الصفحات الثقافية.. الحلقة الأضعف في الصحافة العراقية؟

مثقفون يناقشون مشكلاتها بعد عشر سنوات من التغيير

علاء المفرجي - حسام السراي
TT

بعد أكثر من عشرة أعوام من عمر التغيير في العراق، وانتعاش الساحة الإعلامية والثقافية بالعشرات من إصدارات الصحف والمجلات والمطبوعات الجديدة، بعد أن كانت محصورة بعدد محدود منها، شكلت الصفحات الثقافية المتخصصة في الصحافة المكتوبة الحلقة الأضعف فيها، وبدت مترددة في محاكاة التغييرات الجديدة في البلاد، وميول القراء، ومجاراة المنافسة الجديدة التي فرضتها مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية بما تحمله من رشاقة وسرعة في نقل الصور والأحداث والقصص مقابل الصحافة الورقية التي هي في تراجع مستمر.

في ندوة متخصصة نظمتها النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين ضمن منهاجها الثقافي الشهري، ناقش أربعة من مسؤولي الصفحات الثقافية في أربع صحف يومية بغدادية بارزة، واقع المنتج الثقافي الذي ينشر في الصفحات الثقافية، وطرحوا تساؤلات حول مدى مواكبته المشهد الثقافي العراقي الجديد، متناولين المعوقات ومدى تأثير النشر الإلكتروني على الصحافة اليومية، إضافة إلى مسألة التحقق من المواد ونوعيتها ودقتها، سواء أكانت موضوعة أم مترجمة.

وأخيرا، قدموا تصوراتهم حول الصحافة الثقافية المتخصصة، وإذا ما كان في العراق مثل هذه الصحافة. يقول الكاتب والإعلامي عبد الكريم العبيدي، محرر الصفحة الثقافية في جريدة طريق الشعب (الناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي): «من الغريب أننا لا نملك حتى اليوم إعلاما عراقيا متخصصا يرصد ويحلل وينقد النتاج الثقافي بكل مكوناته، وذلك بسبب عدم وجود ما يعرف بالثقافة الصحافية. الموجود حاليا ليس سوى صفحات ثقافية، صحف متباينة يغيب عنها التخصص وتظهر فيها مزاجية رئيس التحرير».

ويضيف: «إن واحدة من أخطر المشكلات التي تواجه الساحة الثقافية هي تواترات البيئة والخطوط الحمراء والتهديد والرعب.. وميل الصفحات الثقافية المحلية، وحتى العربية، حسب ميول محرريها، فإن كان شاعرا غلب عليها طابع الشعر، وكذلك الحال، إن كان قاصا أو ناقدا.. ولا تخلو أي صفحة ثقافية في العراق من أنفاس محرريها، إضافة إلى التجاوز على الصفحة بعدم إصدارها لفسح المجال لمواد أخرى، خصوصا في الصحف الحزبية».

وشخص الناقد والإعلامي علاء المفرجي المحرر الثقافي لجريدة «المدى البغدادية» مشكلات الصحافة الثقافية في الصحافة العراقية، بالقول: «إن مفاهيم المثقف في المؤسسات الصحافية المتداولة هي مفاهيم ليست مطلقة ومعانيها مرهونة بموقعها في الثقافة العراقية، كما أن مفهوم المثقف في العراق جرى تكريسه فقط بأنه الأديب أو الفنان في حين أن المفهوم أوسع من ذلك، وكذا الحال مع المنتجات الثقافية التي حددت هي الأخرى بمؤسسات محددة مثل اتحاد الأدباء والجمعيات الثقافية، في حين ظل جسد الثقافة في البلاد عاجزا عن دمج مؤسسات ثقافية كبرى معه، مثل الجامعات ومراكز البحث العلمي وغيرها، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على المشهد الثقافي والصفحات الثقافية بشكل عام». وأكد المفرجي حاجة معظم الصفحات الثقافية إلى محرر صحافي مثقف ومختص يمتلك حرفية الصحافي العادي وأدواته، وليس الثقافة فقط، بالشكل الذي يمكنه من التعليق على كتاب أو نص أدبي أو مقال نقدي.

بدوره، أشار الإعلامي والشاعر حسام السراي من صحيفة «الصباح الجديد»، إلى أن كل محرر له تجربة خاصة به حين ينتقل من العمل الأدبي إلى الثقافي، مبينا أن الصفحة الثقافية كانت خلال الأعوام الماضية تشتمل على المادة الأدبية من قصة وقصيدة وغيرهما. ولكن ينبغي، كما يضيف، مغادرة تلك الصيغة السابقة نهائيا، ولا بد من فتح المجال للرأي والمتابعة الثقافية، وفيما يخص النصوص الإبداعية يجري تخصيص صفحات أسبوعية أو ملاحق خاصة لها، حسب وجهة نظره. وقد تحدث في الندوة القاص والإعلامي عبد الأمير المجر، مشيرا إلى أن بعض الصحف أشبه بالدكاكين الموظفة لفئات معينة، وبعضها يعتمد على الإنترنت، كم أن بعضها لا يعتمد على صحافيين أكفاء في اختيار، ونشر المواد الثقافية، داعيا إلى ضرورة الاختيار الدقيق للمحرر الثقافي، وعدم ترك الأمور دون معايير وضوابط.

وتطرق الإعلامي والشاعر علي وجيه إلى حقيقة أن «أغلب الأدباء والمثقفين بدأوا يتجهون إلى نشر موضوعاتهم على صفحات (فيسبوك)، مبتعدين عن الصحافة المقروءة، بسبب العزوف العام عن قراءة الصحيفة الورقية»، كما أشار إلى غياب الدعم المادي والمعنوي للصفحات الثقافية، بينما «نجد هناك اهتماما أكبر بالصفحات الرياضية»، كما قال.