كوميديا آيرلندية عن الحب والكتابة

جوليان غوف كاتب ذكي ولكنه لم يصبح بعد روائيا ممتازا * يروي غوف قصة شقيقتين وحيدتين في مدينة عصرية * باستثناء جولييت، لا نجد شخصيات اخرى مكتوبة بشكل مقنع * الكثير من النظريات الأدبية المعاصرة غير صالح للقراءة

TT

رواية جوليان غوف الأولى هي كوميديا ايرلندية رومانتيكية خفيفة، قوض جانبا منها مسعاها الى الابهاج ليس فقط في اطار كونها رواية، وانما في اطار تحويلها الى فيلم. والأمر بالنسبة لهوليوود التي منحت الممثل هيو غرانت فرصة ان يلعب دورا كتب للتو، مختلف عنه بالنسبة لروائي وقع سلفا على قيام الممثل بدور بطل روايته.

وفي هذا العمل يروي غوف مغامرات شقيقتين تجدان الحرية وآفاق الحياة كطالبتين في الجامعة في مدينة غالوي التي اصبحت، أخيرا، مدينة عصرية وكوزموبوليتية. جونو فتاة جميلة، رشيقة، وبريئة، أما جولييت، الراوية، فصارمة الحديث، مرتابة، ودفاعية. غير انه لا يمر وقت طويل قبل ان تدعنا نعرف اننا مخطئون تماما اذا ما اعتقدنا انها صديقة حميمة وواقعية وبسيطة لشقيقتها جونو.

وليست جولييت بريئة، في جوهرها، وانما جذابة المظهر ايضا، فهي، في الواقع توأم جونو. وهي تقول: «كان لدي الجمال الرائق ذاته الذي تتمتع به جونو. لكنني كنت أميل الى التوافق مع هذا الجمال بدرجة أقل». ومن المغري ان يرتاب المرء بأن مثل هذه العبارات المرتبة ذات صلة بتوزيع الادوار السينمائية أكثر مما بالرواية.

وجونو «جميلة الى الحد الذي قد يؤدي هذا الجمال الى تشويه شخصيتها»، هكذا تخبرنا شقيقتها مضيفة «انها غير منظورة خلف ذلك». أما جولييت فليست على هذه الشاكلة، كما انها، بالتأكيد ليست غير جديرة بالاستماع اليها. ويميز الروائي، في الواقع، بين الشقيقتين التوأم، وفي بعض الاحيان بدقة رشيقة. فجولييت تعلن في البداية قائلة: «في ذلك الوقت لم أكن أؤمن بالحب. أما جونو فكانت تؤمن به. ولم يحمها الايمان به، أما عدم الايمان به فلم يحمني. كانت تلك سنة مثيرة للاهتمام». ورواية «جونو وجولييت» هي قصة تلك السنة.

فقد كان هناك السعي الى ايجاد مكان للمعيشة في مدينة صغيرة مليئة بالطلاب. وقد نصحتهما احدى القريبات التي تكبرهما سناً بالعيش مع صديقة لها تبدو نزعتها الكاثوليكية ضيقة حتى بالنسبة لها. وتعتذر هذه الصديقة، التي تطلب ثمنا زهيدا جدا لشقة واسعة، عن رفعها الايجار قليلا، مبررة ذلك بارتفاع التضخم الذي تقول ان سببه مؤامرة يهودية ـ شيوعية.

وكما هو الحال مع ازمة السكن، فإن المشاكل الأخرى التي تنتظر الشقيقتين تتطور باتجاهين. فجونو تقيم مع مايكل، الثرثار، زميل دراستها الطيب الذي تعوزه الرشاقة والبراعة. انهما يتوددان الى بعضهما ويتخاصمان. وفي لحظة ضعف تستسلم له ويندم الاثنان على ذلك، وتتصالح الشقيقتان، وفي نهاية المطاف يعود مايكل وفق شروط معينة.

واذ تشعر جونو بالأسى تجاه كونراد، الكاتب المرهق، فانها تتلقى قصاصا عنيفا تستحقه، ويجري التعامل مع مصير مماثل للكاتب المجهول الاسم لعدد من الرسائل الغريبة الاطوار، المسببة للأذى.

أما من هو هذا الكاتب فمسألة تعتبر واحدة من الحبكات العديدة في الرواية، وواحدة من اضافات التشويق، مع انها لا تؤدي، في الواقع، هذا الغرض. وباستثناء جولييت وعلاقتها الرومانتيكية المتخبطة مع احد المعلمين، لا نجد شخصيات أخرى، أو حالات لهذه الشخصيات مكتوبة على نحو مقنع، فهذه الشخصيات لا تقدم أحداثا مثيرة، وانما تقدم افعالا تشبه قفزات راقص كسيحة في الخلفية، بينما تتواصل قصة جولييت حتى نهايتها.

بل ان جونو ضعيفة وهشة، على الرغم من ان المؤلف يلفت الانتباه اليها على نحو جذاب عبر وصفها كفتاة جميلة وغير منظورة ايضا. ان هذه العبارات الذكية والبارعة، والعديد غيرها من العبارات المثيرة للاهتمام هي نقطة قوة الروائي غوف. ويمكن ان يبدو، في الواقع، انه يبتكر شخصياته الى حد كبير من أجل ما سيقوله (أو تقوله راويته جولييت) عن هذه الشخصيات. ان جولييت تتحدث عن مشاكلها وتعقيدات حياتها بحدة أكبر من معاناتها من تلك المشاكل والتعقيدات.

وهي تقول إن «شائبتي هي الشائبة الفكتورية للنزعة العاطفية وليس الشائبة الحديثة للسخرية»، وهذا صحيح تماما. فهي ومعلمها ديفيد هينيسي، يصلان مبكرين في درسه الاول، وهو يقدم نفسه بذلك الارتباك المحبب الذي يحتفظ به على الدوام تقريبا. فهو يقول لجولييت «أنا اتلقى هذا الدرس الخصوصي، أعني اعطيه. يجب عليّ القول انني أشعر بالاحتيال المزعج. الناس يلقبونني البروفيسور، أعني الطلاب. لقد اعطيت دروسا عن بيلو وابدايك ونابوكوف لطلاب السنة الثالثة ومعظمهم يبدون أكبر سنا مني، واستطيع القول انهم لا يصدقون كلمة مما أقول». ربما كان عليه ان يطيل لحية رمادية حتى يتغير موقفهم منه.

ولا يمضي الكثير من هذا شوطا بعيدا. غير ان الأمر يتغير بعض الشيء بعد فترة من المقاومة من جانب جولييت، ولم يكن هناك الكثير منها على أية حال. واذ تمضي أيام السنة يهرع ديفيد اليها ويجعلها تساعده في شراء بعض الاطعمة. انه سيدعوها الى العشاء. ويتحرك الاثنان بسرعة في قارب بخاري عبر خليج غالوي المتلاطم الامواج ليصلا الى البرج الرائع المشهد حيث يعيش مع والده المريض العاجز.

ويتمتع والده بجاذبية بليغة، فهو رجل ثري بسبب ابتكاره طريقة للتنقيب عن النفط في المياه العميقة. ويعد ديفيد المرتبك على نحو جذاب، عشاء فاخرا. وهناك نزهة ليلية مشيا على الاقدام عند البحر، وتفاهم متبادل تعوقه حالات من سوء التفاهم والتوقف عند حدود معينة. كان قد فكر بأنها شابة صغيرة وكان يخشى ان يسبب لها الأذى. وهي تقنعه بأن الأذى هو الفرصة التي يتلقاها المرء. واذ التقيا على نحو جذاب، فانهما ينتهيان على نحو أكثر جاذبية.

واذا ما وضعنا موضوع الجاذبية جانبا، فإن ديفيد يؤدي غرضا آخر هو موضوع الافكار. فهو يلقي محاضرتين في الفصل الدراسي حول المعالجة السياسية، والادعاء، والنخبوية، وعدم صلاحية الكثير من الادب والنظرية الادبية المعاصرة للقراءة، وبغض النظر عن احتمال ارضاء صحيفة «الوول ستريت جورنال»، فإن الحجج التي يطرحها المؤلف ديفيد حجج لبقة وحساسة. انها ليست حججا مفروضة بالاكراه وانما دعوات للحوار. ومن الطبيعي انه لا يقدم لنا من نحاوره.

إن غوف كاتب ذكي، وهو ببساطة ليس روائيا ممتازا جدا، أو انه لم يصبح بعد هذا الروائي (اذا ما حكمنا من خلال عمله الروائي الأول هذا): انه كاتب يفرض على نفسه المتطلبات التي يحتاجها المرء لكتابة رواية كوميدية. ان «جونو وجولييت» مثل صلصة لاذعة على طبق من الخضار. انها «رواية لنا نحن»، هكذا وصفها الناشر ولكن من هم هؤلاء الـ «نحن»؟

* الكتاب: جونو وجولييت

* المؤلف: جوليان غوف

* عدد الصفحات: 270 صفحة

* الناشر: نان آي. تاليز / دوبلداي

* خدمة «نيويورك تايمز»