السياب وتوماس بين احتفالين

فاضل السلطاني

TT

حسنا فعل اتحاد الأدباء والكتاب العرب بتخصيص 2014 عاما للسياب لمناسبة الذكرى الخمسين لرحيله المفجع في ديسمبر (كانون الأول) عام 1964، وهي مبادرة غير مسبوقة عربيا على حد علمنا، رغم أنها تقليد شائع في الأمم الحية. وعسى أن تتحول هذه المبادرة إلى تقليد سنوي نستعيد فيه كتابنا الكبار، قدماء ومحدثين، ونرد شيئا من جميلهم علينا، ونعرف بهم الأجيال اللاحقة التي ربما لم تسمع بهم، أو لم تقرأ لهم في الأقل. ولكن ماذا سنفعل بهذه المناسبة؟ لم نقرأ برنامجا أو خططا مفصلة لحد الآن، ما عدا توصيات عامة بضرورة الاهتمام بها من خلال «إقامة فعاليات ثقافية وأدبية بهذه المناسبة في كل الاتحادات الأعضاء وبالتعاون مع الأمانة العامة».

وكانت هذه التوصيات قد صدرت عن مؤتمر لاتحاد الكتاب والأدباء العرب عقد في المنامة عام 2012، ورغم مرور أكثر من سنة على ذلك، لم نلمس بعد شيئا يشير إلى إمكانية تحول هذه التوصيات إلى فعل، سواء من قبل الأمانة العامة، أو الفروع، وخاصة الفرع العراقي، وبالأخص في مدينة السياب البصرة «التي ما تزال تفتقر لأبسط البنى التحتية لإقامة احتفالية كبرى لشاعرها» بحسب تصريح أحد كتابها، وعضو المجلس المركزي لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، عبد السادة البصري.

والآن، على سبيل المقارنة، ولو كانت مؤلمة، لنر كيف تحتفل المنظمات الثقافية البريطانية، وهي منظمات مستقلة، بشاعر ويلز ديلان توماس، الذي خصصت له هذه السنة أيضا بمناسبة مرور مائة عام على ميلاده عام 1914، وستين سنة على رحيله عام 1953 عن ثمانية وثلاثين عاما عام 1953، وهو العمر الذي رحل فيه السياب أيضا.

برنامج الاحتفال السنوي بتوماس، الذي أعد من أشهر، لا يمكن اختصاره، فقد جاء في أكثر من ثلاثين صفحة، كما لا يمكن ذكر الفعاليات كلها، إذ هناك أكثر من فعالية في كل أسبوع تقريبا، من وضع زهور على اسمه المنقوش في زاوية الشعراء في ويستمنستر، ثم افتتاح الاحتفال رسميا في مجلس النواب البريطاني، إلى زيارة قبر الشاعر في مدينته سوانسي إلى البرامج التلفزيونية والإذاعية عنه، وبينهما صدور كتب جديدة عن شعره وحياته، منها كتاب البروفسور جون كودباي، وإعادة عرض مسرحياته، خاصة مسرحيته الشهيرة «أندر ذي ملك وود»، التي سيفتتح عرضها الأول رئيس وزراء ويلز، أحد عشاق شعر توماس، التي سيجري تحويلها لاحقا إلى أوبرا.

الأفلام الوثائقية عن حياة الشاعر، وعلاقاته، والأماكن التي زارها، وحتى الحانات التي كان يرتادها، والتي قضت عليه، والتسجيلات بصوته، وأصوات شعراء آخرين، من بينهم ومنهم شاعرة التاج البريطاني كارول آن دوفي و«شاعرة ويلز» جلين كلارك، والمعارض الفنية التي تستلهم قصائده، لا يمكن حصرها أيضا، وستتنقل في كبريات المدن البريطانية كلندن، وكارديف، عاصمة ويلز، ومدينته سوانسي، بالإضافة إلى تنظيم معرض خاص في نيويورك، التي عاش فيها الشاعر فترة.

وهناك برنامج خاص أعده المجلس البريطاني لـ«ترويج» الاحتفال بمئوية توماس عالميا من خلال دعوة شخصيات ثقافية وسياسية من بلدان مختلفة، وبينهم رئيس الولايات المتحدة السابق بيل كلنتون.

والأهم من ذلك كله افتتاح مدرسة صيفية خاصة لاستقبال الطلاب الأجانب الراغبين في دراسة شعر توماس.

ألم نقل إنها مقارنة مؤلمة، وقد تكون ليست في محلها، بين احتفالاتهم بشاعرهم ديلان توماس الذي، رغم أهميته، لم يحدث اختراقا في الشعر البريطاني، واحتفالنا بالسياب الذي أحدث اختراقا كبيرا في الشعر العربي، وأوقفه على قدميه خاصة بقصائده الكبرى: «غريب على الخليج» و«أنشودة المطر»، و«النهر والموت» و«حفار القبور» و«المخبر» و«المومس العمياء» و«الأسلحة والأطفال»، والتي هي في تقديرنا من أهم القصائد في الشارع العربي قديما وحديثا.

لقد مرت خمسون سنة، وهي فترة اختبار أكثر من كافية لقوة القصيدة، في فترة عربية تعددت فيها الاتجاهات والمدارس، وكثرت فيها الانقلابات الشعرية وغير الشعرية، وسادت الفوضى وكثر المدعون والمتطفلون. لكن قصيدة السياب بقيت، وما يزال مطر السياب يهطل علينا. والأولى بنا أن نرد إليه بعض جميله!