انشر تؤجر

ميرزا الخويلدي

TT

لا أعلم مبادرة عظيمة جرى الاستهانة بتسويقها مثل هذه!

فعلى طريقة «انشر تؤجر»، انتشرت الأيام الماضية رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقول: يمكنك الحصول على مكتبة رقمية متنوعة المشارب والأذواق، بمجرد أن ترسل بريدك الإلكتروني لمكتبة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض.. وتحدد فيها اسمك «الثلاثي» والقسم الذي تدرس فيه وموضوع البحث الذي تجريه، وعندها تصلك قائمة بعناوين الكتب تختار من بينها ما تشاء.

وطبعا، لا ينسى واضعو الرسالة الطلب أن يتولى المستفيد «الدعاء لهم ولآبائهم» على هذا الإحسان الذي يقدمونه.

الحديث هنا، عن مبادرة مهمة للغاية قامت بها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، لتوفير محتوى علمي بصيغة رقمية يساعد الباحثين على الوصول لآلاف الكتب والوثائق والمراجع والمقالات العلمية والتقنية «من خلال تخصيص بريد إلكتروني لاستقبال الطلبات إلكترونيا ومعالجتها وإرسالها للمستفيد»، حسبما يقول إبراهيم بن عبد الرحمن آل الشيخ، المشرف على الإدارة العامة للمعلومات بالمدينة، في رسالة إلكترونية لصحيفتنا.

حصيلة هذه المبادرة حتى الآن أكثر من 35 ألف كتاب إلكتروني تمتلكها المدينة، وهي تطمح إلى امتلاك أكثر من 100 ألف كتاب إلكتروني في عدد من المجالات خلال السنوات الخمس المقبلة.

وتقول المدينة في رسالتها، إنها تسعى إلى «إيجاد منظومة متكاملة للبحث العلمي تبدأ من تأمين المعلومة ثم حماية الفكرة ودعمها ماديا وتقديم التوعية العلمية اللازمة، وذلك من أجل الوصول إلى مجتمع قائم على المعرفة».

وتقول: «من هذا المنطلق حرصت المدينة على بناء قاعدة معلوماتية علمية تقنية متميزة تساعد الباحثين على أداء مهامهم بشكل أسرع وأدق وبكل سهولة، لذا قامت المدينة ببناء قاعدة معلوماتية تشترك بأكثر من 32 قاعدة ونظاما معلوماتيا دوليا تتضمن ملايين الوثائق العلمية والتقنية المعتمدة، إلى جانب القواعد الوطنية العربية والإنجليزية التي تحتوي على 145 ألف تسجيله، من أجل توفيرها للمستفيدين الذين يقارب عددهم 10 آلاف باحث علمي سنويا على مستوى المملكة من أكثر من 68 جهة علمية وأكاديمية، بالإضافة إلى الجهات الأخرى كالوزارات والمستشفيات، وتستهدف المدينة الوصول إلى أكثر من 20 ألف مستفيد خلال الخمس سنوات المقبلة معتمدة على السرعة والدقة والجودة في تقديم الخدمات للباحثين».

لكن المدينة التي خصصت فريقا لاستقبال الطلبات التي تفد إليها عبر البريد الإلكتروني والتعامل معها وإرسال المحتوى للمستفيدين بريديا، تقول: «لا يمكن إتاحة تلك الكتب والوثائق على شبكة الإنترنت، وذلك حفاظا على الحقوق القانونية للمدينة والجهات المنتجة»، فكيف تتم المحافظة على الحقوق عند توزيعها بريديا؟

والواضح أن هذه المبادرة لم تحسن المدينة ولا مكتبتها تسويقها بالشكل اللائق، وتركتها عرضة لرسائل التواصل الاجتماعي، ولم تتمكن من مخاطبة الفئة الأكثر حاجة لهذا المحتوى العلمي.

فما دامت المدينة قد حصلت على حقوق النشر التي يقول المشرف على الإدارة العامة للمعلومات فيها إن «جميع ما تزود به المستفيدين إما باتفاق مسبق مع الناشرين الدوليين أو أن المدينة تملك حقوق تلك الوثائق»، فكان عليها أن تصمم منصة إلكترونية تمكن الباحثين بأنفسهم من الوصول للمحتوى، بشكل منظم ومفهرس، ويمكن حتى التسجيل والتوثيق من هناك.

هناك الكثير من المبادرات، قتلها التسويق الرديء. وهناك الكثير من الإنجازات لم يسعفها «الحظ» أن تخرج للنور.