بشار الجعفري ينشد شعراً!

ميرزا الخويلدي

TT

آخر مشاهد الكوميديا السوداء ما يحدث اليوم في الأمم المتحدة، فالمندوب السوري هناك بشار الجعفري يتوسل بكل أسلحة البلاغة ويستعين بالشعر لتحسين صورة نظامه. لكن لو كانت الفصاحة تنفع لنفعت العرب طوال 50 عاماً من عمر الخطابات البليغة على هذا المنبر الدولي!

قبل أيام كان وليد المعلم وزير خارجية سوريا يلقي خطاباً بليغاً هو الآخر في مؤتمر جنيف، وظنّ أن ترسانته من أسلحة البلاغة كافية لتغيير الموقف الدولي، فجاءه الردّ من الخارجية الأميركية بأن «فنّ البلاغة لن يغير شيئاً»، وهو بالفعل لا يغير شيئاً، فالعالم يحتاج إلى حقائق ووقائع، لا إلى خطب وقصائد شعر.

وعلى ذكر قصائد الشعر، كانت الأمم المتحدة حلبة جديدة لمنافسة شعرية غير محسوبة، لم يكن يظن بشار الجعفري الذي يتقن فنّ الأداء أن زميله السعودي الذي يقف له بالمرصاد يمكنه أن يجرده من آخر أدوات المعركة التي يجيدها. فقد تورط الجعفري في ذكر بيت شعر منحول وناقص هو بالصدفة لشاعر سوري آخر، هو عبد الغني النابلسي (1641 – 1730) ونصه:

ألقاه في البحر مكتوفا وقال له / إياك إياك أن تبتل بالماء

فاجأ السفير عبد الله يحيى المعلمي المندوب السوري بأن صحح له البيت، وفند ما بناه على أساسه.

السفير عبد الله المعلمي الذي التقيته ذات أمسية قبل نحو عامين في القطيف، إداري فذّ، ومتحدث مفوّه، وهو نجل الفريق يحيى المعلمي الشاعر والفقيه اللغوي الكبير.

وعلى منبر الأمم المتحدة، لا يدعي أي من بشار الجعفري أو عبد الله المعلمي أية علاقة بالشعر، لكن الدبلوماسية السعودية كما السورية عرفت شعراء على مرّ العصور، اشتغلوا بالعمل الدبلوماسي واستخدموا الشعر وسيلة للحوار الثقافي، وليس ما يحدث اليوم حيث يستغل الشعر لتبرير المظالم.

مرت أيام كان فيها السفراء يقولون شعراً يحدث سجالاً صاخباً على إيقاع الحبّ والغزل، على نحو ديوان «طفولة نهد» الذي كتبه الشاعر الكبير نزار قباني أثناء عمله دبلوماسيا في السفارة السورية في القاهرة، حيث صدر ديوانه المثير سنة 1948. نزار قباني عمل دبلوماسياً في سفارات بلاده لدى تركيا وبريطانيا وإسبانيا والصين ولبنان من عام 1952حتى عام 1966.

إلى جانب قباني، يأتي الشاعر الكبير عمر أبو ريشة الذي تنقل في العمل الدبلوماسي لبلده سوريا في الأرجنتين وتشيلي والبرازيل وأصبح سفيراً للجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) لدى الهند والنمسا، وسفيراً لسوريا لدى الولايات المتحدة. وهو صاحب البيت الشهير:

وطنٌ عليه من الزمان وقار / النور ملء شعابه والنار

وللعلم فإن الأديب السوري خير الدين الزركلي، وهو من أبرز الشعراء والمؤرخين ومن أوائل الذين اشتغلوا بالعمل الدبلوماسي، عُيّن سفيراً ومندوباً ممتازاً (للسعودية) في المغرب من سنة 1957 إلى سنة 1963، وبالمناسبة فهو الشاعر الذي قال:

وطني طال بكائي / والأسى مما عَراكا

أترى تصفو سمائي / وكما أهوى أراكا

لم يكن الزركلي الشاعر الوحيد الذي عمل في الخارجية السعودية، فقد تلاه شعراء عملوا سفراء للمملكة، بينهم: الشاعر حسن القرشي الذي عمل سفيراً للمملكة لدى موريتانيا ثم السودان، والشاعر عبد العزيز محيي الدين خوجة السفير السعودي السابق لدى المغرب ولدى لبنان، والشاعر والروائي البارز غازي القصيبي، الذي عمل سفيراً لدى البحرين والمملكة المتحدة، والسفير عباس فائق غزاوي الذي عمل دبلوماسيا لدى عدة دول، منها تونس وتشاد وإيطاليا، حتى تم اختياره سفيرا لبلاده لدى ألمانيا، والسفير والشاعر أحمد بن علي المبارك الذي كان سفيراً لدى قطر، وآخرون.

لقد مرّ زمان كان الشعر سفيراً للثقافة، وعنواناً للتواصل الإنساني، قبل أن يتم استخدامه لتبرير الخراب.