مبارك الخالدي: الشعر مكون مهم في الثقافة الأميركية كما هو في العربية

الناقد والقاص السعودي يطلق مشروعا لترجمته وتنظيم سلسلة أمسيات عنه

د. مبارك الخالدي
TT

منذ دراسته الأدب في جامعة أوهايو الأميركية نهاية التسعينات، والناقد والقاص السعودي الدكتور مبارك الخالدي، أستاذ الأدب الإنجليزي المساعد في جامعة الدمام (جامعة الفيصل سابقا)، يواصل اهتمامه بترجمة ودراسة الشعر الأميركي وتقديم نماذج منه للقارئ العربي. وأخيرا، نظم أمسيتين ضمن سلسلة أمسيات أطلق عليها «بوتيك بوبري» لتقديم قراءات لشعراء أميركيين.

ويرى د. الخالدي في هذا الحوار معه أن الشعر يحتل موقعا مهما بمثل ما يمثله الشعر في الثقافة العربية. بل إن الاهتمام الأميركي بالشعر يفوق ما يلاقيه في العالم العربي فـ«أميركا هي الدولة الوحيدة التي ينظم قصرها الرئاسي أمسيات شعرية يفتتحها الرئيس».

التقينا الخالدي في الدمام، حيث يقيم، وأجرينا معه الحوار التالي:

* لديك مشروع لترجمة ودراسة الشعر الأميركي المعاصر، وأخيرا نظمت أمسيتين مكرستين له في الدمام. لماذا الشعر الأميركي؟

- لأنه في البدء كانت الفكرة، وكانت الفكرة صغيرة لتقديم أمسية لشاعرة واحدة هي جوي هارجو، ثم أخذت الفكرة الصغيرة بالتمدد لتغدو أكبر (ثلاث شاعرات)، وأكبر وأكبر لتشمل الشعر الأميركي بتقديم نماذج منه.

أما لماذا الشعر الأميركي بالذات؟ فكما أن «العرق دسّاس» كما يُقال، فيبدو أن التخصص دسّاس أيضا، فأنا أترجم شعرا قرأت بعضه في قاعات الدراسة، وقرأت بعضه خارجها. لا أدعي أنني مواكب بالقراءة لكل الشعر الذي يُنشر في الولايات المتحدة الأميركية، لكن أستطيع الادعاء بأني أعرف طريقي جيدا على خارطة الإبداعي الشعري هناك.

* نعرف موقع الشعر في الثقافة العربية، أين موقعه في الثقافة الأميركية؟

- سؤال يملك قابلية الانفتاح على جوابين؛ الجواب الأول: موقع الشعر الأميركي في الثقافة الأميركية يشبه موقع الشعر العربي في الثقافة العربية، ويشبه موقع شعر أي أمة في ثقافتها، إذ يشكل الشعر مكونا مهما من مكوناتها. فلا أعتقد أن ثمة أمّة بلا شعر ولا شعراء. الأمة العربية ليست فريدة ووحيدة في اهتمامها بالشعر، أو بكون الشعر لبنة مهمة في صرحها الثقافي. الفرق هو أنها قالت: إن الشعر ديوانها.

الجواب الثاني: إن موقع الشعر الأميركي في الثقافة الأميركية يمكن تبينه والتعرف عليه مما يتوفر في الواقع من علامات ودلائل. فأميركا هي الأرض التي أنجبت «والت ويتمان» و«إدغار آلان بو» و«تي إس إليوت»، و«عزرا باوند»، و«لانغستون هيوز»، و«روبرت فروست»، و«ويليام كارلوس ويليامز»، و«ولاس ستيفنز»، و«مايا أنجلو»، و«غويندولين بروكس» و«نيكي جيوفاني» وأسماء كثيرة لا تحصى. فلا يمكن أن يوجد هؤلاء في سياق ثقافي لا يحتفي بالشعر والشعراء.

* هل يحظى الشعر بميزة ثقافية؟

- ربما تكون الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تعيّن أكبر وأضخم مكتبة فيها (مكتبة الكونغرس) شاعر الدولة (البلاط)، وتعيّن مستشارا للشعر، وتحذو حذوها بعض الولايات، وأميركا من البلدان القليلة التي يدفع فيها الناس رسوما لحضور الأمسيات الشعرية كما يحدث في مكتبة الكونغرس وغيرها، وأميركا من البلدان القليلة التي ترى فيها مقاهي تنظم أمسيات شعرية أسبوعية يدعى إليها شعراء من جميع أنحاء البلاد، كما شاهدت في مواظبتي على حضور أمسيات أحد المقاهي في مدينة كولومبس في ولاية أوهايو. وربما البلد الوحيد الذي ينظم قصره الرئاسي أمسيات شعرية يفتتحها الرئيس.

* اخترت في أمسيتك الأولى ترجمة نصوص مختارة لثلاث شاعرات أميركيات من أصول مختلفة وهن ريتا دوف، جوي هارجو، وجول كلتشر.. هل يشير ذلك إلى تعددية ثقافية وشعرية؟

- نعم.. إنه يشير إلى تعددية ثقافية وشعرية، وذلك ما كنا نهدف إليه بتقديم هذه الأصوات الشعرية الثلاثة، لتكون عينة للتذوق المبدئي لما هو آت في المستقبل القريب.

* أين يلتقي الشعر الأميركي مع الشعر العربي؟ ما أوجه الشبه والاختلاف بينهما؟

- يلتقيان ويتقاطعان عند الإنسان، فكلاهما يعبر عن تجارب إنسانية تتماس مع بعضها عند نقاط معينة، ويفترقان ويبتعدان عند الإنسان أيضا، نظرا لاختلاف التجارب الإنسانية من سياق ثقافي إلى آخر.

* ما جهودك في تعريب الشعر الأميركي والإنجليزي بشكل عام.. هناك كتاب لك يحمل بعضا من هذه النصوص مع قراءات لها؟

- جهود قليلة وضئيلة، لم تثمر بعد ما يستحق أن يحويه كتاب. لكن «بوتيك بوبري» هو عنوان الكتاب الذي تتساءل عنه.

* «بوتيك بوبري».. ماذا يعني هذا العنوان؟ خاصة أن أمسيتيك عن الشعر الأميركي حملتا العنوان ذاته؟

- حرفيا يعني «خليطا شعريا»، ولكنه يعني أكثر من ذلك مجازيا ورمزيا، فكلمة بوبري (Potpourri) توجز بدقة وبعمق معا الفكرة التي ينهض فوقها مشروع سلسلة أمسيات الشعر الأميركي المعاصر الذي ينفذه فرع جمعية الثقافة بالدمام في موسمه الفني والثقافي لعام 2014.

ويعرِّف المعجم «بوبري» بأنه خليط من أزهار وأعشاب يستخدم للتعطير. أما في توظيفي لها تنزاح الكلمة «بوبري» عن معناها القاموسي لتكون المفتاح لفهم واستكناه هذا المشروع وللتعبير عن طبيعته وأهدافه، ومجازا تستحضر خليط الأزهار الحقيقية لتكون معادلا موضوعيا للقصائد الأزهار التي أختارها من حديقة الشعر الأميركي. ومن ناحية أخرى، هي المفهوم الذي أهتدي على ضوئه في اختيار الشعراء والشعر، وتُنظم به عناصر وفقرات كل أمسية.

إن جوهر المفردة «بوبري» أو فحواها، هو التعدد والمتعدد والتعددية، المدلول عليه بالخليط، ولهذا أرى أنها تعبر أفضل تعبير عن هدف رئيس من أهداف هذا المشروع، وهو تجسيد للتعددية الثقافية للأدب الأميركي بوجه عام وللشعر الأميركي بنحو خاص. إضافة إلى ذلك، تعني «بوبري» أنثولوجيا - أنطولوجيا، أي تعبر عن الهدف الأخير لمشروع «بوتيك بوبري»، وهو جمع قصائد أمسيات الشعر الأميركي المعاصر في كتاب.

* هل يتلاقى مشروعك في ترجمة الشعر الأميركي مع أي جهد آخر للتعريف بالشعر العربي أميركيا؟ هل هناك جهة حاضنة أو راعية لهذا العمل؟

- يلتقي مشروع «بوتيك بوبري» مع أي مشروع ترجمة سواء للشعر الأميركي أو للأدب الأميركي بشكل عام، ومع أي مشروع ترجمة عربي آخر. إنه مشروع متمم ومكمل لما تنجزه مشاريع الترجمة الأخرى. لكن ليس لدي قبس من معرفة بوجود مشروع للتعريف بالشعر العربي أميركيا.

أما الجهة الحاضنة لـ«بوتيك بوبري»، فهي فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام، التي أدين للعاملين فيها بالامتنان والتقدير للدعم غير المحدود الذي يقدمونه من أجل إنجاز المشروع، وفي مقدمتهم مدير الفرع أحمد الملا.

* الحراك الثقافي

* كيف ترى الحراك الثقافي داخل المؤسسات الرسمية.. هل تشعر أنه يستجيب لنبض الشارع، ولحركته؟

- أرى أنه يستجيب لبعض نبض الشارع، كون قلب الشارع لا ينبض ثقافيا كُلّية ودائما، ففي الشارع من لا يهمه الحراك الثقافي داخل المؤسسات الرسمية أو خارجها، ومن يرى أنه يستطيع العيش من دونها، فلا يكترث لها ولما تنتجه. وهذا ليس ذمّا في هذا البعض من الشارع، إنما وصف لما أعتقد أنه جزء من الحقيقة. ولهذا تكون الاستجابة لنبض الشارع كله، أو تقديم ما يرضيه وما يرضى عنه من المستحيلات. ولا أظن أنه يرضي ويشبع ميول شريحة كبيرة من «المثقفين والمثقفات» لأسباب لا أحب التطرق بالكلام إليها الآن.

* كمراقب وناقد، كيف ترى استجابة المثقفين السعوديين لحركة العصر الذي يعيشونه؟

- لنعرف أولا حركة العصر هذه لتسهل الإجابة.. لكن وبكمية هائلة من التحفظ أتوقع أنه سيكون هناك استجابات لعدد المثقفين ولعدد التيارات الفكرية والسياسية التي ينتمون إليها، وليس استجابة واحدة. قل لي من أنت وإلى أي تيار تنتمي، أستطيع أن أرسم تصورا لاستجابتك لأي حركة من الحركات. وجود استجابة واحدة من جميع الأطراف معناه لا يوجد أطراف مختلفة إطلاقا، وأن الناس في هذا البلد مستنسخون، أو مخضعون لعملية مجانسة قسرية.

* إلى أي مدى ترى أن ما يُكتب أو ينتج من أعمال ثقافية يلبي رغبة القارئ والمتلقي النهم؟

- لا يوجد قارئ، بل مئات الآلاف أو ملايين من القراء، ومن الطبيعي أن يكون بينهم من لا يلبي رغباتهم ما يُكتب أو يُنتج من أعمال ثقافية، خصوصا رغبات ما يوصف بالمتلقي النهم. الأعمال الثقافية التي ترضي جميع الرغبات وتشبع ميول كل القراء هي «Chimera»، وهم وحلم ليس بمقدور أي إنسان تحقيقه.

* لدينا تجارب حديثة ينتج فيها الشباب الثقافة على طريقتهم عبر «الميديا» ووسائل التواصل الاجتماعي.. كيف تنظر لها أنت؟

- أراها روافد مهمة من روافد الثقافة، يثبت وجودها اتساع مساحة العمل الثقافي وتعدد وسائل الإنتاج الثقافي، وخروجهما عن أطر وحدود السيطرة الرسمية.