كتاب ومثقفون عرب يستذكرون أثر شيخ الجزيرة في الثقافة العربية

TT

بيروت: سوسن الأبطح عمان: «الشرق الأوسط» من مصر يقول الدكتور علي صبح عميد كلية اللغة العربية السابق في جامعة الازهر عن دور الراحل في النهضة الثقافية العربية: كان رائداً من الرواد في المملكة العربية السعودية، وقد كان عطاؤه واسعاً موفوراً وعميقاً خصباً أثر المملكة والعالم العربي والاسلامي، وكان له فضل كبير على الحركة الفكرية والتاريخية والأدبية والنقدية في المملكة، خاصة وفي محيط الخليج العربي عامة، وذلك لانه تنوعت مصادره وفكره وأدبه فأخرج موسوعات في التاريخ والجغرافيا عن شبه الجزيرة والبلاد العربية، كما اخرج ايضاً نتاجاً فكرياً تناول ازدهار الاسلام وأثره في العصور السابقة وفي الحضارة الاسلامية المعاصرة، كما أصدر كثيراً من الكتب الادبية والنقدية المعاصرة، وأيضاً استطاع ان يحقق تراثنا العربي والاسلامي بصورة واضحة وميسرة. والذي دعاه الى كل هذا انه كان يحمل أمانة الريادة الفكرية والنهضة العلمية في المملكة العربية السعودية أولاً، فقد كان مؤسساً لفن الطباعة في هذا البلد الشقيق حيث مكن ابناء الأمة ويسر لهم ان يخرجوا مؤلفاتهم في بلادهم فكانت الطباعة عاملا من العوامل التي حركت المفكرين والادباء والنقاد في السعودية وشجعتهم على الكتابة واخراجها بدون معاناة في التكلفة أو الجهد.

والعامل الثاني انه كان رائداً من رواد الصحافة والاعلام، ولقد كان مؤسساً لصحيفة «اليمامة» وأول رئيس لها، والتي وقعت على صفحاتها معارك ادبية وفكرية ونقدية عديدة كان يديرها بحكمته وسعة أفقه وثقافته العميقة وأصالته العربية والاسلامية يحافظ فيها على تراثنا العربي الضخم وايضاً مستمداً من الفكر المعاصر والاتجاهات الادبية والنقدية المعاصرة مع ما يتلاءم مع قيم هذا التراث العظيم والعالم والمفكر والاديب الذي يمتلك هذين الاساسين، وهما فن الطباعة وفن الصحافة والاعلام، يعد ثروة علمية وتاريخية وفكرية وفنية في حياتنا الادبية والفكرية المعاصرة. رحم الله شيخنا الذي أبى إلا ان يرحل عنا بعد ان يقدم هذا العطاء الغزير لامتنا العربية والاسلامية.

أما الكاتب والاديب ثروت اباظة رئيس اتحاد الكتاب المصريين السابق ووكيل مجلس الشورى المصري فيقول: «الشيخ الجاسر كان من فرسان الكلمة في عالمنا العربي وكان طيباً ودوداً متصلا بجمهور المثقفين والكتاب وقد خاض معارك عديدة ادبية وثقافية ونقدية وفكرية، وان فقده خسارة لا تعوض في الساحة الادبية العربية وسيظل الشيخ الجاسر في قلوب الادباء والنقاد والمثقفين العرب بفكره وعلمه الذي ورثه لجيل المثقفين والكتاب والنقاد العرب».

شاهين: رجل بمثابة الذاكرة ويقول الدكتور عبد الصبور شاهين استاذ علم اللغة والبلاغة في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة: ان الشيخ الجاسر سيظل علم الاعلام في الجزيرة العربية بلا منازع وان العالم العربي بعامة والمملكة بخاصة فقدا رجلا بمثابة الذاكرة، حيث كان مرتبطاً شديد الارتباط بوقائع وطنه وقومه وتحقيق وجودهم على هذه الارض، وقد كان يعد من أشد المخلصين لتطوير الحياة العلمية والثقافية والادبية في وطنه، وما عهدنا هذا الاخلاص في كثير من العلماء الذين نعايشهم ونسأل الله ان يبارك في حياتهم فان موت العلماء نذير سوء للأمة.

ويضيف الدكتور شاهين ان الشيخ الجاسر كان شيخاً عظيماً من شيوخ العلماء في زمان لم تكن الارض تنبت فيه علماء كثيرين، ونسأل الله له بقاء الاثر ومزيد الرحمة والمغفرة وان يعوض وطنه وأهله خيراً.

المطعني: علامة بارزة ويقول الدكتور عبد العظيم المطعني استاذ النقد والبلاغة والدراسات العليا في جامعة الأزهر: هذا الرجل كان من كبار المثقفين في المملكة العربية السعودية وعلامة بارزة من علامات العصر، وكان مثقفاً موسوعياً وأعتقد انه رائد للثقافة في المملكة في العصر الحديث ومن رواد النهضة الثقافية الحديثة هناك وهو من القلائل الذين يتردد اسمهم في المجالات الثقافية والعلمية في ربوع المملكة كلها، بل في دول الخليج، وقد شهدت له تكريماً من الدولة على تميزه وريادته حتى اصبح اسمه رمزاً كبيراً في مجال العلم والمعرفة والثقافة ومضرب الأمثال في هذا المجال. رحمه الله رحمة واسعة ونفعه بما قدم من عمل وأذاع من علم ومعرفة.

نقولا زيادة: إشارات على الخريطة العربية ومن بيروت، يقول المؤرخ نقولا زيادة معلقاً على رحيل حمد الجاسر:

لما بلغني امس ان حمد الجاسر قد افتقده الله برحمته تذكرت مطلع قصيدة نظمها حافظ ابراهيم سنة 1928:

قالوا دهى مصرَ خطبٌ لا مثيل له قلت هل غُيِّض النيل ام زلزل الهرمُ قالوا اشد وادهى لا مرد له قد مات سعد يا قوم ويحكمُ قد يحسب الكثيرون ان في قولي مبالغة. لكننا نحن الذين عرفنا حمد الجاسر وعلمه ومعرفته وكرمه المعنوي والمادي، قد نرى في الامر شبهاً لا يدركه الساسة والعامة.

بدأت معرفتي بحمد الجاسر لما كان يقيم في الحازمية، على مقربة من بيروت، بعيداً عن المملكة العربية السعودية، موطنه الاصلي. ومع ان الصلة المباشرة بيننا انقطعت بعد مغادرته لبنان، فقد كتبت له غير مرة أستفسره عن بضعة امور، فلم يتأخر في الاجابة ولم يبخل في العطاء، شأنه في ذلك مع كل من كان يستطلعه خبراً او فائدة.

ان العمل الرئيسي لحمد الجاسر هو ان وضع على الخريطة العربية ـ في الجزيرة اصلاً ـ الاماكن والاوابد التي مرت اشارات اليها في شعر الجاهليين والاسلاميين الاوائل. كانت هذه قد عفت عليها رمال الصحراء وايدي الحدثان، فكانت اسماء تمر بالمعلقات وسواها، وتظل بالنسبة لنا خيالات واطلالاً. بعد عمل حمد الجاسر اصبحت اماكن معروفة وقد تزار.

في مجلته «العرب» وفي المجلات التي نشرت في انحاء مختلفة من العالم العربي، نشر حمد الجاسر مئات المقالات التاريخية والجغرافية والوصفية لهذه الاماكن. وآمل ان يقوم احد المقربين له بتصنيفها كي يفيد منها الباحثون في المستقبل.

فضلاً عن ذلك فانه حقق الكثير من الكتب القديمة التي تتحدث عن مثل هذه الموضوعات محققاً مدققاً مع مقدمات طويلة عن المؤلفين. هذا الى جانب كتب كثيرة وضعها عن الجزيرة. فلأكتفِ بالقليل منها امثلة محدودة عن الذي قام به. فمن النوع الاول له:

1 ـ كتاب المناسك واماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة للحربي.

2 ـ ابو علي الهجري وابحاثه في تحديد المواقع.

3 ـ المحمدون من الشعراء واشعارهم.

4 ـ رسائل في تاريخ المدينة.

ومن النوع الثاني له:

1 ـ اصول الخيل العربية الحديثة.

2 ـ رحالة غربيون في بلادنا.

3 ـ معجم اسماء خيل العرب وفرسانها.

4 ـ الدرعية: قاعدة الدولة السعودية الاولى.

5 ـ شمال وغرب الجزيرة ـ نصوص ومشاهدات وانطباعات.

قلت فوق ان الله تغمد حمد الجاسر برحمته، ذلك انني لما زرته مؤخراً (شهر فبراير ـ شباط من العام الحالي) كان قد بلغ به المرض والعناء حداً كبيراً. كان يتوكأ على عصى ويسنده رجل في مشيته. وعلمت بعد ذلك انه وقع واصيب بكسر خفيف في ظهره. ولكن الكسر الخفيف، لمن تجاوز التسعين من العمر، هو مصيبة.

العزيزي: خسارة كبيرة للغة العربية ومن الأردن وجه د. روكس بن زائد العزيزي، (97 عاماً)، وهو عضو مجمع اللغة العربية في الأردن، كلمات إلى صديقه الراحل الشيخ حمد الجاسر يقول فيها:

أخي الأحب الشيخ العلامة محمد الجاسر بكى القلب، أما العين فانظر... بها بقايا دموع حائرات فما تبدو يا صاحب مجلة «العرب» الشهيرة، أهكذا يا أخي ينطوي كل مجد العلم في لحظة وطرفة عين! تنطوي مكارم الأخلاق المزدانة بالعلم الحجم في لحظة هكذا يا سيدي؟

قبل أن أتلقى نعيك كنت موضوع حديثي مع اخواني الأدباء هذا كان شعور عن بعد باللوعة القادمة؟

ليس لنا إلاّ أن نكفكف دموعنا ونقول رحمك الله أوسع الرحمة وعزاء للمملكة العربية السعودية بعلامتها الجليل وعزاء لأسرة الراحل العظيم لقد كان مفخرة للمملكة العربية السعودية ولأمته العربية بمجلته، وأخلاقه ووفائه للعروبة، وفقدانه ليس خسارة للسعودية بل للأمة العربية واللغة العربية.

فهو علامة جليل لا يشق له غبار، واحترام المملكة العربية السعودية له ملأ قلوبنا احتراماً لها، ولقد رأيته يسير مع جلالة الملك وولي عهده في خطوات دلالة على منزلته السامية في النفوس.

أما توقف مجلته فهي نكبة للغة العربية.

لقد كان مثالاً للوفاء والكرم والتواضع، فتعزية من القلب لأسرته النبيلة.