لماذا يقبل السعوديون على قراءة الرواية؟

سجلت أعلى المبيعات في معرض الرياض الدولي للكتاب

TT

لماذا يقبل السعوديون والسعوديات على اقتناء وقراءة الروايات؟ سؤال يطرح الآن بقوة، خصوصا بعد معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، وكذلك في الأعوام القليلة الماضية، إذ تصدرت الرواية قائمة المبيعات. هل لأن قراءة الروايات هي «قراءة شيقة، ممتعة، وسهلة في الوقت ذاته، بعيدا عن صرامة الكتب الفكرية والعلمية؟ أم أنها تعويض عن فنون إبداعية أخرى غائبة، كالسينما مثلا، والدراما إلى حد ما، اللتين يمكن أن توفرا الكثير من الحاجات العاطفية والذهنية والمعرفية؟

في التحقيق التالي، يشارك عدد من النقاد السعوديين في تحليل أسباب الإقبال على الرواية، وماذا توفره لقارئها مقارنة بفنون أخرى:

يقول الناقد الدكتور معجب الزهراني: «إن مسألة تفسير انجذاب السعوديين والسعوديات نحو الرواية تحديدا وتفضيلها على غيرها من الأجناس الأدبية الأخرى لا ينبغي وضعها في إطار غياب متعة السينما كصناعة ترفيهية في المجتمع، وإنما هناك مجموعة عناصر تتداخل لتفسر ذلك».

ويعتبر الزهراني أن الرواية هي الخطاب الأكثر شفافية وعمقا وجمالا في المجتمعات المكتومة أو الكبتية، لأنها تعبر عن الجزء المخفي عن شخصية الفرد ومشكلات الحياة اليومية التي يعانيها، ولا تنعكس أو تتجلى أن يعبر عنها في الخطابات السائدة.

ويذهب إلى القول إن الخطابات السائدة رسمية ومشبعة بأنواع الجمود والمجاملة وربما بالنفاق الاجتماعي، مبينا أن الرواية في هذه الحالة تمثل شكلا آخر من الخطاب الجميل الذي يتمتع بمصداقية مع قدرته على التعبير عن المشاعر والأفكار الإنسانية بجرأة ووضوح وبشكل أدبي مقبول، وأن هذا هو العنصر الأول من تفسير الانجذاب نحو الرواية. أما العنصر الثاني فيعود إلى غياب الاحتفالية في المجتمع السعودي، لما له من دور كبير في دفع الفئات الجديدة في المجتمع للبحث عن مخارج لهذا الفراغ أو هذا الجفاف، بالتالي قراءة الكتب بشكل عام وليس فقط الرواية، مشيرا إلى أن ذلك يفسر كثافة الحضور من الزوار من كل الفئات والأعمار لمعرض الرياض الدولي للكتاب على مدى أيام انطلاقه.

ولفت الزهراني إلى أن الإقبال على الرواية في المقام الثالث يشتمل على البحث عن نوع من الجماليات المتنوعة في كتاب واحد، مبينا أن القصيدة مثلا تقدم متعة آنية، وكذلك القصة القصيرة وغيرها من الفنون الأخرى، بينما تلبي الرواية لدى الإنسان الكثير من الحاجات العاطفية والذهنية والمعرفية بحكم أنها عوالم متنوعة وتحتوي على الكثير من الظواهر والمواقف والأحداث.

من جهته، يرى الدكتور مبارك الخالدي أن هناك اندفاعا نحو الرواية من قبل البعض، نتيجة توهم بأنها فن سهل، وهناك من استسهل كتابتها. وهو يلاحظ أيضا أن هناك ارتفاعا في وتيرة القراءة واتساع رقعة الكتاب والقراء على حد سواء، مقارنة بما كان عليه الحال في عقود ماضية، مستبعدا ارتباط ذلك بغياب صناعة الترفيه السينمائي مثلا.

ويستدرك الخالدي بقوله إن الرواية، على أية حال، تتيح فرصة أكبر للبوح، ولذلك يجد بعض القراء فيها المتعة الشخصية، مقارنة بالقصيدة أو القصة القصيرة، في ظل ارتباط الرواية بالطبقة «البرجوازية»، مشيرا إلى أنه في السعودية تحديدا اتسعت فئة الطبقة الوسطى المتعلمة التي لها القدرة المادية والاستعداد على الاطلاع والقراءة عموما.

ويخلص الخالدي إلى أن مسألة ربط انجذاب الرواية بصناعة السينما يصعب الإفتاء فيها لغياب دراسة عملية حقيقية ترصد أرقاما تحدد الوضع الحقيقي للصلة بين هذين الجنسين من أدوات الترفيه رغم تقارب وتباعد مسافة الشبه بينهما، لافتا إلى أنه حتى في أكبر بلاد العالم لإنتاج السينما كالولايات المتحدة مثلا يوجد إقبال متزايد نحو الرواية، إذ إن نمو صناعة السينما لا يمنع قراءة الرواية، والعكس صحيح، بدليل زيادة مبيعات الروايات.

ولا يرى الناقد أحمد بوقري أن إقبال الجمهور السعودي على الروايات الأدبية يأتي تعويضا عن غياب السينما والمسرح، ويقول: «إن الجمهور السعودي يظل متعطشا للسينما والمسرح حتى يصبحا حقيقتين ماثلتين في واقع ومشهد الحياة اليومية في بلادنا».

ويضيف: «دليلي على هذا الشغف الجميل الذي نلمسه لدى الجمهور السعودي في ارتياده لدور السينما في البحرين ودبي وحرصه على متابعة آخر منتجات الصناعة السينمائية الأميركية والعربية في آن».

لكن إقبال الجمهور على قراءة الرواية الأدبية، برأي بوقري، راجع إلى «الطفرة المحلية والعربية في إنتاجها والحرية المكتسبة لها والمنتزعة مع انفتاحها القوي على المسكوت عنه والفضائحي والجنسي واللامفكر فيه سابقا، بالإضافة إلى أننا أدبيا نعيش بالفعل في زمن الرواية في ظل انحسار نسبي للأنواع الأدبية الأخرى كالشعر الذي أخذ يلتحف بنخبويته في ظل غياب الرموز الشعرية الكبيرة كنزار قباني ومحمود درويش. هذا الزمن صار فضاء كونيا تلتمع فيه الرواية كأكبر المجرات الإبداعية، تسير في ركابها بقية المجرات الأدبية وتختفي في ظلالها!».

* لكل فن عوالمه

الروائي خالد اليوسف يرى هو الآخر أن الرواية وعوالمها وتكوينها تتميز بخصوصيتها، كما أن للمسرح خصوصيته كذلك، والسينما لها خصوصيتها المختلفة عن الرواية والمسرح.

ويضيف متسائلا: «لو كان لدينا مسرح في كل مكان، وصالات سينما في كل زاوية، هل سيقل الإقبال على متابعة وقراءة الرواية؟»، ويجيب: «طبعا لا، لأن الرواية جاءت ثورتها وانتشارها ونشرها، والانكباب عليها، مصاحبة لظروف عالمية، وهي الانفتاح الإعلامي، والتقارب الإنساني، والانسجام والتسامح التقني، والنضج الأدبي، ثم إن التوسع في الحركة الأدبية والعلمية والثقافية في حياتنا عامة جلبت إليها الأنظار، جميع هذه وغيرها استحوذت على القراء والمتابعين والدارسين لمعرفة ما وراء هذه الرواية. الرواية التي حولت الأعين من متابعة موضوعات شتى لتنحصر في عالمها، ثم بعد أن ارتفعت الحصيلة القرائية ارتفعت معها بوابات الكتابة الروائية، التي انبلجت على كل مجالات الحياة».

ويضيف: «إن وجود السينما والمسرح في حياتنا لن يغير من وجود الرواية وقراءتها، لأن المسرح له عشاقه ومعرفة جمالياته وتفاصيله الحركية والتجسيدية بكل الألوان والأصوات، والسينما لها محبوها وعشاقها من خلال الشاشة الضخمة التي تضيء للنظارة عن عالم وفتنة خاصة. فالرواية هي عالم القراءة والغوص في عوالم التخيل وبناء زمكانية مثيرة، والتضاد مع الواقع والفكر والرؤى والأحلام، ومن ثم الآمال التي كل بطريقته يفسر وجودها من عدمه، والرواية هي عالم الدهشة والصدمة والإثارة، وهي عالم اللغة والجمال البنائي والتشكيلي. ولذلك فالرواية هي عالم خاص وستعيش مع وجود السينما والمسرح، بل هي رافد من روافدهما».

* لا صلة بين السينما والرواية

ويقول الناقد السينمائي خالد ربيع إن قراءة الروايات تغذي غريزة التلذذ بالأدب، وكما هو متفق عليه فبداخل كل إنسان ميول وغرائز كثيرة للكثير من المناشط والسلوكيات والأهواء، سواء في ممارستها أو استهلاكها، وهو دائما يلبي حاجات رغباته بإشباعها بما هو متاح أمامه، غير أن قراءة الروايات (والشعر) مرتبطة بالتخييل الذهني والتلذذ باللغة المكتوبة وغير ذلك. إنها عادة تتلبس الإنسان سعيا وراء المعرفة المرتبطة بالمتعة والجمال، أما بالنسبة للذهاب إلى السينما والمسرح فهما نشاطان حركيان ترويحيان يفعلهما الإنسان لإشباع حاجة التنقل الجسدي والعقلي بين المكان والزمان واستكشاف العوالم، لذلك كان الرحالة يسافرون وما زالوا، ولكن الحياة المدنية الآن مغرية للاستكشاف والترويح العصري بما فيها من تقليد أساليب الحياة المدنية في العالم بأكمله.

ويضيف ربيع: «الذهاب إلى السينما أو المسرح يلبي أيضا حاجة الارتحال البصري والانطلاق بالخيال السحري الذي توفره شاشة السينما، ومعايشة عوالم أخرى، لذلك فإن السينما والقراءة نشاطان غريزيان مختلفان في دوافعهما. أما الجمهور السعودي فهو يعوض حاجة الانتقال والترويح بممارسة نشاطات كثيرة أخرى، وعندما يرغب في مشاهدة فيلم فإنه يشاهده عبر الوسائل الأخرى. ودعني أجزم بأن الجمهور السعودي لم يتربَّ على ثقافة السينما، وهي غير موجودة كحاجة ملحة لديه. لاحظ أنني أتكلم عن عامة لا عن نخبة، لذلك أعمّم بجزم، ولو أنه تربى على السينما لكان بالإمكان قبول فرضية أنه يعوض عدم تحققها بالقراءة».