شايغان يكتب عن تناقضات المجتمع الإيراني

طهران تحتفي بفيلسوفها بمناسبة صدور كتابه «المساحات المفقودة»

داريوش شايغان
TT

تشهد كل فترة تاريخية في الدول المختلفة ظهور ثقافة ومفكرين يحاولون طرح قضايا بلادهم، وتعريف ثقافتها من خلال الكتابة أو الإدلاء بتصريحات قد تتجاوز الشأن التاريخي والثقافي الخاص لبلد ما، وتتحول إلى جزء من الاهتمامات الفكرية في تلك الفترة التاريخية المعينة. يعد الدكتور داريوش شايغان من المفكرين الذين ظهروا في التاريخ الإيراني المعاصر، وقد تجاوز صيته حدود بلاده إلى العالم. لشايغان كتابات فكرية ذات جذور عميقة في ثقافة الشرق على العموم، والثقافة الإيرانية على وجه خاص، مما مكنه من أن يكون مفكرا إيرانيا على المستوى العالمي.

وقد صدر حديثا عن شايغان كتاب لقي اهتمام الأوساط الثقافية في إيران، ونظمت مجلة «بخارى» الإيرانية، ودار «فروزان» للنشر، ومؤسسة «ملت» الثقافية، حفلا بمناسبة إصدار الكتاب الجديد في العاصمة طهران يوم 29 ديسمبر (كانون الأول) 2013.

وشهد الحفل حضور عدد من الوجوه الثقافية الإيرانية مثل الخبير والباحث في أشعار حافظ الشيرازي بهاء الدين خورمشاهي، والمترجم والمحرر كامران فاني، وعضو مجلس أمناء موسوعة العالم الإسلامي محمد منصور هاشمي، والباحث في الشؤون الدينية والفلسفية مصطفى ملكيان، والمخرج عباس كياروستمي، والرسام إيرج كلانتري.

يقدم شايغان منذ أكثر من نصف قرن في آثاره التي استحوذت على اهتمام الأوساط العلمية والثقافية، نظرة تاريخية وفلسفية وفي بعض الأحيان عرفانية عن الحقائق المعقدة وتارة متناقضة للعالم المعاصر، والمجتمع الإيراني، يستمدها من تجاربه في الحياة وقيامه بالأبحاث في الدول المختلفة.

لقد أصدر شايغان كتاب «أسيا در برابر غرب» بالفارسية منذ 45 سنة، ومجموعتي «نغاه شكسته»، و«أفسون زدكي» أخيرا.

ويضم كتاب «فضاهي کمشده» (المساحات المفقودة) الذي صدر حديثا، مجموعة من أفكار الكاتب في الشؤون الفنية منها الرسم، والتصوير، والهندسة المعمارية، وفلسفة الفنون.

وتدل مؤلفات شايغان على معرفة دقيقة للوضع الإنساني في العالم المعاصر، فالمؤلف يخوض في تفاصيل الحالة الإنسانية محاولا أن يقدم مفهوما أسمى لهذه الحالة في العالم المعاصر، ومن ثم يسعى لتبيين القضايا الإيرانية ومشهد الصراع الدائر بين التقالد والحداثة في البلاد.

وأشار خورمشاهي في كلمة في هذا الحفل إلى «وجوه التقارب بين شايغان والشاعر الإيراني حافظ الشيرازي في الشخصية»، وقال «يعد شايغان وحافظ الشيرازي من ورثة الإرث التاريخي العظيم لإيران الذي يمتد إلى ثلاثة آلاف سنة.

لقد أحيا حافظ الشيرازي هذا الإرث، والأساطير الإيرانية، بنظرته وحكمته الخاصة، إذ يضم ديوان الشاعر نظرة وفكرة عالمية شاملة ممزوجة بالأساطير، والقصص التاريخية، وما وراء التاريخ، والحكمة. ورغم أن الدكتور شايغان لم يؤلف كتابا عن حافظ الشيرازي، غير أنه لديه مقالات وتلميحات قيمة للغاية عن هذا الشاعر الإيراني».

وأضاف خورمشاهي أنه «من دون شك يعد شايغان فيلسوفا، غير أن أبحاثه لم تقتصر على مجرد الشأن الفلسفي، بل تتعداه للفلسفة بين الفنون».

يعد العديد شايغان فيلسوفا إيرانيا معاصرا، وقد ألف معظم آثاره حول الفلسفة المقارنة باللغة الفرنسية. وحازت رواية «أرض السراب» باللغة الفرنسية على جائزة اتحاد الكتاب الفرنسيين في عام 2005، ولم يجر ترجمتها إلى الفارسية حتى الآن.

وقال مصطفى ملكيان إن «شايغان يقدم في آثاره الأدبية صورة عن الوجوه الثقافية العالمية والإيرانية»، وأشار إلى أن «مؤلفات شايغان حافلة بالأوصاف، والصور الكثيرة عن الثقافتين الإيرانية والعالمية، والشرقية والغربية. فلهذا يمكن اعتبار شايغان فيلسوف الثقافة».

وتابع ملكيان: «أعتقد أن شايغان فيلسوف يجمع بين النزعة النسبية والمطلقة». فالنزعة النسبية لدى شايغان تتجه نحو الأمور المعرفية التي يرى أنها ليست مطلقة، غير أنه يسعى للنزعة المطلقة في الأمور العاطفية والحسية، والهيجان الباطني. فإنه يؤمن بأن الأمور المعرفية تتعرض للتغيير، والتنوع، والسيولة، وعدم الثبات، ولكنه في الوقت نفسه يطمح لنزعة مطلقة في مؤلفاته.

وفي عام 2011، نال الدكتور شايغان الميدالية الكبرى للفرانكفونية التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية.

وتطرق كامران فاني إلى الاختلاف بين كتابة المقالات والدراسات، وقال «يضم كتاب (المساحات المفقودة) دراسات وأبحاثا حول موضوع معين من وجهة النظر الشخصية، والرواية الفردية، وتجربة حياة المؤلف».

وعالج شايغان جزءا من تاريخ الفكر الإيراني من خلال معالجة مواضيع مثل «الشرق والغرب»، و«التجدد والأبدية»، و«حوار الحضارات»، و«العولمة والهويات الثقافية المحيطية»، و«إزالة سحر العالم القديم والولوج في سحر العالم المعاصر»، و«الطفرة التاريخية والثقافية»، و«الوهم المزدوج»، و«الخروج من التارخ»، و«الفصام الثقافي»، و«الهويات المختلطة»، و«ديناميكية التفكير».

من جهته، عد محمد منصور هاشمي «الكتاب الأخير لشايغان يتناول الشؤون الفنية، أو بالأحرى المجموعة هذه جرى خلقها في بيئة فنية. يعد شايغان مفكرا يحاور الأشياء ويمنحها أبعادا مختلفة. وحاور المؤلف في هذا الكتاب الفن بعمق، وليس السياسة ولا المجتمع. وهذا أمر يلائم نظرة المؤلف، وأسلوبه في الكتابة، واهتماماته الثقافية».

واقتبس المؤلف عنوان كتابه من رواية «البحث عن الزمن المفقود» المشهورة للروائي الفرنسي مارسيل بروست. ويبحث شايغان في كتابه عن الأمكنة الضائعة والمفقودة من أجل التخلص من الأزمنة التي تختبئ فيها. وأشار الدكتور شايغان إلى أن معظم المقالات التي وردت في الكتاب كانت باللغة الفرنسية في البداية، إذ جرى نشرها خلال العقود الأخيرة في مجلات فرنسية.

وقال «جرى كتابة بعض المقالات باللغة الفارسية منها المقال الذي يدور حول المصور الإيراني بهمن جلالي، كما انتشر المقال حول الرسامة الإيرانية أيدين آغداشلو بالفارسية والفرنسية. وقمت بترجمة عدد من المقالات من الفرنسية إلى الفارسية».

ولم يخف شايغان إعجابه بالكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتين، وقال «تأثرت أيضا بالكاتب والشاعر الفرنسي شارل بودلير. لم أكن يوما شاعرا، ولكنني أحب الشعر كثيرا، وفي الشعر الإيراني أميل لعمر الخيام، وحافظ الشيرازي، وجلال الدين الرومي، وسعدي الشيرازي الذي أعتقد أنه من كبار الشعراء الإيرانيين، ولم يلق اهتماما يليق بمستواه».