مثقفون عراقيون يطالبون بتحقيق انفتاح أكبر وكشف ملفات الفساد

بعد تعيين وزير جديد لوزارة الثقافة

عدنان حسين، حسين رشيد، حميد قاسم
TT

أكثر من 11 عاما على حقبة التغيير في العراق، منذ عام 2003 وحتى كتابة هذه السطور، لا يزال فيها ملف وزارة الثقافة العراقية، وطريقة أدائها، والمسؤولون عنها، وعلاقتهم بالوسط الثقافي والفني في البلاد، محط اتهامات وتراشقات متبادلة بين مدافعين عنها ومعظمهم ممن تسلموا كراسي المسؤوليات فيها، وبين جمهور كبير من المثقفين والفنانين ممن وجدوا في طريقة أدائها طيلة السنوات الثماني الماضية في دورتين برلمانيتين، فشلا كبيرا، وطالبوا، عوضا عن الوزارة، بتأسيس مجلس أعلى للثقافة من أجل دعم الثقافة العراقية بمعزل عن الإطار الرسمي المباشر، وتحقيق انفتاح أكبر نحو العالم.

وعانى الوسط الثقافي طيلة الفترة الماضية، بحسب آراء معنيين وأكاديميين، من عزلة تكاد تكون شبه تامة عن الحركة الثقافية المحلية والإقليمية والعالمية، لأسباب عديدة؛ أولها اضطراب الوضع السياسي، وعدم فاعلية الجهد الثقافي الحكومي، وسوء إدارة المسؤولين في أهم الدوائر والمؤسسات الثقافية داخل البلاد وخارجها، والأهم من ذلك إبعاد أهلها الأدرى بشعابها عن تولي مسؤوليتها، باختيار وزير للدفاع وزيرا بالوكالة طيلة السنوات الأربع الماضية.

وجاءت رياح الحكومة الجديدة في العراق، في دورتها الثالثة، لتختار وزيرا كرديا لتسنم منصب وزير الثقافة هو الصحافي فرياد راوندوزي (القيادي في الحزب الكردستاني).

وعلى الرغم من أنه لم يباشر عمله حتى الآن، فإن أقلام النقد الجارحة طالته مبكرا بعد أن عدّ البعض اختياره بمثابة انتكاسة جديدة للثقافة، بسبب كونه كرديا وليس عربيا، فيما دافع آخرون وعدوه الوزير الأكثر تميزا عن غيره لانتمائه للوسط الثقافي والأدبي والصحافي وعلاقته الطيبة بمعظم الكتاب والإعلاميين.

ماذا يريد المثقف العراقي من الوزير الجديد، وما آلية النهوض بالثقافة العراقية؟

يقول القاص والإعلامي حسين رشيد في حديثة لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من إعادة الوزارة إلى المثقف العراقي وإبعادها عن أي ممارسات طائفية ودينية وحزبية، وتحسين العلاقة بين الوزارة والمثقف، وتنظيم العلاقة مع اتحاد الأدباء بشكل خاص، ومنظمات ثقافية أخرى، من أجل الارتقاء بالثقافة الوطنية العراقية».

ويضيف: «يجب إعادة النظر في البيوت الثقافية المنتشرة في عموم المحافظات العراقية وكيفية اختيار كادرها وعملها، مع تخصيص ميزانية للمهرجانات التي تعنى بشؤون السرد والنقد، كون الثقافة العراقية أو الوزارة السابقة لم توليهما الاهتمام اللازم، مع أهمية الاهتمام بالسينما والمسرح والتشكيل عبر إعادة ترميم وبناء دور السينما والمسارح وقاعات العرض التشكيلي، كذلك تسمية مديرين من أصحاب الكفاءة والنزاهة والإدارة الناجحة لدوائر الوزارة».

وبشأن تمكين الأدباء وإسنادهم، أكد رشيد على «أهمية تخصيص ميزانية لإعانة الأدباء والمثقفين الذين يعانون أوضاعا صحية صعبة، مع مفاتحة وزارة الصحة لتسهيل أمورهم العلاجية، والعمل على المشروع الأكبر بتأسيس المجلس الأعلى للثقافة فيضم كبار المثقفين العراقيين، ويعمل على إعادة العلاقات الثقافية العراقية مع جميع دول العالم من خلال مد جسور معرفية وإبداعية، وأخيرا تخصيص جوائز لأفضل الإصدارات السنوية وفي كل المجالات الكتابية».

أما الصحافي عدنان حسين، فقد كتب في صفحته على «فيس بوك» ردا على انتقادات وجهت للوزير الجديد كونه كرديا وليس عربيا، يقول: «الثقافة هي نفسها؛ سواء كان الوزير عربيا أم كرديا أم تركمانيا. ولدينا أعلام من المنورين الكرد الذين كتبوا بالعربية أبرزهم بلند الحيدري.. وآخرون». مضيفا: «منذ أنشئت وزارة الإرشاد في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم (1958 - 1963) حتى سقوط نظام صدام حسين (2003) لم يتول وزارات الإرشاد والإعلام والثقافة سوى مثقفين اثنين، هما: فيصل السامر وشفيق الكمالي. ومنذ سقوط نظام صدام حتى الآن لم تُسنَد وزارة الثقافة إلى من له علاقة بالثقافة والمثقفين سوى لواحد هو مفيد الجزائري، فيما خلفاؤه كانوا على التوالي ضابط شرطة متقاعدا، وبائع أعلاف، وإمام جامع مطاردا الآن بتهمة الإرهاب، وواحدا (من أهل الله)، ثم ضابط أمن سابقا في أجهزة صدام السرية».

الإعلامي والشاعر حميد قاسم، قال: «الثقافة اليوم هي الحصن الأخير لنا أمام ما يهدد العراق من إرهاب واستقطاب طائفي وتحزبي ممنهج، فليس من مهمة الوزارة إقامة المؤتمرات والمهرجانات خارج البلاد وممارسة سياسة التطبيل والتهويل، بل الانتباه إلى أهمية تنبي تعزيز ثقافة ضد العنف كونه الآفة الأكبر التي تهدد النسيج المجتمعي العراقي».

وأضاف: «نطالب بفتح ملفات الفساد، خصوصا ما أثير عن سرقات في مشروع (بغداد عاصمة للثقافة العربية)، تلك المهزلة الكبرى التي بدد فيها أكثر من (نصف مليار دولار أميركي) وكان بإمكان هذا المبلغ، لو جرى صرفه بطريقة صحيحة أن يبني نحو 40 قاعة عرض مسرحي، و40 دار سينما، وأكثر من 40 قاعة عرض تشكيلي.. وكذلك كشف قصة الأفلام السينمائية التي أنتجت ضمن مشاريع بغداد، وصرفت عليها الملايين وبقيت معلبة على رفوف المخازن، وليس لدينا حتى الآن صالة عرض سينمائية واحدة».

أما الصحافي علي إسماعيل، فطالب الوزير الجديد بأن «يتولى إفهام المديرين العامين والوكلاء في الوزارة، أنهم ليسوا أمراء ورثوا الإمارة من أسلافهم، لأجل تكريس الميزانيات الكبيرة لنزواتهم الشخصية، كما أنهم ليسوا أوصياء على المثقف؛ بل خدم لأجل دعمه ومؤازرته، وخلق مناخ ثقافي سليم يطمح له الجميع في العراق».

رئيس اتحاد أدباء ومثقفي بابل الشاعر جبار الكواز، قال: «ربما يكون في اختيار أديب عراقي معروف لإدارة وزارة الثقافة العراقية سببا لحلحلة الإشكالية العراقية بين المثقف والسياسي التي تضرب بأطنابها على كل الأصعدة. وما ننتظره من الوزير المكلف كثير، لأنه قريب الصلة بالأدباء والمثقفين بوصفه واحدا منهم، وأول ما نريده هو توفير الرعاية للمثقفين، ودعم أنشطتهم، والانفتاح للمساهمة في تمثيل العراق في المحافل الثقافية والأدبية عربيا وعالميا، واختيار فريق عمل محترف يحسن التعامل معهم».

فيما طالبت الشاعرة زينب الصافي بالاهتمام بإدامة المرافق الثقافية وبناء المسارح وعودة دور السينما وإنشاء دور النشر، والاهتمام بشريحة الأدباء والمثقفين، وإقامة الأمسيات الأدبية والثقافية في أماكن مناسبة لأجل تنشيطها، وإعادة الهيبة للمثقف العراقي بدعمه وتحسين وضعه المعيشي».