باحث سعودي: نحتاج لنشر ثقافة احترام حقوق الإنسان

اعتمد على التشريعات الإسلامية في مقاربته

غلاف الكتاب
TT

في دراسته التي حملت عنوان: «حقوق الإنسان في الإسلام: المجتمع السعودي نموذجا» يشير الباحث السعودي سلمان العمري، إلى أن حقوق الإنسان تعرضت على مرّ التاريخ البشري إلى جملة من التحديات، وأن إهدار هذه الحقوق ظلّ متواصلا حتى اليوم، على الرغم من تطور الحضارات الإنسانية.

الباحث العمري يحاول أن يجعل الشريعة الإسلامية ميزانا لعمل منظومة الحقوق المدنية والاجتماعية للأفراد والجماعات، وانطلاقا من ذلك، يرى أن كرامة الإنسان وحقوقه مطلبٌ لا يقبل المساومة، فهي حقٌ أصيل قد كفله الله سبحانه للبشرية، ولا يمكن التنازل عنه.

يرى الكتاب كذلك أن «الإسلام جاء مرسِّخا لتلك الكرامة والحقوق لكافة البشرية حاملا شعارا عظيما وهو إعلانٌ إلهي لتكريم الإنسان الذي سُخِّرتْ له القوى كافة، لتنصاع لأمره»، كما يلاحظ أن «قضية حقوق الإنسان، تظفر بأهمية كبرى في العصر الحديث، على مستوى الشعوب والدول والمنظمات الدولية».

المؤلف الذي اعتمد على التشريعات الإسلامية في بحثه، دعا إلى إصدار قوانين صارمة، لحفظ حقوق النساء، وخاصة الأرامل والمطلقات، كما طالب بفرض العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد بأنواعه، ومحاربة الظلم، مؤكدا أن من أسباب تفشي الفساد غياب التشريعات والأنظمة التي تكافحه.

في هذا الكتاب يشدد الباحث على ضرورة استصدار قوانين صارمة لوقف العنف الجسدي والمعنوي ضد النساء والقصر، سواء كان مصدر العنف قريبا؛ كالأب والزوج، أو بعيدا، واستصدار قوانين صارمة ضد التحرش الجنسي.

وفي سياق المجتمع السعودي الذي اتخذه الباحث نموذجا، يؤكد الكتاب أهمية ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان في هذا المجتمع على مستوى الأفراد والمؤسسات التربوية والاجتماعية والتأكيد على حرمة الحياة الإنسانية عامة، سواء كانت لمسلمين أو غير مسلمين، «وذلك بتعظيم الحياة الإنسانية وحفظها وحرمة القتل، وحفظ حياة وحقوق غير المسلمين، والتأكيد على منع العنف والاعتداء الجسدي والمعنوي».

كذلك دعا الكتاب إلى إصدار قوانين تحفظ التعايش السلمي مع المختلفين في المذاهب والأديان، وسنّ القوانين الصارمة التي تمنع التجسس على عورات الناس وبيوتهم، وقوانين صارمة تكافح العنصرية، وأخرى لحفظ حقوق العمل والعمال. في هذا السياق تقول إحدى توصيات الدراسة «حرمة الحياة الخاصة للإنسان في محيط مسكنه وأسراره، فلا يحق لأحد كائنا من كان أن يتجسس ويتتبع سقطاته، إلا إذا ظهر أنه أخلَّ بالنظام العام، وأن الطعن في الأفراد بأشكالهم أو ألوانهم أو أنسابهم أو ألقابهم مرضٌ عضال لا يكون إلا في المجتمعات المتخلفة، فهذه العصبيات لا تأتي بخير لأحد، تجلب الإثم، وتوغر الصدور، وتسبب الفرقة بين الإخوة، وتفتت الوحدة الوطنية».

ويفرد الكتاب أيضا قسطا لعرض تقرير عن الحقوق الاقتصادية، كحق الملكية وفق مصلحة الفرد والجماعة، وحق العمل والعمال، والحق في الحصول على أجرٍ عادلٍ ومنصف، والحق في الراحة والحصول على إجازة، وأهمية رعاية الحقوق في حفظ الأمن والاستقرار وتدعيم المواطنة الصالحة، وقال: «لقد بات واضحا من خلال التجارب التاريخية أن النظم السياسية تفشل حين تهمش فيها الحقوق ذات المضمون الاجتماعي مثل العدالة الاجتماعية والعدالة بين البشر، والحرية المنظمة».

الاهتمام بالتثقيف هو صلب ما يسعى إليه الكتاب، حيث يؤكد على «أهمية تعزيز ثقافة الحقوق في مجتمعنا السعودي خاصة، وفي المجتمعات الإسلامية عامة، وفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية»، وهو يسعى، «لتشجيع ثقافة احترام حقوق الغير بين أفراد المجتمع ومؤسساته التربوية والاجتماعية، فالسلوك التربوي الحميد ينطلق حينما نؤمنُ جميعا بحقوق الآخرين، وهذا لا يتأتَّى إلا بنشر مثل تلك الثقافات التي يجب أن تكون هاجسا لنا وللمؤسسة التربوية التي تنطلق من المدرسة، ومن المؤسسة الاجتماعية».

المؤلف العمري يرى أن «تعزيز الثقافة الحقوقية في مجتمعنا لا يتم إلا بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، ليعلمَ كلُّ واحدٍ منا ماله وما عليه سواءٌ كان والدا أو ابنا أو زوجا أو زوجة، فهذا من شأنه أن يشكل مناخا صحيا، لاحترام حقوق الإنسان، كما أن تعليم حقوق الإنسان يتطلب أولا تهيئة مناخ وبيئة تعزز هذه الثقافة وتحترمها». كما يرى أن «تأسيس بيئة تحترم حقوق الإنسان يتطلب مناخا تحترم فيه هذه الحقوق وتعزز فيه قيم الحوار والاختلاف والتسامح واحترام الغير، - وأن ذلك يجري - عبر تعزيز شبكة العلاقات بين الأطراف المعنية في هذه البيئة على أساس التشارك والاحترام المتبادل وتقبل الآخر، فلا يمكن أن نعلم حقوق الإنسان في بيئة يسودها العنف والإذلال أو التحيز والتمييز».

ما يؤخذ على الدراسة أنها تركز كثيرا على الجوانب الاجتماعية ولا ترقى بالتفصيل للحقوق الفردية والسياسية، وهي رغم كونها تتخذ المجتمع السعودي نموذجا فإنها تهتم بنحو خاص بالبيئة التعليمية التي تدور العلاقة فيها بين التلاميذ ومعلميهم، يقول على سبيل المثال إن «البيئة التي يسودها الخوف والضعف والتي يحجم فيها المدرسون أو الطلاب من الشكوى أو الجهر بالسلبيات تثبط مراعاة حقوق الإنسان ولا تشجع عليها».

الكتاب يحاول تقديم توصيات، لكن يحمل على واضعي القوانين الدولية الناظمة لحقوق الإنسان «فواضعو بنود الحقوق في القانون تجاهلوا الخيارات الدينية، وهو تجاهل غير مستغرب، نظرا لصدوره من أناس لا دينيين، أو على أقل تقدير ليسوا بمسلمين»، لكنه يقول «إن هناك الكثير من القواسم المشتركة المتفق عليها بين الدين الإسلامي والقانون الدولي، كمحاربة الرق، وقضايا العدالة الاجتماعية، ومحاربة العنصرية، وبعض القوانين الحقوقية؛ نظرا للطبيعة البشرية الفطرية التي ترفض التمييز العنصري والظلم، والاعتداء بكل أشكاله، كما تبين من خلال استعراض التاريخ الإنساني أن أول من عني بقضايا حقوق الإنسان هو الدين الإسلامي قبل ظهور المنظمات الدولية الحقوقية».

يذكر أن هذا الكتاب هو العشرون في قائمة مؤلفات سلمان العُمري، والتي تنوعت مواضيعها بين قضايا اجتماعية، وإسلامية متعددة.