ازدياد ومن مختلف دول العالم. وساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في نشره.

* «دروب أندلسية»

* قدمت تجربة مختلفة في كتابك «دروب أندلسية»، فهو ليس مجرد نوع مختلف من أدب الرحلات، لكنه يميل إلى استنطاق أحداث وشخوص الماضي.. حدثنا عن هذه التجربة.

- كانت تجربة مميزة جدا، بدأت فكرتها عندما أدركت من خلال معرفتي بالكتب التاريخية، أن المكتبة العربية تعاني من نقص في أماكن كثيرة منها: انعدام وجود كتاب مصور يتحدث عن التاريخ الأندلسي ببساطة ويربطه بما هو موجود حاليا على أرض إسبانيا. فبدأت الكتابة، حولت القصص المفصلية من الصيغ المعتادة والتقليدية إلى قصص تشابه القصص القصيرة.

* هل كنت تستهدف تحقيق التاريخ، وإجلاء الشوائب التي لحقت به؟

- نعم حاولت ذلك، لكن بطريقة مبسطة لا تثقل على القارئ العادي غير المعني بتتبع التفاصيل والذي يكره الكتب الصفراء ثقيلة الوزن. وأيضا أحببت تغيير تلك النظرة النمطية التي زرعها الوعاظ فينا تجاه شخصية مثل أبي عبد الله الصغير، فذكرت أمورا تعلل سقوط الأندلس، منها عوامل اقتصادية واستراتيجية مخالفة لعامل الطرب والغناء والمجون الذي أسقطها.

* لماذا الأندلس تحديدا؟

- لأسباب كثيرة؛ فالأندلس تمثل تلك اللحظة التي ترمز في وعينا للحياة السعيدة. أحببت تبيان حقيقة جعلتها في النهاية، وهي أن أي حديث رومانسي وكلام عن استعادتها قد يكون متهافتا في ظل نشوء الدول وموازين القوى، وهي وإن تقلبت من حين لحين إلا أنها لا ترجع للوراء. إن أردنا الرجوع لها فلنرجع لما عرف عنهم من علم وخلافه ونترك الأحلام جانبا.

* هل تنوي توسيع التجربة لدول وأحداث وشخصيات أخرى؟

- حاليا أعمل على إعداد وتجهيز مشروع كتابة كتاب عن المغرب، وبعده أريد أن أكمل لأغطي أغلب الحضارات الإسلامية.

* «الطير الأبابيل»

* روايتك «الطير الأبابيل» تتحدث عن مرحلة حافلة بالأحداث على مدى ثلاثة عقود، منها نشأة الجماعات الجهادية في المنطقة وتأثيرها على العالم، وصولا إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر. بداية كيف أثرت هذه الأحداث في تكوين الوعي الثقافي لديك..؟

- أثرت كثيرا وصبغت تاريخ وعينا بصبغتها. كم من فتى عاد للوطن جثة من أفغانستان والشيشان وغيرهما، ولا يزال وكلاء الموت يعملون بكل أريحية وأبناؤهم يتشبعون بهواء المكيفات في مكاتبهم.

* صورة غلاف رواية «الطير الأبابيل» ترمز لضرب البرجين في نيويورك، لكنك تجعله نقطة بداية.. ألم يفقدك ذلك عنفوان الذروة التي تمثلها أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟

- لا لم يفقدني، فقد استخدمت ذلك الحدث الذي انبعث غبار ودخان حريقه عبر أزقة نيويورك حتى وصل لنا، ولم تعد الدنيا بعده كما كانت، كواجهة لسرد تاريخ لم يسرد روائيا ولم أقرأه سابقا.

* في هذه الرواية، كأنك تحاول أن تقدم مبررات للإرهاب عبر التركيز على أخطاء الولايات المتحدة، فالبطل تم توقيفه وسجنه تعسفا، وكان ذلك سببا في ذهابه إلى أفغانستان!

- ومع ذلك لم أركز على أخطاء الولايات المتحدة، بل كان التركيز صوب الجماعات الإسلامية والسياسية والبيئة الاجتماعية، والغزو العراقي الذي أوصل البطل وأوصلنا لتلك اللحظة المصيرية.

* لديك رواية جديدة، ويبدو أنها هي الأخرى تتحدث عن مرحلة هامة من تاريخ الكويت، حدثنا عنها؟

- نعم للتو انتهيت من رواية جديدة، تتحدث عن السنين الثلاث المفصلية التي مررنا بها في الكويت والتي تتشابك مع أحداث اندلع بعدها الربيع العربي. حاولت عبر شخصياتها أن أبين المأزق الذي يعيشه الكويتي والذي زاد من تفتيت المجتمع إلى كانتونات طائفية وقبلية وعنصرية يساعد الرخاء في الستر عليها. أتمنى أن تصل للقراء وتحدث في نفوسهم الأثر المطلوب. حرصت على أن تكون مرآة لكل من يقرأها، ليبصر القبح الذي نداريه بمساحيق التجميل المالية.